قرأت رد وزير التربية والتعليم "عبد الرزاق الأشول "بخصوص تعديل اسم ووظيفة مدرسة جمال عبد الناصر،لتصبح "مدرسة جمال عبد الناصر للتمفوقين "وذلك بعد تراجع الوزارة عن تغيير الإسم، ربما بسبب ما قد يتركه فعل كهذا على علاقة التجمع اليمني للإصلاح بالتنظيم الوحدوي الناصري،الذي استفز موضوع التغيير قياداته،وكوادره، إلاّ أن تحويل المدرسة للمتفوقين يعدّ من وجهة نظري تشويهاً وتفريغاً للرسالة التي أرادتها مصر عبد الناصر من بنائها للمدرسة الثانوية في كل من تعز وصنعاء،والحديدة،كي تكون مدرسة لكافة أبناء الشعب اليمني،دون تمييز بين متفوق في مهارة معينة وآخر،فهذا التمييز على أساس الذكاء بين الطلاب يعدّ تفريقاً عنصرياً، وتأسيساً طبقياً في المعرفة والتعليم، وهو ما يتناقض مع الدستور الذي ينص على تكافؤ الفرص بين اليمنيين،في كل المجالات،إضافة إلى أن هذا الشكل من التعليم يؤسس لارستقراطية تعليمية،تذكرنا بأولاد الذوات،الذين كان التعليم خاصاً بهم، وها نحن نجعل من التعليم المميز خاصاً ببعضهم، ومحرماً على البعض الآخر...أتذكر أن ثانوية تعز،قد بدأت منذ النصف الثاني من التسعينيات في تخصيص صفوف دراسية خاصة بالمتفوقين،وكيف كانت هذه التجربة سلبية في نتائجها، لأنها حرمت الطلاب من التنافس بين الأفهام المتعددة، والمختلفة المستويات... إن السير على طريقة تفضيل الناس بعضهم على بعض في التعليم،يعدّ انتكاسة لمبادئ وأهداف ثورة23 يوليو و26سبتمبر و 14 أكتوبر، وعودة إلى الخلف.ألا يكفي أن لدينا تعليما حكوميا مشلولاً، لصالح مدارس القطاع الخاص، والحزبي، لنسير على طريقة انتخاب صناعي للذكاء،وترك الغالبية ضمن توصيف خاطئ ضمناً، أي مدارس غير المتفوقين،إن لم نقل الأغبياء! على وزير التربية أن يلغي قراره في تغيير اسم مدرسة جمال عبد الناصر،أو وظيفتها،ويتراجع عن السير في طريق مدارس المتفوقين،لأنها تتناقض مع مبدأ دستوري يعطي الحق للجميع في التنافس على أرضية التكافؤ وليس التمييز! هناك فرق بين إنشاء مدارس متخصصة،في الرياضيات والفيزياء، والبيولوجيا، أو الفلسفة،وتعمل على تنمية مهارات المتفوقين في هذه المواد، كنوع من إعدادهم كعلماء في التخصص الجامعي، وبين فكرة مدارس المتفوقين، التي تنطلق بوعي نفعي،أساسه التهام المنح المخصصة لهذا النوع اللاتربوي واللاعلمي في تنمية المواهب! مع أنني أميل إلى المدارس الشاملة التي تنمي الميول والرغبات والأنشطة ضمن وعي تربوي شامل، ومتكامل، وليس، استغراقاً في التخصصات بصورة جزئية، تفقد الطالب النمو المتكامل...التمييز بين الطلاب في الاهتمام على أساس الذكاء هو تأسيس وتشريع لأرستقراطية ذكائية،التنافس يكون بوجود فرصة للجميع،حينها تكون الفروقات في الذكاء قائمة على تكافؤ الفرص،لا أن أميز الأذكياء بفصول خاصة ومدرسين مميزين، والبقية الغلبة مجرد كم من المتخلفين...العباقرة في الوطن العربي درسوا في مدارس تشمل الجميع! لقد استأثر الاصطلاحيون بإدارات الجودة، وهي إدارة مستجدة في كل مكاتب المحافظات، والوزارة، وهدفهم من ذلك إدارة جودة التعليم نحو هذا الانهيار، مع شره واضح لتمويل المنظمات الدولية المانحة! كان لثانوية تعز تجربة استمرت لسنوات، جربنا فيها هذا الشكل المشوه من التعليم القائم على التمييز،وطيلة السنوات التي حدد ت فيها صفوف خاصة بالمتفوقين، لم يتفوق منهم النسبة التي كانت تتفوق من قبل، بل ازداد التراجع العلمي عند المتفوقين، والآخرين، لغياب التعزيز الناتج عن تعدد الأفهام. كانت لثانوية تعز تجربة أخرى في الاهتمام بالمواهب الأدبية والصحفية، خارج البيئة الصفية،وهذه نجحت بإطلاق طاقات الطلاب،وتواجد معظمهم في الساحة بعد سنوات ككتاب وصحفيين وناشطين حقوقيين...الاهتمام بالقدرات ضمن وظيفة المدرسة وهدف المنهج.الاهتمام بالقدرات والمهارات وتعزيزها يكون باهتمام خاص بهم دون اختطافهم من بيئتهم التربوية العامة.لقد أشرفت بنفسي على المواهب الأدبية التي كنت أقوم باختيارها بملاحظات مباشرة مع الطلاب،في البيئة الصفية وفي المكتبة المدرسية،وفي الإذاعة المدرسية، منذ عام 96م وقد نجحت هذه التجربة في إطلاق طاقات الإبداع في الشعر والقصة، والمقالة، والصحافة الرياضية،والخبرية،والإخراج،والخطابة...الخ دون أن يكون هناك تمويل وتعزيز للوصول بهذه المواهب إلى إطلاق الطاقات،ويمكن رعاية هذا التوجه في الجوانب العلمية من قبل مختصين،يكون عملهم داخل البيئة المدرسية والصفية، فإذا وجد الدعم المهني والمادي ستكون النتائج بأقل تكلفة أفضل من وهم مدارس المتفوقين!. أختتم رؤيتي هنا بما أوردته الدكتورة سعاد القدسي في تعليق مهم لها "زرت كوبا في بداية التسعينيات.... وشاهدت تجربتهم في انتقاء الأطفال الذين يثبت عبقريتهم.. واستراتيجيتهم على احتوائهم وتوفير ما يشبه مؤسسات مستقلة لها علاقة مباشرة بمراكز دراسات وأبحاث تعمل جميعها في تناسق مع المدارس على تنمية مواهبهم وقدراتهم.. دون أن يختطفوا الأطفال من عالمهم ومدارسهم وفصولهم وزملائهم وألعابهم.. كما أن طريقة اختيار هؤلاء الأطفال لوحدها استراتيجية أخرى تصرف عليها الدولة ببذخ ومصداقية... ولم يستثن أيضاً أطفال مشردون (من أطفال شوارع) انطبقت عليهم معايير الاختيار وحق الاهتمام.. أردت أن أقول هناك تجارب في كندا واليابان والصين يمكن قراءتها.. ولكن الخوف في موضوع جمال عبدالناصر اسماً ومدرسة عندما تتخذ مثل هذه القرارات بجرة قلم من أجل الانتقام والتشفي وإشغال المجتمع والرأي العام.. ومن أجل إفراغ وخلخلة التعليم الرسمي ومحو هدفه لمصلحة مدارس الشقق الخاصة".