قديما كنا نسمع دائما عن أن صنعاء مدينة (حوت كل فن)، كنا صغار حينها لا نفقه شيئا، ونكتفي بترديد ما يقوله الكبار بكل براءة وعفوية. عندما بلغنا سن الرشد، تفتقت أذهاننا للمغزى الذي جعل أسم صنعاء يختزل باحتوائها لكل فن، من تاريخها العريق وسحرها المتجدد وطابعها المعماري الفريد، ومعالمها الأثرية الموغلة في القدم، والطرب الغنائي الأصيل، ومناخها البديع لاسيما في موسم الصيف، وحسن وجمال المرأة الصنعانية وأنثوتها المترعة بالدلالة والرقة، كل ذلك جعل من هذه المدينة هدفا مشروعا لقصائد الشعراء وأقلام كبار الكتاب في العالم العربي، إلى درجة وصفها بأنها عبارة عن متحف مفتوح، يمتد من محيط باب اليمن حتى نهاية مدينة صنعاء القديمة في حي السباح. لكن الفن الذي ظل ملازما لصنعاء حتى اليوم، خرج عن إطاره التقليدي المتعارف عليه في مدن العالم، لينتقل بعد سياسة الانفتاح وكل شيء مباح، إلى مجالات مختلفة في الحياة، ويؤسس لعلاقات جديدة، تبدأ بنسج خيوطها من مجالس القات وتكتب بحبر دخان المداعة والشيشة. من وسط كومة أوراق الزريبة، أو الاسطبل، ظهر فن التفسيخ والتخليس في الساعة السليمانية، الذي جعل دبلوماسيين عرب وأجانب وممثلي منظمات دولية يغيرون جلدهم وطبائعهم، وحتى لهجتهم، بعد إدمانهم على القات، ويرفضون مغادرة صنعاء للانتقال لبلد اخر ولو كان ذلك على حساب تقديم استقالتهم أو طردهم من العمل!. مباهج الحياة في صنعاء متاحة، وتسويقها فن قائم بذاته، خصوصا لأولئك الذين كانوا يعيشون في عزلة وعلى أعينهم غشاوة، أقصد بالتحديد قيادات الحزب الإشتراكي اليمني، الذين كانوا يعارضون الذهاب لصنعاء بعد الوحدة لشغل وظائف رفيعة، وعندما انتقلوا إليها بقدرة قادر، أصبحوا يعضون أصابع الحسرة والندم على الأيام التي ضاعت من حياتهم بعيدا عن حضن صنعاء الدافئ، هذا طبعا بعد أن تم تطويعهم، وتطعيهم بلقاح الفساد المستشري، أما من غرد خارج السرب، فكلنا يعلم كيف انتهى مصيره، بالقتل أو التشريد والنفي، وكله فن!. من أسوار صنعاء، صدرت للعالم، أنظمة الشحاته والتسول خمسة نجوم، التي دشنها الرئيس السابق علي صالح، وانتهجها المعين عبدربه منصور، وفيها تم التوقيع على صك براءة لجرائم نظام ارتكبت طيلة 33 عاما، ولا تزال ترتكب حتى اليوم، بحجر الله هذا مش فن!. العاصمة اليمنية، تسقط بيد جماعة الحوثي دون مقاومة، والحكومة والجيش يباركان السقوط، والعودة إلى عهد الإمامة، ورئيسها عندما يجرد من صلاحياته يشكي وينوح ويرد بكلمة واحدة: وانا ايش عادنا اعمل؟ .. اروح لي عدن احسن.. قلدكم الله كيف عاده يكون الفن؟. لكن الابتكار الحقيقي في صنعاء هذه الأيام، هو فن أسلوب التعامل مع الخصوم والمعارضين، الذي خرج من تحت عباءة اللبج بالصميل والطعن بالجنابي والحناجر والذبح، وانتقل إلى مربع خلع البناطيل الجينز والعض (الجدم أو القحص) السفري أثناء عمليات الاشتباك بالأيدي، كاراتية يعني.. فن الدفاع عن النفس، مش زي أصحابنا في الجنوب موضتهم قديمة، وقالك (ثورة حجارة) قال!، ياجماعة تعلموا ولو لمرة واحدة من (الخبرة) وأفكارهم اللي ما خطرت على بال المرحوم بروسلي ولا جت لي وناجي شان.