جماعة الحوثي تعلن ايقاف التعامل مع ثاني شركة للصرافة بصنعاء    أمطار رعدية غزيرة على 15 محافظة خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للمواطنين    ثلاث محافظات يمنية على موعد مع الظلام الدامس.. وتهديد بقطع الكهرباء عنها    أبوظبي اكستريم تعلن عن طرح تذاكر النسخة الرابعة التي ستقام في باريس 18 مايو الجاري    مأساة في تهامة.. السيول تجرف عشرات المساكن غربي اليمن    عندما يغدر الملوك    النائب العليمي: مليشيا الحوثي تستغل القضية الفلسطينية لصالح اجندة ايرانية في البحر الأحمر    بعد إقامة العزاء.. ميت يفاجئ الجميع ويعود إلى الحياة قبيل وضعه في القبر    جزار يرتكب جريمة مروعة بحق مواطن في عدن صباح اليوم    قارورة البيرة اولاً    أساليب أرهابية منافية لكل الشرائع    المحطات التاريخية الكبرى تصنعها الإرادة الوطنية الحرة    حرب غزة تنتقل إلى بريطانيا: مخاوف من مواجهات بين إسلاميين ويهود داخل الجامعات    مهام العليمي وبن مبارك في عدن تعطيل الخدمات وإلتقاط الصور    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    العدالة تنتصر: قاتل حنين البكري أمام بوابة الإعدام..تعرف على مراحل التنفيذ    متصلة ابنها كان يغش في الاختبارات والآن يرفض الوظيفة بالشهادة .. ماذا يفعل؟ ..شاهد شيخ يجيب    أتالانتا يكتب التاريخ ويحجز مكانه في نهائي الدوري الأوروبي!    الدوري الاوروبي ... نهائي مرتقب بين ليفركوزن وأتالانتا    ضوء غامض يشعل سماء عدن: حيرة وتكهنات وسط السكان    قوة عسكرية جديدة تثير الرعب لدى الحوثيين وتدخل معركة التحرير    لا وقت للانتظار: كاتب صحفي يكشف متطلبات النصر على الحوثيين    الحوثي يدعو لتعويض طلاب المدارس ب "درجات إضافية"... خطوة تثير جدلا واسعا    مراكز مليشيا الحوثي.. معسكرات لإفساد الفطرة    ولد عام 1949    الفجر الجديد والنصر وشعب حضرموت والشروق لحسم ال3 الصاعدين ؟    فرصة ضائعة وإشارة سيئة.. خيبة أمل مريرة لضعف استجابة المانحين لليمن    هموم ومعاناة وحرب خدمات واستهداف ممنهج .. #عدن جرح #الجنوب النازف !    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    باذيب يتفقد سير العمل بالمؤسسة العامة للاتصالات ومشروع عدن نت مميز    أمين عام حزب الشعب يثمن موقف الصين الداعم للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة مميز    دواء السرطان في عدن... العلاج الفاخر للأغنياء والموت المحتم للفقراء ومجاناً في عدن    لعنة الديزل.. تطارد المحطة القطرية    منذ أكثر من 70 عاما وأمريكا تقوم باغتيال علماء الذرة المصريين    الخارجية الأميركية: خيارات الرد على الحوثيين تتضمن عقوبات    تضرر أكثر من 32 ألف شخص جراء الصراع والكوارث المناخية منذ بداية العام الجاري في اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    "صحة غزة": ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و904 منذ 7 أكتوبر    وفاة الشيخ ''آل نهيان'' وإعلان لديوان الرئاسة الإماراتي    امتحانات الثانوية في إب.. عنوان لتدمير التعليم وموسم للجبايات الحوثية    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    5 دول أوروبية تتجه للاعتراف بدولة فلسطين    ريال مدريد يقلب الطاولة على بايرن ميونخ ويواجه دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا    دوري ابطال اوروبا .. الريال إلى النهائي لمواجهة دورتموند    مدير عام تنمية الشباب يلتقي مؤسسة مظلة    استشهاد وإصابة 160 فلسطينيا جراء قصف مكثف على رفح خلال 24 ساعة    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    البدعة و الترفيه    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤتمر الشعبي العام .. قراءات نقدية لتجربة ربع قرن
نشر في نبأ نيوز يوم 25 - 08 - 2007

قراءة بمناسبة الذكرى ال25 لتأسيس المؤتمر الشعبي العام (24-29 أغسطس 1982م)
ليس من خلاف في أن المؤتمر الشعبي العام مثل ظاهرة في تاريخ اليمن الحديث- إن لم نقل أنه كان صانع هذا التاريخ، وعنوان جميع فصوله. إلاّ أن من طبيعة كل الأحزاب والتنظيمات السياسية –سواء اليمنية، أم العربية، أم الغربية- أن تصف مسيرة عملها السياسي ب(التجربة) من واقع إدراكها بعدم نضوج ممارساتها من الوهلة الأولى، وافتراضها الوقوع في الخطأ، أو القصور على أقل تقدير.
والمؤتمر الشعبي العام – كما نفهمه – ما هو إلاّ تنظيم مرحلي يتبنى وضع سياسات وخطط معينة ضمن سقف زمني محدد، ثم يسعى لتحقيقها بمختلف الأدوات المتاحة، والمهارات التي تمتلكها كوادره.
وهو - وفقاً لذلك- يعمل على صناعة رصيد معرفي يعزز به كينونته التنظيمية، والحركية من خلال إضافة تجارب كل مرحلة إلى التي تليها، واعتمادها أساساً في صياغة برامجها، وسياساتها. ومن الواضح إن هذا النمط من العمل السياسي لم يترجمه المؤتمر في مناهجه التنموية فحسب، بل هو الأسلوب الذي ظل معتمداً في البناء الوحدوي، وفي البناء الديمقراطي، وفي التحول نحو الدولة اللامركزية، وحتى في تشكيل سياساته الخارجية.
وربما كان البناء البرامجي واحداً من أهم ما امتاز به المؤتمر الشعبي العام، وجعله تنظيماً براغماتياً عملياً، وجنبه الشطح في منزلقين كبيرين أولهما- التقوقع في مثاليات التنظير السياسي الإيديولوجي، الذي وأد العديد من الأحزاب، والتنظيمات بعد أن قيّد أنشطتها، ومنعها من الانفتاح على أدوات العصر، وفلسفاته الفكرية، والثقافية .
أما المنزلق الثاني- فهو تراكم الأخطاء، واتساع هوة الصدمات، والإخفاقات التي قد يتعرض لها أي تنظيم ، أو حزب يعتمد أسلوب المرحلة الواحدة ، الخالية من محطات التقويم ، والتجديد ، والانتقال الاستحقاقي .
ومع كل هذا وذاك، لم يكن المؤتمر الشعبي العام على امتداد مسيرته الطويلة ليبلغ وصفيات الكمال، أو النضوج الكلي- وفي بعض الجوانب- ولا المستوى المقبول من الأداء الذي ينسجم وطبيعة عمره الزمني أولاً، ورصيد إنجازه التاريخي ثانياً، وحجم تطلعاته ثالثاً، وعمق الخبرة التاريخية لقياداته ، وبعض كوادره أخيرا ً.
اعتقد أن المؤتمر في المرحلة الراهنة بلغ مناخاً تنافسياً ساخناً، كان يصنع طقوسه بنفسه طوال الفترة التي أعقبت الوحدة اليمنية ، وبات حقاً عليه الالتفات إلى ذاته ، بعد أن نجح في تأهيل الآخرين ديمقراطياً، وتهيئة بنى مؤسسية مدنية كفيلة- إلى حد ما- بتفعيل الممارسة، وتطويرها سريعا ً.
فواحدة من المآخذ على المؤتمر الشعبي العام هو أنه أعطى لغيره أكثر مما يعطيه لنفسه، وأولى مشاكل الآخرين، وهموم الديمقراطية، ومؤسسات المجتمع المدني، وغيرها أولويات تتقدم على ما يوليه لشئونه الخاصة.
وعليه يمكن القول: أن هناك عدد من المسائل التي ينبغي الوقوف عندها في أية قراءة موضوعية لتطور حركة العمل السياسي للمؤتمر- إذا ما أردنا أن نكون منصفين - ومنها ما نستعرضه بإيجاز فيما يلي:
• أولاً- على الصعيد التنظيمي:
رغم توسيع عضوية المؤتمر الشعبي العام في أواسط الثمانينات، وبلوغ تكويناته ما يزيد عن (33) ألف عضو حتى انتخابات مجلس الشورى في يوليو 1988م، إلاّ أن ذلك الأفق العددي المحدود انعكس على واقع البنى التنظيمية للمؤتمر في مرحلة ما بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية ، وامتد بتأثيره إلى فترات متقدمة من مسيرة المؤتمر .
بمجرد إعلان الوحدة أخذت العديد من القوى السياسية بالانسلاخ من المؤتمر لتأسيس كياناتها المستقلة - ربما في وقت سابق من إصدار قانون الأحزاب رقم (66) - كما هو الحال مع حزب الإصلاح ، والتنظيم الناصري- مما تسبب ذلك في خلخلة الهياكل التنظيمية للمؤتمر، وإلقاء عبء العمل السياسي على كاهل اللجنة الدائمة ، والتكوينات القيادية بدرجة رئيسية طوال الفترة السابقة لانعقاد المؤتمر العام الخامس عام 1995م .
ومع أن الحالة التعددية كانت تقتضي معالجات سريعة ، وجادة ، لكن احتدام الأزمة السياسية مع شريك الوحدة (الحزب الاشتراكي) ثم انفجارها بحرب صيف 1994م ، فضلاً عن انهيار الصمامات الاقتصادية من جراء ما ترتب على اليمن من آثار سلبية أملتها حالة الاجتياح العراقي للكويت، كلها أحالت دون قيام المؤتمر بأية إصلاحات تنظيمية قبل إقرارها في مؤتمره العام الخامس 1995م .
ويبدو لنا أن المؤتمر الشعبي العام ، حتى في الفترة التي أعقبت مؤتمره الخامس كان متباطئاً كثيراً في تحوله إلى الصيغ التنظيمية التي تنسجم مع طبيعة المشاريع الديمقراطية التي خطط للانفتاح عليها أولاًَ، ومع مسئولياته كحزب حاكم يضع في حساباته تطلعاً لإدارة السلطة بمعزل عن أي شريك آخر بعد الانتخابات النيابية الثانية في إبريل 1997م .
أننا لو راجعنا توجهات التحول التنظيمي للمؤتمر في تلك الفترة نجد أن الاهتمام الأول كان منصباً في اتجاهين :
أولهما- الأدبيات السياسية (الميثاق الوطني، والنظام الداخلي) بحثاً عن صياغات جديدة مواكبة. وثانيهما- التكوينات القيادية للمؤتمر.. في الوقت الذي صار السعي لما سبق يحتل الجهد الأعظم مقابل جهد متواضع لإعادة النظر بالتكوينات القاعدية، رغم تأكيد المؤتمر العام الخامس على أهمية بلورتها في صياغات هيكلية جديدة تم تضمينها في توصياته، وبيانه الختامي .
ومن الملاحظ أن التكوينات القاعدية للمؤتمر لم تحظ باستحقاقاتها اللازمة- التي كان ينبغي اعتمادها منذ سنوات خلت- إلاّ فيما أقره لها المؤتمر العام السادس ، خاصة دورته الثانية 2002م، التي خطت بجدية نحو إعادة الهيكلة التنظيمية للمؤتمر.. وهو الأمر الذي ألقى بالعبء الأكبر من مسئوليات العمل الوطني على كاهل التكوينات القيادية.
إلاّ أن بعض أحزاب المعارضة اليمنية- مثل حزب التجمع اليمني للإصلاح- تضع الجزء الأعظم من المهام السياسية على عاتق تكويناتها القاعدية، بقدر يخدم عدة غايات منها: سد العجز، والفراغ الناجم عن تقاعس بعض قياداتها، أو تحمل مسئولية أخطاء قيادية ، وثغرات في منهج العمل السياسي، والفكري الذي يعتمده الحزب .
بجانب ذلك، فإن الحضور القوي للخلايا القاعدية في الوسط الجماهيري يكفل امتصاص أية نقمة شعبية، أو عدم رضا، ويجعل منها خطوط الصد الأولى التي تحمي الرموز القيادية، وتحول دون إلحاق الكثير من التشويه لصورها، ومراكزها السياسية، إذ أنُ أية تشويهات محتملة سيتم إلحاقها- عفوياً- بالخلايا القاعدية ذات التماس المباشر مع الحدث- رغم أنها تعمل في إطار توجيهات، وبرامج تلك القيادات التي تدبر اللعبة السياسية عن بُعد .
علاوة على ذلك، فإن هذا اللون من التركيز على البناء التنظيمي القاعدي لا يسهل فقط المهام التعبوية ، وحرب الإشاعة ، والتحشيد لمواقف معينة ، بل إنه - أيضاً- يمنح قيادة الحزب فرصاً إضافية لتأمل تجاربها السياسية، ومتابعة اتجاهات القوى المنافسة ، وبلورة برامج دقيقة لمراحل مقبلة.
إذن كان انشغال المؤتمر لفترة طويلة عن إعادة الهيكلة التنظيمية بصورة عاجلة، ومتينة جعل قياداته هي من يقف على خط الصد الأول، ويتلقى هجمات المعارضة، ويتحمل وزر كل خطأ جعل قياداته هي من يقف على خط الصد الأول ، ويتلقى هجمات المعارضة، ويتحمل وزر كل خطأ ناجم عن هذه الإدارة، أو تلك، وعن سلوك هذا العضو المؤتمر ، أو ذاك- على العكس تماماً من الحالة السابقة.
الأمر الآخر المهم هو أن بعض القيادات المؤتمرية المخضرمة ، وأخرى يُشار لها بالبنان تم توليتها مناصب وزارية ، أو وكالات وزارات ، ورئاسة هيئات حكومية ، تحولت بموجبها إلى كوادر مهنية تماماً قلما تشغل رأسها بالتفكير بسبل تطوير منظومتها السياسية (المؤتمرية) على الصعيد التنظيمي والفكري، ولو بقدر نسبي من اهتمامات جهدها الوظيفي..
وعلى الرغم من حسنات ذلك النهج الذي تصب مخرجاته لصالح التنمية الوطنية ، إلاّ أن حرمان المؤتمر من موارد فكرية خصبة ، ورؤى سياسية طموحة قد يترتب عليه حرمان الجماهير من ديمومة عطاء المؤتمريين لبلدهم .
إن المسألة الأخرى المثيرة لبعض الجدل هي ما يمكن تسميته ب(الثقافة التنظيمية)، وهي ربما تكون ليست مختصة بالمؤتمر الشعبي العام- وحده- بقدر ما يمكن وصفها بالمشكلة العامة التي تعاني منها جميع الأحزاب، والتنظيمات اليمنية، وتؤاخذ عليها الأحزاب الإيديولوجية قبل غيرها.
فيما يخص المؤتمر، فإنه مازال غير قادر على موازنة تطوراته السريعة، وتطلعاته الكبيرة في إطار التحول إلى حزب مع خطوط التأهيل، والإعداد لأعضائه، الذي يمدهم بقاعدة معلوماتية تشرح هياكل الهرم التنظيمي، وتحدد الحقوق، والعلاقات، وتبين سلم التطور التاريخ للتنظيم، وما استجد من تغيرات، والغايات المرجوة منها.
فقد بقي بعض تلك الموضوعات في إطار صياغتها الأدبية السياسية الأصلية دونما تجاوزها إلى صيغ القراءات التوعوية المبسطة ، في حين ظلت التطورات، والتحولات في مسيرة المؤتمر التاريخية محظ تقارير صحافية ، وتصريحات، وكتابات تتداولها في حينها وسائل الإعلام المختلفة ، دونما الوقوف على مبادرة لتوثيقها ، وتنظيمها في تسلسلاتها الزمنية .
ومن هنا نرى أن إعادة هيكلة المؤتمر تنظيماً مثلث خطوة أحادية ،كان يجدر استكمالها ببرامج تأهيلية على صعيد بناء الثقافة التنظيمية للأعضاء ، والحلقات الإضافية - خاصة - إن المؤتمر مازال يمثل مظلة للكثير من الكوادر المنسلخة عن مختلف القوى السياسية الأخرى، والتي تعلن انضمامها إليه في كل الفترات، وغالباً ما يتم معادلة درجاتها الحزبية السابقة بأخرى مؤتمرية تكاد تكون مساوية لها.
إن لمن المؤكد أن قيادة المؤتمر الشعبي العام نقلت الواقع اليمني إلى حالة متقدمة ، وساحة واعية - إلى حد ما - تقيم جدلاً كبيراً لمختلف القضايا الوطنية، ليس فقط على مستوى الحلقات القيادية الرفيعة، بل يمتد الجدل والنقاش إلى وسط الأسرة ، أو البيت الواحد. وهو الأمر الذي يجعل من مسألة التأهيل الفكري، والتثقيف التنظيمي حالة غير منفصلة عن أي مشروع لإعادة الهيكلة التنظيمية للمؤتمر، أو غيره ..
ومع أهمية ذلك، لا يبدو أن الدائرة التنظيمية للمؤتمر قد أعدت الكثير من الخطط لموازنة مشاريعها الطموحة مع أدوات فاعلة لتأهيل الأعضاء لحمل فكر المؤتمر، وأدبياته ، وتوجهاته السياسية إلى محافل الجدل السياسي القائم ؛ فأغلب فروع المؤتمر، والتكوينات المنبثقة عنها تكاد تخلو من المطبوعات التي عادة ما تكرسها الأحزاب لأغراض الإعداد التنظيمي، وإن كثير من الأعضاء على غير معرفة بالمفردات البسيطة من أدبيات المؤتمر - مثل شعار المؤتمر، أو الحقائق الخمس التي تبلورت على أساسها أفكار الميثاق الوطني .
اعتقد أن وجود هذه الظاهرة - رغم تفاوت نسبها مكانياً بين المحافظات، وداخل المحافظة الواحدة - عائد الى ما سبق الحديث عنه من تقديم أولويات البنى القيادية على القاعدية .
وهو ما جعل معارك المؤتمر السياسية – إن جازت التسمية كذلك – تبدأ من أعلى الهرم التنظيمي ، وتأخذ بالانحسار التدريجي تنازلياً حتى تتلاشى عند المربع الأول من قاعدته.
ربما يجد البعض في النتائج التي تتمخض عنها كل تجربة انتخابية مبررا للتشكيك فيما ذهبنا إليه من رأي، لكن الحقيقة الواضحة عملياً هي أن القاعدة الشعبية العريضة التي تعطي أصواتها للمؤتمر الشعبي العام ، في جزء كبير منها يجعل معياره في مفاضلة خياراته هو الإنجاز المادي الملموس، وكل ما يراه حوله من مشاريع ، وتطورات ، وغيرها ، إلى جانب مبررات أخرى -سنأتي على ذكرها لاحقاً. في الوقت الذي نحن نتحدث عن عناصر تنظيمية لمشروع دقيق يرمي المؤتمر من خلاله التحول إلى حزب بكل الاعتبارات الأدبية السياسية للكلمة.
مازالت هناك مسألة أخرى يجدر الإشارة إليها، وهي أن المؤتمر استقطب الكثير من الرموز التي كانت من قبل تحت ألوية أحزاب، وتنظيمات أخرى . وبالقدر الذي مثلت أعداد كبيرة منها إضافات نوعية لصفوف المؤتمر الشعبي العام، تحول قسم آخر منها إلى عبء على المؤتمر كونه تبوأ إحدى الواجهات المؤتمرية - بغض النظر عن مساحة مسئولياته - دونما أن يكون قد تمرس على أسلوب العمل السياسي للمؤتمر، أو جنى أي رصيد تاريخي فيما وصل إليه المؤتمر.
إن هذه الحالة ولدت شيئاً من الجمود، أو الإعاقة لحركة العمل السياسي في الحلقات التنظيمية التي آل زمامها لبعض العناصر المستقطبة التي حجبت أضواء رموز مؤتمرية قديمة تحمل صفات عصرها.
وهو ما يعني بالتالي حرمان المؤتمر فرص ممكنة من التطور ، أو من أسباب أخرى لتحقيق المزيد من البرامج الوطنية.
• ثانياً: على صعيد البناء الديمقراطي:
لا يختلف اثنان في أن المؤتمر الشعبي العام هو المؤسس الحقيقي للديمقراطية في اليمن، وإنه قائم منذ البدء على أسس الحوار الإيجابي بين مختلف أطياف القوى السياسية الوطنية، واعتبار ذلك النهج مرتكزاً لمحور الوحدة الوطنية . وهو الأمر الذي ألقى على عاتق قيادة المؤتمر مسئولية الأخذ بأيدي جميع الأحزاب ، والتنظيمات السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني ، وغيرها من أجل إنماء التجربة الديمقراطية ، وإيصالها إلى المستوى المقبول الذي تتفاعل به الحياة السياسية اليمنية .
لكن على الرغم من كل ما حققه المؤتمر على هذا الصعيد ظلت هناك عدد من الملاحظات التي ينبغي التمعن بها في المسيرة الديمقراطية للمؤتمر الشعبي العام ، والوقوف عند الانطباعات التي تخلفها عند أية مراجعة دقيقة لتجاربها المختلفة .
فالمؤتمر يعتمد في خوض المنافسات الانتخابية على أرصدته السابقة من العمل الوطني بالدرجة الأولى، ثم تليها تكتيكات القيادات السياسية المعتمدة في إدارة اللعبة، وتوجيهها نحو غاياتها، وقلما يتحول الرهان الانتخابي على العضو المرشح نفسه ، وثقله الجماهيري في دائرته الانتخابية.
وعلى الرغم من أن مثل تلك الأرصدة، والتكتيكات مطلوبة بصورة ملحة عند جميع القوى السياسية، وتشكل العصب الحيوي لديناميكية التجربة الديمقراطية التنافسية ، إلاّ أن اعتبارها مرتكزاً محورياً لاستنباط النتائج، وتقييم الفرص الاستباقية للمخرجات النهائية ليس بالأمر الحسن، الذي يتوافق مع مستلزمات الحالة المؤتمرية الآنية الذي يتبوء بها موضعاً سلطوياً ريادياً، ولا مع ما يتطلع إليه المؤتمريون من تطلعات طموحة للغاية .
فالكتلة البرلمانية للمؤتمر ظلت في جميع دوراتها تفتقر للتجانس النوعي الذي يجعل منها رديفة متوازنة للكتلة الوزارية التي تتبوء وضعاً متميزاً ، تشكل فيه الكفاءات العلمية العالية أهم سماته المحلية . وهذا الأمر كان محفزاً لبعض قوى المعارضة- كالتجمع اليمني للإصلاح- للتركيز في دعائياته الانتخابية على إبراز المؤهلات العلمية لمرشحيه لكسب بعض التوازنات أمام قيادات المؤتمر .
في حين كان تركيز المؤتمر على أرصدته الوطنية ، وتكتيكاته السياسية قد تسبب بعددٍ من الإشكاليات في الدورة الانتخابية البرلمانية الثالثة (إبريل 2003م)، منها السماح لمرشحين لا يحملون صفات المرحلة في الانضواء تحت سقيفة الكتلة البرلمانية للمؤتمر ، وبالتالي أصبحوا نقطة الضعف المعرقلة لبعض توجهاتها ، أو مشاريعها، أو حتى أدائها المأمول .
وعلى منحى آخر، كان ذلك الأسلوب أن أثار عدم رضا قواعد المؤتمر نفسها في بعض الدوائر التي رأت في اختيار قيادة المؤتمر العليا (الأمانة العامة) لمرشحين لا يحظون بالكثير من الشعبية ، أو الرضا في دوائرهم أمراً محرجاً بالنسبة لهم كأعضاء في المؤتمر يعرفون مسبقاً أن رهانهم خاسر، وليس بين أيديهم الكثير الذي يدافعون ، أو يبررون به ، أو حتى يرجونه للمرشح .
ومن هنا جاء فشل عدد من مرشحي المؤتمر بأمانة العاصمة - بشكل خاص- من جراء تجاهل خصوصية المنطقة كمركز إشعاع ثقافي ، وتجمع مدني هائل لا يتأثر بسهولة بمعايير الانتقاء على أساس الانتماء الحزبي ، أو الولاء القبلي، والفئوي ، وغيرها بحجم تأثره بالخاصية النوعية الفردية للمرشح بحد ذاته .
وهو الأمر الذي جعل من بعض التقنيات، أو التكتيكات السياسية غير ذات قيمة كبيرة، ومؤثرة في توجيه الخلاصة النهائية للعملية الانتخابية .
أما من ناحية القيد والتسجيل فأننا هنا نقسم جهد المؤتمر الشعبي العام إلى اتجاهين : الأول تحرك فيه المؤتمر من موقعه السلطوي المسئول- بعيداً عن الأنانية الحزبية- فقاد حملات توعية، ودفع بالمواطنين بمختلف انتماءاتهم للتسجيل، والحصول على البطاقة الانتخابية ، فكانت الأرقام التي كشفتها اللجنة العليا للانتخابات عن أعداد المسجلين تؤكد نجاح تلك الحملة على نحو كبير، ومرضي .
لكن الاتجاه الثاني صبّ داخل الأطر التنظيمية ، وظل متأثراً بالوضع التنظيمي الذي سبق الخوض فيه، فكانت النتائج أقل من الطموح نسبياً، وربما بعض ما تحقق في عدد من الدوائر يأتي جزء منه بجهود ذاتية لعدد من الأعضاء الفاعلين بالمؤتمر، وغير مرتبط بخطط ، أو برامج تنسيقية محددة من قبل قيادات الفروع .
والأمر ذاته كان يجد له وقعاً مماثلاً على صعيد الأنشطة الدعائية الانتخابية للمرشحين. ومما كان يتجلى للعيان أن الخطط التي كانت ترسمها دائرة الفكر، والثقافة، والإعلام - بالأمانة العامة للمؤتمر- لا ينتهي بعضها إلى الهدف الأساسي الذي كان يأمل القائمون على العمل بلوغه آخر الأمر، والذي هو (الناخب) .
وهذا يعني أن الآليات التي يسير عليها العمل الدعائي لم تكن دقيقة للغاية، ولا يتم تعقب محطاتها حتى منتهاها الأخير، أو- أحياناً- يفتقر إلى دراسة جدوى لمخرجات كل مرحلة منه . ولا اعتقد أن نجد قراءات يومية مستقاة من الميدان لمستوى فاعلية الأنشطة الإعلامية المكرسة للدعاية الانتخابية .
ومن جهة أخرى، نلاحظ أن صحافة المؤتمر الشعبي العام كشفت عن حاجة ماسة للتحول إلى البناء المؤسسي المنهجي الذي يحررها من النمطية، والصيغ التقريرية الجامدة التي عهدتها منذ أمدٍ طويل، دونما التمكن من تبوء مركز إعلامي منافس بقوة لسواه.
وكانت الإشكالية العامة في الخطاب الإعلامي تكمن في حرص تلك الصحف على عدم مبارحة الموضع الدفاعي إلى آخر أكثر تفاعلاً مع واقع ما تمليه مفردات العملية الديمقراطية من نقد ذاتي، وامتعاض من الممارسات غير المسئولة، أو الأخطاء التي ترتكب في بعض المؤسسات التي يديرها المؤتمر الشعبي العام من موقعه السلطوي في الحكومة، حتى استحال تقاعس هذه الوسائل أحد أهم أسباب بقاء الفساد في اليمن، وإخفاق المؤتمر في بلوغ برامجه الجماهيرية، في الوقت الذي لم يتوان فيه الرئيس علي عبد الله صالح- رئيس المؤتمر الشعبي العام- عن انتقاد الفساد، ومهاجمة المفسدين، والدعوة المستمرة لتقويم الأداء الحكومي، وتحريكه على نحو أفضل، وأقدر على تحمل مسئولياته الوطنية المرحلية.
ومع أن قيادة المؤتمر الشعبي العام كان تعطي مؤسساتها الإعلامية هامشاً عريضاً من الحريات، واستقلالية الرأي ، لكن عدم استغلال الإدارات القائمة على تلك الوسائل لذلك الهامش بالشكل المطلوب كان يخلف بصمات واضحة على النتائج المأمولة من أدائها في قاعدة الوسط الجماهيري الشعبي.
بلا شك أن النتائج الكبيرة التي كان يخرج بها المؤتمر الشعبي العام في كل تجربة ديمقراطية تؤكد أن ما سبق الحديث عنه ما هو إلاّ قصور نسبي لم يتجاوز حدوده الطبيعية التي تقتضيها أية تجربة ديمقراطية حديثة العهد؛ إلاّ أنه في النهاية يشكل ظاهرة لا يمكن غض الطرف عنها، كلما أتى الحديث على حركة العمل الوطنية للمؤتمر الشعبي العام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.