تعتبر المرأة الريفية هي الدعامة الأساسية للمنزل الريفي كما أنها تمثل قوة عمل نشطة ويمكن اعتبار ان 86% من الإناث فوق سن العاشرة نشطات اقتصاديا حيث تعمل 99% في الزراعة وتربية الماشية والعناية بها وجمع الحطب لاستخدامه كوقود والقيام بالمهام المنزلية مثل طحن الحبوب وإعداد الطعام والتنظيف وتربية الأطفال والاهتمام بأفراد المنزل ..الخ. وغالباً ما تكون حياة نساء الريف قاسية وقصيرة إذ يبلغ متوسط العمر المتوقع لهن حوالي 46 سنة وقد لا يتجاوز 83 سنه في بعض المحافظات وحالياً تعتبر ظروف المرأة الريفية من أسوأ الظروف ولا سيما مع تردي الأحوال المعيشية عامة سواء في الريف أو المدينة وتدهور الاقتصاد الريفي على نحو ملحوظ فباتت الحياة في الريف تشكل عبئاً بمسئولياتها الجسيمة وانعدام الخدمات العامة الضرورية وخاصة في المناطق التي تعاني من مشكلات التلوث وشحة المياه. ومن خلال الزيارات الميدانية المستمرة والاستطلاعات والمسوحات الاجتماعية الاقتصادية الزراعية المائية التي تمت في عدد كبير من أرياف القرى اليمنية تبين ان أهم المشكلات التي تعتبر معاناة يومية بالنسبة للمرأة الريفية هي مشكلة (شحة المياه ورداءة نوعيتها حيث ان المرأة هي المسئولة الأولى والتي يقع على عاتقها مهمة توفير الماء وجلبه من مناطقه البعيدة والوعرة والنادرة بل ان الإناث في القرى اليمنية يبدأن في حمل أوعية الماء في عمر مبكر بين الخامسة والسادسة ويقضين أكثر من ثمان ساعات يومياً في مهمة إحضاره وقد تتكرر العملية صباحاً ومساء حسب الحاجة وبما ان لا حياة لكائن فوق هذه الأرض بدون ماء نقي ومتوفر فان جميع النساء اللاتي زرناهن واطلعنا على مشكلاتهن أبدين تذمرهن واستيائهن من هذا الوضع المعيشي الصعب ولا سيما مع انعدام المياه وأوضحن لنا عدداً من مظاهر المشقة والعناء في ظل غياب المورد المائي وهي كالتالي: تحدث الكثير من الخلافات التي تبدأ بمشاجرات خفيفة بين النساء أو الأطفال الذين يتوافدون من اجل الحصول على المياه وقد تنتهي المشاجرة بالعداء المؤقت أو تتفاقم بفعل الجهل لتصبح أزمة تعكر صفو العلاقات بين الرجال أو بين أهالي القرى المختلفة. الازدحام الشديد حول مصدر المياه قد يتسبب في الانتظار لساعات طويلة مما يستنزف وقت وجهد المرأة مما يضيع عليها فرص استغلاله في تأدية مهام نافعة لها ولأسرتها حيث تقضي أكثر من ثمان ساعات يومياً في مشقة توفير المياه مما يعطلها عن تأدية مهام أكثر إنتاجية . غالباً ما تكون الحمير (وسيلة النقل) تعاني من هزال وضعف شديدين أما لسوء التغذية أو بسبب كثرة الأواني التي تحملها لذا غالباً ما يكون رؤوس النساء والأطفال الصغار هما البديل المناسب أو المساعد لتخفيف الحمولة عن الحمار. ان اكتظاظ النساء والأطفال مع حميرهم أمام مصدر الماء يؤدي الى تلوث المنطقة حول المصدر بل يلوث المصدر نفسه حيث ان مخلفات الحمير والتلوث الناجم عن الفوضى ومخلفات الأطفال الصغار كل ذلك عامل خطير من عوامل تلوث المورد المائي الشحيح. جميع المناطق المزاره والتي تنعدم فيها المياه أو يسرف أهاليها في استهلاك المياه المتوفرة يتعرض أطفالها ونسائها للعديد من الأمراض ذات المنشأ المائي أو التي لها علاقة بالمستنقعات المائية او التي يسببها انعدام المياه وهذه الأمراض هي (الاسهالات ، الديدان ، بأنواعها الحساسية والالتهابات الجلدية، أمراض الكلى ، الملاريا ، التيفود ، انتشار القمل ...) كما ان إسعاف المصاب بأحد هذه الأمراض يأتي متأخراً وبعد ان يتعرض المريض للخطر بسبب التكاليف الباهظة للانتقال من الريف الى مستشفى المدينة وغلاء تكاليف العلاج ولهذا السبب يزيد معدل الوفيات من الأطفال الرضع في القرى. من الواضح انعدام النظافة الشخصية لأفراد المنزل وللأسرة عامة بسبب شحة المياه حيث ان أطفال القرى يعانون من الإهمال وملابسهم وأجسادهم متسخة ومنازلهم غير نظيفة وتعلل النساء سبب هذا الوضع المزري بغياب الماء حيث انه مصدر النظافة الرئيسي. قلة فرص تدريس الأطفال ولا سيما الفتيات الصغيرات اللاتي حرمن من حق التعليم كي يتفرغن لمساعدة الأم ومهمة جلب المياه وتوفيره للمنزل وقد أوضحت العديد من الأمهات رغبتها في جعل ابنتها تواصل رحلة التعليم لولا نظرة الرجل القاصرة الى تعلم المرأة ورغبتها في مساعدة ابنتها لها في انجاز بعض المهام الصعبة المناطة على عاتقها. ان ندرة المياه وتوفرها البسيط في مكان وانعدامها في المكان الآخر أدى الى نشوب العديد من النزاعات الدامية وانتشار الضغائن والأحقاد بين أبناء الوطن الواحد مما أشعل نار الفتن وأدى الى إزهاق الأرواح وتبديد الأموال. إن عدم توفر الماء إضافة الى تدهور الأوضاع المعيشية وتردي الاقتصاد الريفي أدى الى الهجرة القروية فلا يكاد يخلو بيت من شاب او زوج مهاجر يسعى لكسب الرزق او مساعدة أسرته في القرية وبالطبع لا تخفى على احد الأضرار الاجتماعية والاقتصادية التي تترتب على الهجرة سواء على المدينة او القرية . هذه الأوضاع مجتمعة أدت الى انعكاس سلبي على النمو الاقتصادي والاجتماعي والى تدهور واضح في الأحوال المعيشية للمواطن اليمني وانعزال الريف عن المدينة مما افقدهما الروابط الضرورية لإنجاح عملية التنمية وقلل فرص العمل للريفيين داخل قراهم.