تتعرض القيم والتعليمات الإسلامية للكثير من التشويه والإساءة، ذلك بفعل العديد من العوامل والمتغيرات التي عملت سوياً على إظهار هذه التعليمات وهذه المبادئ على هذا الشكل، الأمر الذي يجعل تناولها ذا أهمية في البحث عن الأسباب والمقاصد التي تقف وراءه، والفائدة التي يتم جنيها جراء كل هذا التشويه ومن يقف وراءه. وفي إعتقادي لا يمكن تناول هذا الموضوع وهذه الإشكالية وتصحيحها ما لم تكن هناك وقفة نقدية صارمة لبعض الممارسات التي تأتي بها الجماعات الدينية المتعددة، والتي تمارس أعمالاً وأفعالاً لا يقبل بها أي دين أو شرائع وتتنافى تماماً مع العقل والفطرة البشرية. ومن هنا لابد أولاً التأكيد إن إي أفعال أو ممارسات لهذه الجماعات الدينية لا تعني بأي حال من الأحوال إنها تجسيداً للأسلام أو أنها المعبر والمفسر الوحيد للدين الإسلامي، حتى وإن حاولت تلك الجماعات تصوير الدين وتبّني تفسيراً وتصوراً معيناً، أي إنها في واقع الأمر، إجتهادات وتفسيرات أحادية، ليست ملزمة لأحد بإعتبارها الإسلام ولا تفسيراً وحيداً له، فالدين الإسلامي لم يأتي ليؤسس طبقة ثيواقراطية أو قساوسة يتناوبون على فهم وتفسير التعاليم الإسلامية وإحتكارها والتعبير بإسمها. إن الحقيقة التي تتجّلى أمامنا إن هذه القوى والجماعات الإسلامية "المتطرفة" قد تسببت بتشويه وتعريض التعاليم والمبادئ والمقاصد الإسلامية أكثر من أي أطراف أخرى، حتى إن الأطراف الأجنبية والخارجية التي كثيراً ما يتم توجيه سهام الإتهام لها بأنها تقوم بتشويه الإسلام، تستغل هذه الجماعات وموروثها الذي تدعيه وتناضل من أجله وتسعى لنشره، فهذه الجماعات "المتطرفة" كانت ولا تزال توفّر الظروف الموضوعية لنجاح القوى المعادية للإسلام لتشويه سمعته وإلصاق كل تلك التهم المختلفة من تخلف وإرهاب وتبعية بجموع المسلمين، وليس تكفير الجماعات لبعضها، وتقطيع الرؤوس، وتوزيع الفتاوى، والإقتتال المستمر بينها البين، وغيرها من الأعمال الشنيعة إلا مظاهر وإفرازات تُعطيّ إنطباعاً عاماً عن موروث وفكر هذه الجماعات وما تدعيه وتستند إليه، وليس من الغريب ملاحظة وإستيعاب ما باتت تمثّله وتقدمه كخامات مفيدة لأعداء الدين الإسلامي وتسويق تلك النظرة لهذا الدين العظيم بمبادئه وتعليماته السامية، ولا مناص من الإعتراف بأن الغرب قد نجح في تسويق هذه النظرة لاسيما في أوساط غير المسلمين. حقيقةً، لقد صارت لديّ مجموعة من التساؤلات تتردد في ذهني بين فترة وأخرى، مفاد كل هذه التساؤلات، هل أصبحنا بحاجه إلى حركة تصحيح ديني؟، هل أصبحنا بحاجه إلى حركة كتلك التي جرت في أوروبا وما سُميّ آنذاك بالحركة البروتستانتية؟، هل آن أوان تنقية وتصفية تراثنا وموروثنا الفكري والديني مما علق به من فهم متطرف وغير سويّ؟. وهذه الأسئلة هي بالتأكيد تهدف إلى محاولة إعادة الصورة المعتدلة للتعاليم الإسلامية والتي ربما تحتاج إلى جهود كبيرة وشاقة، بإعتبار إن ما أحدثته هذه الجماعات المتطرفة والإرهابية من تشوية وشرخ في هذه التعاليم وصل إلى درجة من العمق بحيث بات تصحيح الصورة المأخوذة عن هذه التعاليم في أوساط الشعوب والجماعات غير الإسلامية تعتبر مهمة في غاية الصعوبة وتحتاج إلى وقت وجهد عظيمين لتصحيح وتحسين ما لحق بها. ويضاعف من هذا الجهد وهذه المهمة إن الجماعات المشار إليها تواصل ممارساتها التشويهية للقيم والتعاليم، وتتسع وتنتشر بل وتحظى بقبول لا يستهان به في أوساط المجتمع وتستغل البيئة والظروف الصعبة التي يمر بها الناس في تحقيق مرادها وجذب انصار لها والسعي للإستمرار والإمتداد تحت غطاء الإسلام والتعاليم الدينية، مما يُحتّم على الجميع البدء بعمل وحركة فكرية ودينية تجابه هذه الجماعات وأفكارها ومحاصرتها وتجفيف منابعها أينما كانت.