حاولتُ أن أجدَ توصيفاً لِما هو حاصلٌ في اليمن فعَجَزْت ! وكنتُ أظنّ أنّ توصيف " الدولة الرّخوة " كافٍ ومُلخِّص ، لأكتشف أنّ عجائبنا أكبر من هذا التعريف ، وأنّ غرائبنا أشمل من هذا التوصيف . ولسوءِ الحظ ، فإن تعريف " الدولة الفاشلة " أيضا لمْ يتسع هو الآخر لعجائبِ ما نعيشهُ وغرائبِ ما نراه ونسمعُه ! الدولةُ الرّخوة هي الدولة التي ترهّلت بفقدان الإرادة ، وتساقطت بسوء الإدارة ، وانعدام الحزم والعزم . . دولةٌ غير قادرة على تنفيذ القانون وأحكام القضاء . . أمّا الدولة الفاشلة فهي تلك التي لا تسيطر على مُعظم أراضيها . ويعتقد المفكّر الأمريكي الشهير تشومسكي أن الدولة الفاشلة هي العاجزة أو غير الراغبة في حماية شعبها من العنف والفوضى والدمار . لمْ يخطُرْ ببال تشومسكي ولمْ يُشِرْ في تعريفه إلى الدولة المُعتِمة أو المُظْلِمَة ! وهي تلك الدولة التي يعيش مُعظم مواطنيها بلا ضوء أو كهرباء مُعظم حياتهم ! ولمْ يُشِر إلى الدولة المُفلسة ! وهي تلك الدولة التي تعجز عن دفع مرتبات موظفيها . رغم ان سفريات وزرائها اكثر سفريّاتٍ في تاريخ الدولة . ولمْ يُشِرْ إلى الدولة الخائرة ! مِنَ الخَوَرْ ! أي الضّعف . . وهي تلك الدولة التي يُنذرُها بالتهديد بعضُ مواطنيها وتتوعّدُها بالوعيد جماعاتٌ من قُطّاع الطرق وشراذمُ من الأّفّاقين ! فتستكينُ وتغضُّ الطّرْف وتنتظر حتى يفرّجها الله من عنده بدعاء الوالدَين ! ولمْ يُشِرْ إلى الدولة الحائرة ! وهي تلك الدولة التي لا تعرف ما تُريد ! دولة تائهة . . تحكم بلا هدف ، وتُدير بلا رؤية ! ولمْ يُشِرْ تشومسكي أو يخطر بباله مُصطلح الدولة المَكْلُومة أو الدولة الثكلى ! وهي تلك الدولة التي لا شُغل لها أو عَمَل إلاّ إذاعة برقيّات العزاء ! يُصْبِحُ عليها الشعب وينام ! ولمْ يُشِرْ إلى الدولة ذات الخمسمأة وكيل محافظة ووزارة ! وهو عددٌ كافٍ لأن يحكم ويُدير إمبراطورية ! ولمْ تُشِرْ تلك التعريفات إلى الدولة المريضة ! وهي تلك الدولة التي فاضَتْ مستشفياتها بالمرضى حتى أنك لا تجد موطئاً لِقدَم ، وامتلأتْ مطاراتُها بالمغادرين وطائراتُها بالعيّانين حتى أنك لا تجد مِقعداً خالياً ! ونسي تشومسكي أن يُشيرَ إلى الدولة المسمومة ! وهي تلك الدولة التي يتناول شعبُها أكثرَ أنواع السموم فتكاً في العالم . . السُّم الإسرائيلي ! وإذا اكتشفتهُ الدولة فإنها تعجز عن دفنهِ أو إخراجه من ضاحية الجِراف بالعاصمة ! وتعجز حتى عن عقاب أو محاكمة التاجر المُستورِد حتى هذه اللحظة ! ولمْ تُشِرْ تلك التعريفات إلى الدولة الدائخة ! وهي تلك الدولة المصابة بفقر الدم ! مِن كثرة مصّاصي دمائها وناهشي لحمها ! ولمْ يُشِرْ تشومسكي إلى الدولة المُدرّعة ! وهي تلك الدولة التي تصرِف أكبرَ عددٍ من السيارات الفخمة المُدرّعة حمايةً لوزرائها وموظفيها الكبار ولا تكاد تصرف شيئا لجنودها المغدورين ، وضُبّاطها المقتولين كل يوم ! وأخيراً , فإنّ ما لمْ يخطُرْ بباله ولن يخطُرْ هوَ الدولة المُهجِّرة أو المُحَكِّمة ! وهي تلك الدولة التي تُهجّر القتلة بالثيران وتُحَكِّم المارقين بالبنادق ! وبالطّبع ، فإنّ تشومسكي يحتاج إلى معجزة كي يفهم ! وإذا فهم فإنّه قدْ يُغمى عليه ! وسنحتاج إلى جردل ماء كي نصبّهُ على أُمّ رأسه كي ينتبه أو يُفِقْ مِنْ هَوْل ما سَمِعَ . . وما رأى !