"هذا الحدث نتاج مؤامرة " عبارة نسمعها كثيرا عبر وسائل الإعلام والتثقيف المختلفة خاصة أثناء الأحداث الكبرى أو القضايا المثارة أمام الرأي العام وبالمجمل عند كل حدث أو فاجعة يصاب بها مجتمع ما أو عندما تتعرض بعض البلدان للاحتلال الأجنبي أو الحروب الأهلية أو الاضطرابات الاجتماعية أو حالات عدم الاستقرار السياسي.. الخ. هذه العبارة الشائعة أو " النظرية " كما يحلو للبعض أن يسميها بنظرية يؤمن بها الكثير ويشكك في وجودها البعض والبعض الآخر يقلل من أهميتها أو تأثيرها على مجرى الأحداث وهناك من يسخر من مجرد ذكرها أو التفكير فيها، وعلى سبيل المثال عندما يحاول شخص ما تحليل الواقع العربي من جوانبه المختلفة مرتكزا إلى عوامل وأسباب موضوعية ساعدت على تشكيل هذا الواقع المخزي الذي نعيشه اليوم وارتباطه بمؤامرات حقيقية حيكت وخطط لها خارج الحدود ونفذت بأيادي عربيه مرتهنة لمصالحها الضيقة أو لأهوائها الشيطانية أو لارتباطاتها الغير وطنية. عند ذلك يخرج علينا الإعلام العربي ((المسير في أغلبه)) ليعبر عن الأحداث أو المتغيرات التي صنعت هذا الواقع المخزي عبر ذلك الكم الكبير من المنظرين أو المحللين السياسيين أو كل من يدعي المعرفة ببواطن وظواهر الأمور ليتحفنا بعض هؤلاء بتصاريح رنانة ورؤى متعددة مغايرة للواقع المعاش وللحقائق الملموسة والمشاهدة وأحيانا يتعدى البعض هذه الرؤى أو الصور التحليلية الخارقة ليدخل دائرة الاستهزاء واتهام الوعي العربي بالجهل والتخلف والانحطاط في التفكير وسيطرة الهواجس. وهنا يقف المرء متعجبا ويسأل لمصلحة من كل ذلك التزييف أو التضليل الإعلامي؟؟ وهل فعلا لا توجد مؤامرات على أوطاننا؟ وإذا كان الحال كذلك فلماذا وصلنا إلى هذا الحال المخزي في أوضاعنا المختلفة؟؟.. وعند التأكيد المنطقي والموضوعي بوجود مؤامرات حقيقية كنتاج طبيعي لهذا الوضع الذي نعيشه يسارع هؤلاء بالقول هكذا انتم دائما أيها العرب تلقون بأخطائكم وأوضاعكم التي صنعتموها بأيديكم إلى ((شماعة)) المؤامرات والدسائس!! وهنا تخرج كلمة حق يراد في اغلبها الباطل والتضليل لان هذا الرد هو شبيه بما تردده دائما وسائل الإعلام الغربية المشبوهة التي للأسف الشديد استطاعت أن تستولي على عقول الكثير من الإعلاميين والمثقفين والساسة العرب.. وهنا يرد العقل المتجرد والخالي من الشوائب والمؤثرات الخارجية على أولئك بالقول نعم صنعها - أي تلك الأخطاء أو الخطايا - رجال من بيننا ولكنهم لا ينتمون إلى تراب أوطانهم بحق لأنهم باعوا أنفسهم لأهوائهم الشيطانية وأطماعهم الدنيوية وأصبحوا فقط عبارة عن أدوات طيعة في أيدي من يدفع أكثر وبالأحرى من يتآمر على أوطانهم..... من ذلك نستطيع القول بان الواقع الملموس والمشاهد يقول أن هناك بالفعل حقيقة تسمى ((نظرية المؤامرة)) وهناك من يحاول إخفاء هذه الحقيقة أو التشكيك بوجودها بقصد أو بدون قصد لان الإعلام الغربي والثقافة الغربية الموجهة لعالمنا العربي ومن دار في فلكهم من إعلامنا العربي يهدفون من إعلامهم هذا إلى خلق ونشر ثقافة الاستسلام للأمر الواقع وقلب الحقائق لكي لا نستطيع بعدها الإدراك وبالتالي معرفه العدو من الصديق والحق من الباطل لندخل بعد ذلك دائرة جلد الذات والصراع على هذه الحياة بجوانبها المختلفة والى مالا نهاية!! لا نريد الاسترسال طويلا في هذا الموضوع لان تشعباته طويلة ما نريد الوصول إليه فقط من هذا التمهيد الموجز هو إثبات حقيقة ما اصطلح عليه "بنظرة المؤامرة" وهذه الحقيقة الثابتة عبر التاريخ لا يستطيع أيا كان طمسها أو إنكارها فالتاريخ الإنساني مدون في معظمه منذ بدء الخليقة ومنذ أن أرسل الله الرسل والأنبياء إلى البشرية لنشر الخير والمحبة بين الناس ومنذ أن نشأت الحضارات الإنسانية المختلفة وما رافق كل ذلك من كم كبير من المؤامرات الحقيقية التي مارسها ((الأشرار)) عبرالتاريخ وسالت من جرائها انهار من الدماء وانهارت حضارات و دول وصعدت حضارات ودول أخرى. فالتاريخ البشري ملئ ويصعب سرد أحداثه من هذه الناحية ولكننا فقط سنأخذ جانب بسيط من هذا التاريخ الذي يهمنا نحن اليمنيين وتحديدا تاريخنا اليمني الحديث وبداية عقد الستينات والثورة التي تفجرت في وجه الطغيان والرجعية والتخلف وما رافقها من مؤامرات حقيقية حيكت ونفذ بعضها خلال مسيرة تثبيت دعائم النظام الجمهوري و يشهد على ذلك التاريخ بل أن الكثير من مناضلي الثورة والذين لا زالوا على قيد الحياة يتذكرون تلك المشاهد والأحداث التي واكبت الثورة منذ قيامها و لم تمحى بعد من ذاكرتهم تلك الهجمة الشعواء على نظام الجمهورية من أعدائه في الداخل أو الخارج وحصار السبعين يوم احد أهم تلك الصور الواضحة و الجلية لحقيقة فعل هذه المؤامرات..... أريد فقط ممن يعارض حقيقية هذه "النظرية" التاريخية أو يشكك في وجودها أو يقلل من شأنها أو تأثيرها على مجرى الأحداث في بلدنا الإجابة المجردة والموضوعية الصادقة على الأسئلة أو الاستفسارات التالية: هل ما واجهته الثورة منذ قيامها من أعدائها بفعل مؤامرات مرسومه في الداخل والخارج معا أم أن المسألة كانت ارتجالية وصراع مصالح؟؟ هل حصار السبعين يوما كان بفعل مؤامرة داخلية من الملكيين وبدعم خارجي أم كانت غير ذلك؟؟ هل كانت الخلافات الحادة التي وصلت إلى حد الاقتتال وارتكاب المجازر بين طرفي المعادلة السياسية في الجنوب بعد الاستقلال ((الجبهة القومية وجبهة التحرير)) مؤامرة حيكت بإحكام من قبل المخابرات البريطانية وأعوانها في الداخل أم كانت غير ذلك؟؟ هل كان لتبني النظرية الماركسية و الفكر الماركسي وبالتالي النظام الاشتراكي الشمولي في تلك الفترة مؤامرة حيكت بإحكام من قبل الشيوعية العالمية آنذاك أم إن الشعب اليمني في ذلك التاريخ اختار عن قناعة تبديل جلده وحضارته وقيمه ومبادئه من اجل التوازن الدولي ونظام القطبين الذي كان سائدا؟!! هل كانت أفعال التخريب والقتل في المناطق الوسطى من الوطن مؤامرة لنشر هذا الفكر الدخيل على شعبنا أم كانت غير ذلك؟؟ هل كانت محاوله الانفصال عام 1994 والتي قدم لها الدعم السخي من أعداء الوطن في الداخل والخارج معا هل كانت بالفعل مؤامرة حيكت بإحكام وبدعم مالي وعسكري خارجي مهول أم كانت العملية فقط كما كان يردد علي سالم البيض أثناء ألازمه والحرب بقوله: نحن أمام ((مشروع يمني حضاري عظيم))؟!! ماذا نسمي خروج مجموعه ضالة عن الإجماع الوطني وإعلانها التمرد على الدولة والدستور بل ورفع السلاح في وجه من يدافعون عن الأرض والعرض ومنجزات الشعب هل نستطيع مخالفة العقل والمنطق ونقول إن الحوثيين ليسوا نتاج مؤامرة على الجمهورية والثورة والأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي؟؟ ماذا نسمي عمليات التخريب والفوضى التي حدثت في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية وعمليات بث الفرقة وأشاعه الكراهية بين أبناء الوطن الواحد أليست مؤامرة على الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد أم أنها كما يسميها أصحابها ((حراك جنوبي سلمي))؟؟ صدور قرار لمجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع وما تبع هذا القرار من تواجد عسكري غير عادي في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي بذريعة مطاردة أعمال القرصنة وحماية السفن التجارية أليست هذه المسرحية الدولية مؤامرة حقيقية للوصاية على مضيق باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر ككل أم أنها غير ذلك؟؟ دفع و تشجيع أحزاب اللقاء المشترك بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الاستمرار في عنادها و سياستها العبثية الحالية تجاه الوطن وتجاه العملية الديمقراطية في البلد برمتها أليست مؤامرة تحركها أطراف متطرفة داخل هذه الأحزاب وبضغط من أطراف أخرى في الخارج سواء داخل الوطن أو خارجه لشق الصف الوطني وإحداث شرخ في جدار الوحدة الوطنية أم إنها غير ذلك؟!! المؤامرات على الوطن متشعبة وتحتاج إلى سرد أكثر لا يتسع المجال للخوض فيها خاصة وهي معروفه ويدركها الكثير والبعض لا يزال بقصد أو بدون قصد يغمض عينيه لكي لا يرى هذه الحقيقة لان هذا البعض تعود على "حياه الرفاهية" والبعض الآخر اختار طريق السراب و جلد الذات وتزييف الواقع وتضليل بعض الناس بل وتحريضهم على رؤية هذا الواقع بنظارات سوداء معتمه لكي لا يروا أي بصيص من النور وبالتالي يصبح الوطن عبئ على حياتهم ويدب اليأس في قلوبهم وبذلك يتحقق هدف المتآمرون على هذه الحياة فيتحول البعض منهم إلى أدوات طيعة تعمل ليل ونهار على شق الصف الوطني و تفكيك النسيج الاجتماعي المترابط... من ذلك كله نستطيع القول في ختام هذا الطرح إن (( الوحدة الوطنية )) هي السد المنيع الذي نستطيع من خلاله تجنب أي مؤامرات تحاك على الوطن من الداخل أو الخارج بل هي السبيل الوحيد لمواجهة هذه المؤامرات أيا كانت ومهما بلغت درجه قوتها.