بعد سبعة عشر عاماً من عمر الديمقراطية اليمنية تتعثر التحولات المدنية للدولة بالواقع القبلي، وتضطر الدولة مجدداً إلى دخول حلبة التفاوض، وابرام الاتفاقات مع المشائخ، وهو ما يبعث على التساؤل ! لماذا صمدت القبيلة ولم تذب بالصيغ الديمقراطية الجديدة !! البعض يلقي بالمسئولية كاملة على عاتق الدولة، إلا أن الواقع يقول ان القوى السياسية اليمنية باختلاف توجهاتها أسهمت في تعزيز الحالة القبلية، وبدلاً من ترويض القبيلة للظاهرة الديمقراطية قامت بتطوير وتكييف الديمقراطية بما يناسب رغبة القبيلة. عندما نمر على أسماء أعضاء مجلس النواب نجد أن القبيلة هي الموجودة لتمثيل دوائرها الجغرافية، وإذا كان الشيخ الفلاني قد فاز في انتخابات 1993م، فإن الفائز في الانتخابات الثالثة 2003م هو ابنه أو أخوه.. أما إذا تحدثنا عن المجالس المحلية فالشيء نفسه يعيد رسم نفس الخارطة.، لتصبح القبيلة حاضرة في البرلمان، والمجالس المحلية، والمناصب الحكومية لنفس الرقعة الجغرافية. وعلى هذا الأساس يمكن القول ان الديمقراطية وسعت نفوذ القبيلة، وعززت قوتها.. وان الأحزاب السياسية في اليمن لا تمتلك أي استراتيجيات لتجاوز الأطر القبلية، بل انها جميعاً كانت تراهن على ولاء الشيخ قبل ولاء أي مواطن آخر، وظلت تعتبر كسب ود أي شيخ هو بمثابة ضمانة لأصوات أبناء قبيلته.. وهي بذلك كرست الثقافة القبلية في أدبياتها السياسية، ولم تنظر إلى الأمر على أنه مشكلة تتعارض مع طموح بناء الدولة المؤسسية المدنية التي تضع القانون والنظام فوق جميع الاعتبارات الأخرى. إن هذه الاشكالية باتت مثيرة للقلق بصورة أكبر في الآونة الأخيرة، حين بدأت الأحزاب تنفذ فعالياتها السياسية داخل أطر قبلية، وهو ما ولد الانطباع بأن تلك الأحزاب استسلمت إلى إرادة القبيلة، في الوقت الذي كانت مهمتها إرساء، أنموذج مدني حضاري،من العمل السياسي الذي ينبذ العصبيات القبلية والمناطقية والمذهبية والفئوية ويحل بدلاً عنها علاقات مدنية جديدة قائمة على التفاضل في الكفاءات والمهارات والأداء المجتمعي. إذن فقد وقعت الأحزاب في فخ القبيلة، ولم تفلح في جر القبيلة إلى ثقافتها المدنية.. وهذه كارثة كبيرة، لأنها تعني ان الأحزاب تعيش واقعاً أكثر بؤساً من واقع القبيلة، وأشد تخلفاً منها، بل ان القبيلة كانت أذكى للدرجة التي احتوت الصيغ الديمقراطية في أطرها التقليدية، وظلت حذرة من الانفتاح على العلاقات الديمقراطية العصرية التي يعيشها العالم.. لا شك أن ذلك الواقع انعكس سلباً على الصعيد التنموي، ثم على أداء مجلس النواب، وكذلك المجالس المحلية.. وان بعض الممارسات المنبوذة في سلوك القبيلة وجدت فيما احتلته من مراكز وسلطات فرصة لإضفاء صبغة شرعية وقانونية على نفسها.. فالابتزاز الذي كانت تمارسه بعض القبائل تحت مسمى «التقطع» القبلي أصبح نفسه يمارس تحت شعار ديمقراطي واضطر الدولة إلى التعاطي معه كمطلب حقوقي مشروع. إن هذه الظاهرة برزت بقوة لسبب واحد وهو تقاعس الأحزاب عن أدوارها ووظائفها وفشلها في التأثير بالواقع، وبالتالي الاستسلام للواقع لأنها لا تمتلك الكفاءات القادرة على تذويبه.