ثلاثة وعشرون عاما هي حصيلة الفترة من عام 1967م وحتى عام 1990م تلك هي تجربة الحضارم لمحاولة العيش والتعايش مع أبناء الجنوب في ظل ما كان يسمى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تلك الفترة كانت كفيلة بأن توصل أبناء حضرموت إلى قناعة مطلقة بصعوبة التعايش ضمن خيار الجنوب حيث كانت العاصمة عدن تعيش تحت قبضة قبائل الجنوب المتمثلة في قبائل يافع والضالع وأبين وحتى تخوم شبوه . وظلت مدينة عدن في تلك الفترة ساحة تصفية الحسابات والصراعات القبلية والمناطقية تحت غطاء ولافتة الاشتراكية العلمية المستوردة ، وتحت شعار الوطنية والقومية الزائفة . ثلاثة وعشرون عاما أخرى هي حصيلة الفترة مابين عامي 1990م وحتى عام 2013م م تلك هي تجربة ثانية للحضارم لمحاولة العيش والتعايش في إطار الوحدة اليمنية الاندماجية التي وقعها علي سالم البيض مع صديقه اللدود علي عبد الله صالح وفي ظل الجمهورية اليمنية الحالية ، تلك الفترة أيضا كانت كافية بأن توصل أبناء حضرموت على قناعة مطلقة بصعوبة التعايش ضمن خيار الوحدة الاندماجية بصيغتها الحالية حيث كانت ولا تزال العاصمة صنعاء مكتومة الأنفاس تحت قبضة رجال القبائل الشمالية ورجال النفوذ العسكري والمالي . ونستطيع القول أن دولة عاصمتها عدن أو صنعاء يكاد من المستحيل أن تشهد أي تقدما على صعيد المدنية والحضارة بعيدا عن قبضة القبلية والنفوذ سواء الجنوبيين منهم والشماليين على حد سواء . ونحن هنا لا نتكلم بدافع العصبية ولا المناطقية بل بدافع تشخيص الداء وتوصيف الدواء . كما أنني لن استرسل في سرد الشواهد التاريخية والتذكير بها استدلالا على صحة ما قلته سلفا بل سأكتفي فقط بالإشارة العابرة والتذكير بواقع الحال الآن فصنعاء لا تزال مركزا للنفوذ القلبي والعسكري اليوم مثلما كانت بالأمس وليس هذا الكلام مجالا للشك والجدال . بينما عدن عانت بالأمس دورات صراع الرفاق وبدوافع قبلية بحته مهما تقمصت من مسميات ورفعت من شعارات وكان آخر جولاته الدامية صبيحة يوم الثالث عشر من يناير 1986م وهي لا تزال إلى اليوم تجتر صراعات الأمس تحت شعار ما يسمى بالحراك الجنوبي الذي يتصارع تحت لافتته رفاق الأمس ثوار اليوم بغية فرض كل واحد منهم نفوذه ونفوذ جماعته على مدينة عدن ( عاصمة الجنوب ) . وخلاصة القول أن حضرموت الحضارة والتمدن قد عانت كثيرا من ذلكم الخيارين الفاشلين ويجب على العقلاء فيها أن لا يكرروا نفس التجارب السابقة الفاشلة . كون حضرموت تمتلك أرثا حضاريا كافيا لضمان قيام دولة مدنية حضارية حديثة . لا يحتكم فيها الفرقاء الى السلاح ولا إلى فرض واقع القوة على الأرض . فالإنسان الحضرمي مهما أختلف مع غيره غير أنه أبدا لن يلجأ للعنف والعنف المضاد بل إن المدنية وثقافة الحوار والقبول بالآخر تكاد تكون جزء لا يتجزأ من تركيبته الخلقية المتأصلة في أعماق وجدانه الممتزجة بذرات كيانه . إن الفرصة اليوم سانحة أمام أبناء حضرموت لفرض خيارهم الثالث خيار الإقليم الشرقي أو إقليم حضرموت بغض النظر عن الاسم والمسمى على المتحاورين في مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء خصوصا واليمن اليوم تمر بمرحلة صياغة عقد اجتماعي وسياسي جديد سيتبلور عن شكل جديد للدولة يجب أن يكون لحضرموت فيه ميزة وصفة اعتبارية تتميز بها عن غيرها وتسمح لها بشق طريقها بنفسها بعيدة عن التبعية للآخر كائنا من كان . إن استقرار حضرموت وازدهارها بإذن الله لن يكون إلا عامل قوة واستقرار للمنطقة كلها واليمن بشكل اخص وسيلقي بظلاله على جميع مناطق الوطن اليمني فلنسهم جميعا في نجاح تجربة حضرموت بعيدا عن مراكز النفوذ والتسلط بين صنعاء أو عدن حتى تكون نموذجا يحتذي به الآخرون .