هناك مقولة جميلة تقول : " ليس كل من يُطلق عليهم رجال هم رجال بالفعل، فكلمة الطير تجمع بين الصقر والدجاجة " . حديثنا عن معاناة المرأة من بعضٍ ممن لا يقدرون المسئولية حق قدرها، ويعانون من قلة الذوق والخلق، وانتهاك قدسية المسئولية التي ولّاهم الله عليها بمواثيق غليظة، فمسألة الطلاق وامتلاك الرجل لأحقيته فيه وحده دون منازع، حتى أخذ ذلك البعض يستغل هذه المنحة الربانية في الكيد للنساء من خلال التعليق الغير مبرر المتبوع بالضغوط والابتزازات، وعدم الإحسان حال التسريح، وعدم إحسان العشرة، وربما وصل الأمر بعد جهود مضنية من أجل الأسرة والأطفال إلى عقد صلح مزيف، فيكون الإرجاع ومعه يعود الذل والهوان على الزوجة الذي قد تصل أبرز مظاهره بالضرب المبرح. يؤلمني كثيراً حينما أسمع بقصص رجال يضربون زوجاتهم .. ولا يرحمونهن وينشرون الرعب في بيوتهم الآمنة ، فزوج يرمي بقنينة الشاهي على طول يديه لأنهم تأخروا في إحضارها لثوان معدودة ، وآخر يرغو ويرعد ويزبد لأن الملح زاد قليلاً أو نقص قليلاً ، وثالث يزأر لأن ملابسه متسخة لم تُغسل بسرعة البرق .. ورابع لا يعرف البسمة بين أهله ويقترها عليهم تقتيراً .. ثم نجدهم في خارج البيت أحمالاً وديعة، وكائنات غاية في اللطف والبشاشة .. بربكم هل هؤلاء رجال حقاً ؟!! وهل يحملون من معانى الرجولة شيئاً ؟!! الضرب للمرأة .. بين الإهانة والتأديب : من القضايا الشائكة التي تُناقش منذ زمن بعيد، ونالت اهتماماً بالغاً خاصةً من جانب من يريدون ضرب الإسلام ورميه بالشبهات والافتراءات والأراجيف والأكاذيب، والنيل منه بتزييف الحقائق وإلباسها ثوب الحقيقة؛ من تلك القضايا قضية ( ضرب الرجل للمرأة )، وتأديبه إياها، فأخذ هؤلاء المرجفون يتباكون على كرامة المرأة المهدرة وحريتها المكبوتة، واضطهادها على يد الرجل الذي لا يعرف للرحمة طريقاً، وللشفقة مسلكاً، وأخذوا يقارنون بين المرأة الغربية التي وجدت طريقها للحرية والانعتاق من ربقة الظلم، ونالت كل حقوقها وزيادة، وتمت مساواتها بالرجل، فلا يفضل عنها في شيء، وهي الآن تتنعم في جنة المدنية الحديثة، وتتقلب في راحة ووئام، ولا ينقصها شيء من متع الدنيا. والحق أن المرأة في الغرب قد عانت وتعاني الأمرّين، فحتى في عصر التقدم والمدنية الحديثة حرمت المرأة في بعض القوانين من ميراث زوجها، الذي يذهب حسب تلك القوانين إلى جيب الابن الأكبر، وتحرم كذلك من الأحقية في الانفراد بالتصرف في مالها، كما تغيب شخصيتها المدنية وتفقدها في حال إذا ما ارتبطت بالرجل حيث إنها بعد زواجها تصير تابعاً للرجل، وتتسمى باسم عائلته، كما أن مؤشرات ضربها وإهانتها بل وقتلها آخذة في التزايد، وهو ما نلحظه من التقارير التي تصدر عن المنظمات الحقوقية، ومنظمات الدفاع عن حقوق المرأة وغيرها، بل من منا لا يشهد بشكل يومي كيف أن المرأة في مجتمعات الغرب قد اتُخذت سلعة رخيصة، وأهينت كرامتها ومرغت في التراب، وكيف تُعرض بابتذال وتُستغل في أغراض الدعاية والإعلان و تحتل صورها كل سلعة بدءاً بأدوات الزينة و الموضة، وانتهاءً بأغلفة الكتب والمجلات ، ونراها في السينما والمسرح على هيئة غير سوية. شيء جميل أن نرى في الغرب منظمات متعددة تدافع عن الطيور والحيتان والقطط والكلاب وغيرها، ولكن سيكون الأمر أجمل لو أن الغرب التفت إلى ما في جوهره من دمار بطئ وموت سريري، وما يعانيه شقه الثاني ( المرأة ) من ظلم مبير، ووضع خطير مؤذن بالهلاك لمجتمعاته إن استمر الوضع بالنكوص والتدهور. رأينا أنه لا بد من أن نشير إلى تلك النقطة الهامة، حتى نعرف من هو الذي ينتقدنا، ونستوضح شخصية من يرمينا بسهام الشبه والأقاويل، فنأخذ قوله على محمل الجد إن كان ممن يرعى للمرأة حقوقها، ويعرف لها كرامتها، ولكن ما سنستخلصه من دراسة واقعهم والنظر إليه بعين التمحيص بعيداً عن الإعجاب وروح الانهزامية؛ سيعطينا العكس تماماً، مما يجعلنا أمام مسئولية ثقيلة في أن نشخص علل أنفسنا بأنفسنا دون أن نعتمد على أعدائنا في معرفة الخلل الذي يعترينا إن كان هناك حقاً من علة أو خلل. وبالعودة إلى موضوعنا الرئيس، فإن علاقة الرجل بالمرأة في ديننا ليست علاقة الضارب بالمضروب ولا علاقة المتهم بالضحية، ولا هي علاقة السيد بالعبد، بل نجدها علاقة الأخوة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنما النساء شقائق الرجال )، ويقرر ديننا أن إنسانية المرأة من إنسانية الرجل، وكرامتها من كرامة الرجل، وهما من أصل واحد، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كلكم لآدم وآدم من تراب ) ولذا نرى أنه عامل المرأة كما عامل الرجل، وخاطبها كما يخاطبه، وقد كفل لها الإسلام حقوقها كاملة، ومكنها من التمتع بها دون أيما نقص، وحفظ لها حياتها الكريمة، وجعل لها شخصيتها المدنية المستقلة، وذمتها المالية كذلك، ومكنها من حقها في اكتساب المال وتملّكه، والتصرف فيه تماماً كالرجل ، وكفل لها حق التعليم، وإبداء الرأي والمشورة، والاستئذان عند الزواج، وغير ذلك من الحقوق التي حفلت بها شريعتنا العظيمة . و من المهم أن نفهم أن قضية الضرب وليس أي ضرب كما يعتقد الكثير، بل هو ضرب التأديب الذي تشوبه الشفقة والحب والرحمة علاج فعال يستخدم عند الضرورة القصوى، وعندما تكون المرأة الناشز هي المتسببة في الخلافات، ويأتي بعد خطوات تأديبية متتالية من وعظ ونصح، ثم هجر في المضاجع، وهو علاج أعطاه الدين للرجل بحكم قوامته ومسئوليته في الحفاظ على الأسرة، لكي يردّ الزوجة إلى رشدها، ويعيدها إلى صوابها، وألا تتطور وتستفحل الخلافات إلى طرق أكثر ألماً، وأعظم أثراً، فلئن تؤدب الزوجة خير من أن تُطلق وتضيع بطلاقها الأسرة والأبناء. على أننا لو افترضنا جدلاً أن الإسلام أباح للمرأة أن تضرب زوجها من باب العدل، لذهبت رجولة الرجل، وطارت هيبته أدراج الرياح، وسقطت مكانته، ولما ارتضت المرأة بالعيش معه لأنها ستحس حينئذٍ أنها تأوي إلى كنف ضعيف، وهو ما لن ترضاه أية امرأة سوية، فالأمر متعلق بالفطرة البشرية، التي قال الله تعالى عنها: ] فطرت الله التي فطر الناس عليها [، فسبحان من علم ما يصلح البشر، فسنّ لهم الشريعة التي تكفل سعادتهم في الدنيا والآخرة ] ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير [. المرجع: v الإسلام والمرأة : د. حامد محمود إسماعيل. v مجلة الأسرة العدد( 205) ربيع الثاني 1431ه . ** طالب بقسم الصحافة والإعلام – مستوى ثالث – كلية الآداب / جامعة حضرموت