ظَل اليمن واحداً في ظِل الأذواء والأقيال ولم تؤثر على وحدويته تعدد المسميات والإمارات، فمن كان يتوجه إلى جنوب شبه الجزيرة العربية فقد قصد اليمن.. وحين بدأت الحملات الاستعمارية كان الشعب اليمني بشطريه يتّحد للذود عن الأرض اليمنية ضد الغزو الروماني والحبشي والفارسي في فتراته المُتلاحقة من 400 إلى 600م ولم يقتصر هذا التآزر عند هذه الحملات فقط.. بل وقف الشعب اليمني بشطريه ضد الحملة البرتغالية كما جاء في بعض الكتب التاريخية. وعندما احتل الأتراك شواطئ عدن و الحديدة و دخلوا سائر المناطق اليمنية ، تألب عليهم الشعب بشطريه حتى ارتد الاحتلال العثماني على أعقابه بعد ثمانين عام من الاحتلال.. و على أثر هذه الانتصارات على المستعمر التركي في حملته الأولى؛ تجزأت اليمن، فتعددت الأئمة في الشطر الشمالي وتعددت الزعامات في الشطر الجنوبي، وهذا ما جعل اليمن وجبة دسمة للحملة العثمانية الثانية.. و في أواخر القرن التاسع عشر التحم الشعب من جديد لمكافحة الاستعمار العثماني حتى دحره في نهاية العشرينات من القرن العشرين، وكما هو حال اليمن بعد إخراج أي مستعمر، تعددت الرايات فكانت المتوكلية في الجبال، والادريسيون في تهامة، وتسع سلطنات في جنوباليمن. ولأن التقسيم والتشطير ناتج عن أخطاء الأنظمة وليس خطأ الشعوب، كان من الطبيعي جداً أن يكون الشعب وبالفطرة، واحداً في مواجهة المطامع المُتعددة سواء كانت مطامع استعمارية خارجية، أو أنظمة أو حتى كانت مآرب شخصية. وإلى الماضي القريب.. كان الوجع الواحد، هو من جعل المناضل محمد محمود الزبيري ينشد أبياته المعروفة عندما اجتمع الثوّار في عدن حين استهل قصيدة "صيحة البعث" بقوله: سجل مكانك في التاريخ يا قلمُ ... فَهاهُنا تُبعث الأجيال والأممُ هُنا القلوب الأبيات التي اتحدتْ ...هُنا الحنان هنا القربى هنا الرحمُ ومن ناحية أخرى، وبالرغم من الحكم الكهنوتي المتخلف في شمال اليمن، لم يكن بالأمر الغريب أن يُخلّد التاريخ أقوال الإمام التي قالها في الحديدة في 1956م حين قال: (انتظروا صيحتي الكبرى)، مُشيراً إلى أنه سيزحف بجيشه التقليدي– القبائل- إلى عدن ليحررها من براثن الاحتلال البريطاني..! فبرغم من ظلمه وجبروته للشعب في الشمال، لكن ذلك لم يمنع مجرد العزم على تحرير النواحي التسع من اليمن كما كان الإمام يحيى يسمي جنوباليمن.. وبعد الثورة السبتمبرية المُباركة، وفي عام 1963م، كان الحس بالمسؤولية السياسية والاجتماعية لدى الشعب اليمني بيّن وجليّ، عندما تواردت جحافل المُقاتلين من مُختلف أمصار الشطر الجنوبياليمني للدفاع عن ثورة سبتمبر المجيدة في شمال اليمن.. وفي المُقابل ولأن الوجع اليمني واحد؛ كان أبناء محافظتي إبوتعز يسوقون المعونات إلى جبال ردفان لدعم الثورة الاكتوبرية في المُحافظات الجنوبية، وعلى نفس السياق وسياسياً سمح رئيس اليمن الشمالي في تلك الفترة– عبد الله السلال– لثوار الشطر الجنوبي بعقد اجتماعاتهم في محافظة تعز في عام 1963م، برئاسة قحطان الشعبي وسلطان أحمد عمر وعلي أحمد السلامي وعبد الباري قاسم وغيرهم.. رغم الضغوطات الخارجية المناوأة لذلك. واليوم.. هاهو وجع مُحافظتي حضرموت والمهرة، قد وحّد القلوب اليمنية الواحدة رغم المُماحكات والمُزايدات والسموم العنصرية التي ينفثها تجار الأوطان في الخارج..! هاهم أبناء اليمن الواحد يرسمون أنموذجاً في التلاحم والتآزر في هذه النكبة المُناخية التي حلّت باليمن.. صادحين القول بالفعل: إن اليمن واحد في السرّاء و الضرّاء. [email protected]