في أي قطر من أقطار العالم يحتل الحزب السياسي الناجح مركز الصدارة بين جمهوره… وتعتبر أطره التنظيمية البوصلة الرئيسة التي تهتدي بها قواعده في مواصلة دروبها النضالية لتحقيق الأهداف والغايات السامية ، وبتأثيره يلعب دوراً رئيساً في الحياة العامة ( اجتماعيا – سياسيا – اقتصادياً – تنظيمياًً ) ولكن ما نشاهده اليوم في ساحتنا المحصورة غير ما ذكرناه آنفاً ، نرى أحزاباً لا خطط مستقبلية لها ولا انجازات على المستويين التنظيمي والجماهيري وإن وجُدت هذه القاعدة فأنها غير مقتنعة بسياسات الحزب التي تنتمي إليه من الناحية العقائدية والايديولوجيه الغالب الأعم منها علماني التوجه والبعض الآخر إسلامي يرفع شعارات دينيه ، وهناك أحزاب أخرى لا تمتلك القاعدة الشعبية فهي تغرد خارج السرب وهذا ما أثبتته الوقائع ، ومثل هذه الأحزاب بينها وبين الجماهير هوة عميقة ، حتى المنضوين فيها من القيادات لا تنظر إلى تفعيل الأداء الحزبي بشكله النموذجي . و فترات الذروة الاحتفالية ، هي الفرصة الذهبية للكثير من القيادات التي تستفيد من الدعم المالي المقدم والمواد الغذائية التي غالباً ما تخصص للأحبة والمحاسيب ، – توزع ليلاُ – ، كي يستبعد منها المحتاجين لتلك المواد و الذين يعاملون معاملة منبوذي الهند . وللانتخابات حكاية أخرى فإن سباق الأحزاب الماراتوني يهدف في المقام الأول حصد أكبر عدد ممكن من المقاعد بغية تحجيم دور خصومها في البرلمان وتمريرالسياسات والقوانين ، هنا فقط يهتمون بالدور الجماهيري في الحملات الانتخابية لما له من تأثير في حسم المعارك الساخنة .. رغم إن القوافل التي تأتي من المواقع والثكنات العسكرية هي من يعول عليها أكثر في حسم المعركة الانتخابية .. والاستفادة الوحيدة من الجمهور هي تلك المسرحية الهزلية الممجوجة التي يتم عرضها بتسليط الكاميرات على مراكز الانتخابات وإجراء المقابلات واستفتاء مشاعر الناس وتصويرهم بأنهم مؤيدين لسياسات الحكومة الرشيدة التي تعدهم بوقف الجرع والعمل على إنهاء المعاناة والرفع من المستوى المعيشي للشعب .. وبمجرد أن ينفض المولد ويتبوأ كل نائب مقعده في البرلمان تأتي مرحلة المساومات السياسية بين المستقلين وتلك الأحزاب الكبيرة .. وفي خضم تلك المساومات المقيتة ينسون وعودهم الانتخابية التي قطعوها على أنفسهم في ملصقاتهم ..وينحصر الاهتمام بحصصهم من الهبات والعطايا والمخصصات فلا هم اجتمعوا بناخبيهم ولا هم طرحوا همومهم ومشكلاتهم في قبة البرلمان . كما نلاحظ في معظم الأحزاب المتواجدة على الساحة اليمنية ، بأنها تعاني من الضعف والوهن السياسي والاجتماعي ، من حيث التأثير ذلك أن الأعضاء الذين انضموا إليها جاءوا لمنفعة سياسية أو اقتصادية أو وجاهة ، وهذا ما يثبته واقع إن البعض من هؤلاء الأعضاء كان في أحزاب سياسية لها نفوذها القوي وكان لبعضهم دور في العمل السياسي التنظيري ، فانتقل بقدرة قادر إلي أحزاب كان يتعارض معها فكرا وسلوكا وأيديولوجيه ، ..بالله عليكم ماذا نسمي هذا النوع من الأعضاء ؟ هل يوثق بمثله أو بوعوده السياسية ؟ طبعاً هذا السؤال أنتم من سيجيب عليه حتماً .. كما أن بعض من تلك الأحزاب التي تحبس أنفاسها في مرحلة الكبت السياسي لم تصدق إلا و تجد الفرصة المواتية للانقضاض على هذا الحزب أو ذاك بضم قيادات لفظتها أحزابها وأصبحت موتورة ، لهذا تجدها تؤجج النار المستعرة فيهم وتزيدها اشتعالا وذلك بصب الزيت على النار ، عندما تقوم بتنصيبهم ناطقين رسميين للدفاع عن رؤاها ، في شكل رسائل مبطنة مفادها (أيها القوم هكذا نحاربكم … فأعضاؤكم المنقلبين على أفكارهم والتي كانوا بها مؤمنين !! هم اليوم معنا .. وها نحن نستخدمهم كبيادق شطرنج ضدكم ) هكذا هو حال الإنسان الذي يلبس الأقنعة في حفل تنكري فيختار لكل مناسبة قناعاً تنكرياً. ابتليت الشعوب العربية بأحزاب تضع في أدبياتها عبارات فضفاضة ، طنانة ، رنانة تدغدغ بها عواطف الناس وتتلاعب بعقولهم ، وتنقل لهم صوراُ مشرقة عن حياة أفضل ومستقبل أجمل ، ولكن الواقع الحياتي المعاش عكس كل تلك الأدبيات والخطابات الملتهبة حماسة ، ووعوداً وأحلاماُ وردية ، وفي النهاية فليتجرع هذا الشعب من كؤوس المرارة واستقبال الجرع المميتة ، والفساد الذي يضرب اطنابة في كل مفاصل الدولة كإخطبوط يمتد بأذرعه أينما وصل ، هكذا هي السياسة إنها (لعبة قمار قذرة ).. ولن نتجنى على الحقيقة إذا ما وصفناها بأنها مكفهرة الوجه متقلبة الأطوار لا تستطيع إن تصل إلى كنهها ، ولا يمكنك إن تخطب ودها ، فهي كالأفعى ينطبق عليها قول الشاعر العربي : إن الأفاعي وإن لانت ملامسها *** عند التقلب في أنيابها العطب كم من رجال السياسة لذعتهم تلك الأفاعي بسمومها القاتلة ، فماتوا وهم يحلمون بالتغيير وكم من الأبطال تعرضوا للصعقات الكهربائية وهم اليوم يعيشون حياة غير حياة البشر ،و كم من الأبرياء زاروا دهاليز السجون فما خرجوا منها إلا هياكل عظمية ..وكم من الشجعان اغتيلوا غيلة وغدراً . وكم من حوكم محاكمات صورية وقضي عليه إعداما .. وكم باسمك يا سياسة وحرية لفقت تهم كاذبة إلى وطنيين فأصبحوا خونة في نظر خصومهم … أجارنا الله من السياسة ومن تقلباتها .. وجنب بلادنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن .