التقينا منذ اثنتي عشرة سنة في الخرطوم، ضمن مجموعة طلبة يمنيين اوفدوا إلى الخارج للدراسة، وحينها لم تكن قد تشكّلت بعد المليشيات الطائفية المرعبة. كان "ناصر" شاباً حيوياً، ونشيطاً، وذا علاقات واسعة.
افترقنا مذْ غادرتُ الخرطوم في نفس العام لنلتقي مجدداً في موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيسبوك".
لا يترك ناصر منشوراً لي، خصوصاً ما يتعلّق بنقد جماعة الحوثي، إلا وعلّق عليه، وكنتُ اسأله: هل أنت حوثي؟ .. فيقول لا؛ ثم يورد دستة مبررات حول مخالفته لرأيي، أو طريقة كتابتي.
بالأمس، كتب ناصر منشوراً في صفحته وهذا نصّه: "بالتوكل على الله بسواعدكم وصمودكم سوف نتمكن من قطع يد الإخوان، سنقتل ونموت؛ في المكان الصحيح وفي سبيل الله وسبيل الحق وفي سبيل كل القيم التي بعث الله من أجلها الانبياء والرسل، وهذا ليس مجرد كلام هذا عهد قطعناه .. وفي نهاية المطاف سننتصر".
كان لهذا المنشور وقع الصدمة بالنسبة لي؛ كيف يمكن أن اقنع نفسي أن من كتب هذا هو صديقي الشاب الرائع والجامعي المجتهد.
الآن بدأت أخاف من الطائفية؛ كيف لا، وأنا اقرأ كلاماً لشاب جامعي يتوعد الناس بالقتل، ويعتبر أن هذا سبيل الله والحق والقيم.
حينما نقل علي البخيتي، الناطق باسم الحوثيين، كلاماً عن الشيخ سعيد الرزامي، مفاده أن الأخير قال لعلي محسن الأحمر إن "المفصفصين" و"عاصيي والديهم" سيلتحقون بركب جماعة الحوثي؛ لم يكن هذا كلاماً صادماً، وهو، بالنسبة إليّ، أدقّ وصف قرأته للجماعة حتى اللحظة.
لكن أن ينجر الجامعيون إلى متارس الطائفية فهذه كارثة ستحل بالبلد، ولن ينجو منها أحد.
على من نعوّل إذاً في إخراج البلد من أزمتها، إذا كان الجامعيون والمثقفون والصحفيون هم مجرد أدوات، فقط، في أيدي تُجار الحروب ومسعري الحروب الطائفية!
الحروب الطائفية لا مصلحةَ لأحد فيها، سوى من يعيشون على جثث ضحاياهم، لإشباع رغباتهم الشيطانية، على حساب أمن الوطن والمواطن.
لا أريد أن أسمع خبر وفاتك يا صديقي، هذه ليست سبيل الله ولا الحق.. إنها طريق الشيطان، وأعوانه، على اختلاف مشاربهم وأهدافهم.