ليس أشد من الشعور بالهزيمة إلا آلامها، وليس أكثر من الألم إلا إنغلاق نافذة الأمل الوحيدة.. وليس أكثر من الإنكسار، إلا رؤيتنا نعيش الموت كل يوم....! ! سأحتفي اليوم بموتي، فلا شيء يدعو للتجول في شوارع تحمل جثتي نهاية كل يوم.. ولا شيء يغري هذه العيون بالتحديق في الكفن الذي يغلف جدران صمتي! ولا أشعر إلا بأني على وشك الإنصهار قريباً، حينها لن أجد معالمي مرة آخرى.. ولن يراني الآخرون، ولن أحتاج للتلويح من بعيد لهم، والتأكيد عليهم أنني رغم إنصهاري في هذا العالم القبيح مازلت هنا..! أخبرتني ذات حزن، أن الأرض التي تحمل أقدامنا فوقها لاتعني بالضرورة انها ستحملنا داخلها حين نموت.. وأن الموت لا يعني بالضرورة النهاية لكل مخلوق عليها! وأن القلوب التي نبضت ذات يوم لأجلنا، لا تعيش أيضاً نابضة لإجلنا، وأن الوجوه التي آلفناها كلما أقتربنا منها زادتنا غربة.. وإنها لا تعد أكثر من رسومات رسمناها في خيالاتنا، محاولة منا لأقتفاء أثر البياض المنعدم فينا..! سأجدد حزني كلما أشارت الساعة إلى الوقت المنتهى داخلي إلا بقليل...!! وليمد العالم القبيح وجهه كيفما شاء! فلن يغريني النظر إليه بأكثر من إبتسامة صفراء الصقها "محاولة في البقاء"! وأعرف أنها تسقط من وجهي كثيراً، لكني سأحاول الألتزام بالوعد وتثبيتها حتى لا تغري الجائعين بالتقاطها وألصقها في وجهي رغماً عني!! ليكن ثوب الحداد رمادي، فالحقيقة رمادية اللون! واللون الرمادي لا يحمل معالم تميزه أكثر من أنه لوناً باهتاً، ونحن باهتون.. والتناسق بين لون الحقيقة ولون أرواحنا ضروري، كي تعيد الدائرة مرة آخرى دورانها، ويغلف الرماد أرواحنا.. فكلما زاد قطر الدائرة، ظهر وجه العالم أكثر بشاعة، وكلما أتسعت الدائرة، يصبح البياض نقطة في بحر مغلق الجهات، وينهش الحزن وجوهنا كثيراً ومع كل هذا نظل "نحن" لا ننتهي!! ظلي وحيداً، أشعر أنني أدخل فيه، أن معجون التراب يتناثر قطعاً من طين.. فيسقط الظل أيضاً وحيداً ... ولا يبقي سوى كأساً مترعاً بالتعب، بالألم، يقف على طاولة تنزوي في آخر الجدار وتسجل السقوط، لحظة، تلو آخرى...!! ها هو وجهه يتساقط، تلة من طين وتراب، ها هو وجهي المنثور هناك يتعثر في خطواته، يرفض الإعتراف بالهزيمة.. يصدح القلب بصوت متألم خارقاً ثقب الجدار.. يتعثر الظل الوحيد، يتكيء الجرح على الطاولة، يترنح في وقفته! يسقط، الظل يسقط... يسقط ... أيضا وحيداً.!!