لا أظن انه مر في تاريخ السلطة والمعارضة خلال ستة وأربعين عاماً ولا في تاريخ الصراع بينهما منذ قيام الثورة، حقبة من الزمن أفضل للطرفين من الحقبة الراهنة . لكن تبني العقلانية كأسلوب في الحياة مازال غائباً أو مغيباً، وليس أمامنا سوى نقد سياسي مسطح يتلون بالمصلحة ونتيجة لذلك فإنها قد برزت مظاهر تدل على الفساد الذي يعانيه المجتمع ككل، وينعكس على فكر النخبة وممارستها هنا وهناك فالمعارضة تنتقد السلطة وهي لا تملك مشروعاً تغييرياً ، بل عاجزة عن الانتقال من مستوى الوصف إلى المستوى التفسيري. أما السلطة فكثير من أعضائها لم يتسطيعوا إدراك منطق الدولة وموضوعيتها، لذلك نجد هؤلاء غير قادرين على تنفيذ مبادرات رئيس الجمهورية بالشكل المطلوب وهذا التفكير يشكل عقبة أمام فكر التغيير ولهذا السبب جاء تفكير السلطة والمعارضة إقصائياً وللأسف الشديد فإن نظرة السلطة والمعارضة إلى الواقع تتم من منطلق تجريد الواقع من تاريخيته والتعامل مع النتائج وكأنها اسباب . كل طرف ينظر إلى الواقع الآني دون أن يقدم نقداً للأحداث التاريخية التي ساهم الجميع في صناعتها بل كانوا جزءاً رئيسياً فيها وما العنف القائم اليوم إلا نتيحة لاصطدام الأمنيات بالواقع. فالعنف هو إذن في العمق ارتطام الأمنيات المجردة بالواقع الملموس. ولعل عجز المعارضة عن إحداث تغيير نوعي أو إحداث على الأقل تراكم في مسألة التحول الديمقراطي يعود إلى سطحية التفكير وإلى جعل الأيديولوجية تسمو عن حقيقة الدولة وهذا ما نلمسه في تفكير الأحزاب وممارستها ، فهي تزعم أن علاقتها بأفرادها تقوم على «حرية التعاقد والحرية الفردية» لكنها تنفي ذلك عندما يفكر أحد أعضائها بترك الحزب فإنه يجرّم ويخوّن ويكفّر مع أن انضمامه إلى الحزب كان طوعياً فالأحزاب السياسية لا تفصل بين ارتباط الحاجة وارتباط السياسة لذلك فالأحزاب اليمنية كلها دون استثناء «تعبير عن ايديولوجيات اندثرت منذ أن انفصل المجتمع المدني عن غلافه السياسي». أما السلطة فقد خلطت بين السياسة والإنتاج وأحلت السياسة محل الإنتاج ولا يسمح المجال هنا بالدخول في التفاصيل. هذه الممارسة هي التي جذرت مشاكل المواطن وإذا رجعنا إلى المعارضة وجدناها لا تقدم مشروعاً ولا تحلل واقعاً، بل تنصرف مطالبها إلى الحديث عن مقاصد الشريعة وإسلام السلف الصالح عند الإصلاحيين واستعادة فترة عبدالناصر والصراع مع الغرب عند الناصريين أو التغني بالوحدة العربية والدعوة لها عند البعثيين الذين لم يستطيعوا استيعاب شعوبهم في أقطارهم، إن اطروحات المعارضة لا تأبه بالواقع ولا تصف ما هو كائن ، إنها دعوات ايديولوجية تتحدث عما ينبغي أن يكون ولذلك فإنها مجرد انعكاس للتفكير المغلوط. إن تفكير المعارضة بهذه الطريقة أثر تأثيراً سلبياً في السلوك السياسي لهذه الأحزاب. وإذا توقفنا أمام حزب الإصلاح نجد انه يعيش تناقضاً واضحاً سواء في تحالفه مع المؤتمر ضد الاشتراكي أو تحالفه مع الاشتراكي ضد المؤتمر، فهو في كل مرة كان يتجاهل الواقع ويهادن لكن أمله في كل مرة معقود على العودة إلى تحقيق مقاصد الشريعة فالواقع في ذهن قادة حزب الإصلاح عارض وفكرة الخلافة جوهر ثابت ومن حقنا هنا أن نتشاءم لأننا لا نرى سبيلاً إلى إصلاح المعارضة ولا يدل الواقع على نضج المعارضة ، بل إن فكرة المعارضة تقوم على التعارض مع الدولة وخاصة حزب الإصلاح الذي ينشد نظام الخلافة وهو نظام مثالي لا تتحمله الطبيعة البشرية لأنه ينزع نحو الكمال الذي لا يمكنه ان يتحقق على أرض الواقع. وبما أن أحزاب اللقاء المشترك قد اسلمت أمرها لحزب الإصلاح فهذا يعني أنها استسلمت لايديولوجية الفقيه والشيخ وهذا يعني ان أحزاب اليسار بمختلف توجهاتها عاجزة عن إدراك الواقع وهي تحمل وعياً زائفاً وبتحالفها هذا كشفت النقاب عن معاداتها للحداثة وارتمائها في احضان التقليد، بل إنها زكته بوعي أو بدون وعي منها لترسخ سلطة التقليد لتكون النتيجة مزيداً من الاخفاقات والانكسارات. والسؤال الذي يطرح نفسه على السلطة والمعارضة : كيف بالامكان الحديث عن ممارسة سياسية من دون أرضية ثقافية صلبة ؟ كيف بالامكان الحديث عن الهوية الوطنية والثقافة لا توظف إلا كتبرير للسياسي ؟ إن الحديث عن مستقبل من دون بديل ثقافي حداثي لا يمكن ان يكون الا ضياعاً للوقت وإهداراً للطاقات ولا يمكن ان يكون المستقبل آمنا مادامت الانتهازية ونشدان الزعامة هي الغاية كما أن المستقبل ما زال ضبابياً مادام اليسار ضالعاً في الفقه التبريري وليس أمامنا جميعاً إلا أن نفسر ظاهرة التشرذم في الحياة السياسية والثقافية. الجمهورية