الطرقات نبض الحياة، شريان التنمية، الوريد الذي يربط أبناء الوطن ببعض، والجسد المنهك الذي «إذا اشتكى فيه شارع، تداعت له سائر الشوارع والأزغاط ب« الحفر والمطبات». دائماً ما يفاخر مسئولونا بذلك، ونحن أيضاً، لكن الافتخار بالشيء لا يتم إلا ببلوغه الكمال ربما.. للطرقات في اليمن وقائع مريرة، وعلى ظهورها مشاهد ووقائع وأحداث أمر وأشد بشاعة، بسبب ما وصلت إليه من حال. غالبية الطرق في مدننا لا تحتاج إلى «كوارث سماوية» حتى نلتفت إليها، ونشاهد معالم الشيخوخة التي ضربت عودها في أول الشباب. رحلة واحدة من محافظة تعز إلى صنعاء، بالبر طبعاً، تجعلك تشاهد أحدث الطرق اليمنية التي يقوم بها المواطنون من جهة، والطبيعة من جهة أخرى، لتزيين وحفظ شريان التنمية. فإضافة إلى«كساح» يولد معها، يتفنن أبناء المحافظات في تكسير عظام «الثعابين السوداء» بمطبات غاية في الروعة والجمال. يحس المسافر فيها بأنها وجدت لتكون مضماراً لسباق «001» متر حواجز، وليس خط سير سريع لمركبات تقل الآلاف من البشر في اليوم والليلة. بعد مسافة 05 متراً، أو 001 إن كان «الأطباء» أصحاب مهنة تشييد المطبات في الشوارع طيبين، يتفاجأ السائق بحاجز اسمنتي قاتل، يغتال متعة السفر، ويضرب برأسك عالياً تخرج منه في أقل الخسائر بنزيف حاد، أو فقدان لمقود السيارات والاتجاه نحو أقرب «ضاحة» أو منحدر، وإن كان لديك أطفال في الكراسي الخلفية وزجاجات الأبواب مفتوحة، فإن السيارة تتحول فجأة إلى«منجنيق» يقذف بهم عالياً إلى أحضان أقرب واد سحيق، أو صخرة متعطشة للدم. المطبات المنتشرة من طريق تعز إلى صنعاء، وخصوصاً في ذمار لاتحصى، الأمر يحتاج ل«تعداد سريع» تنفذه وزارة الأشغال والطرق وتعلن النتيجة في مؤتمر صحفي يحضره ممثلو وسائل الإعلام العربية والعالمية، تخبرنا فيه بالحصيلة الرسمية، وكيف وجدت، ومن زرعها ومن المسئول أو القادر على استئصالها، هل هي «ظاهرة صحية» للجو العام وبإمكانها أن تندرج ضمن مصفوفة الوزارة من المشاريع التي نفذتها، وسيتم عمل لافتات أمام كل «نفر مطب» تضحك السائقين بدلاً من تحذيرهم:«ابتسم أنت في مطب». أخشى أن يكون المسئولون في وزارة الأشغال ومكاتبها في المحافظات لا يدركون بتلك «الجدران العازلة» في شوارع هم المسئول الأول عليها، ربما يكون ذلك محتملاً، وإلا لكانوا باستحداث إدارة أو صندوق يصرف له ميزانية ويعين له مهندس، تحت مسمى«صندوق المطبات والحفر»..الطرقات منجز عظيم، لكن السكوت عن «نهشها» باستمرار وانتهاك حرمتها من قبل كل جاهل أمر لا يجوز السكوت عنه، أو القفز عليه بخفة. على وزارة الأشغال ومحافظي المحافظات، والذين يمررون في الغالب الصفقات الهشة لشقها وسفلتتها بأدنى المواصفات، أن يحترموا مناصبهم، ويدركوا أن ما يحدث من «بناء عشوائي» للمطبات في شوارع المدن أمر مخز لهم، ويدركوا أيضاً أن السيارات الأجرة التي تقل المسافرين الغلابى شديدة الحساسية لأشياء كهذه وليست كسياراتهم التي اكتسبت منذ ولادتها مناعة دائمة ولا يمكن أن تحس بوخزاتها.. فما يحدث كوارث طبيعية مكتملة، تنبع من باطن الأرض، وغياب واضح للقانون. بعد المسافة التي يقطعها المسافر من تعز إلى صنعاء، والعكس، ويحس فيها أن القانون سافر بعيداً عن هذه الأرض، يمطر النظام والقانون فجأة في نقطة «نقيل يسلح». سيستقبلك أحد أفراد النقطة بتفتيش شامل لأنه متأكد أن قسمات وجهه تتعرق «قانون» - وهذا واجبها لذي لا نعترض عليه- لكنه يتمادى بعدها بأسئلة لا دخل لها به، تتجاوز مهامه إلى مهام رجل المرور ومسئول الضرائب، سيسألك: من أين أنت وإلى أين وأين الرخصة والأوراق وكم ستجلس في صنعاء، وبأي أنواع القات أنت «مخزن» ولايتبقى إلا أن يستوقفك لعدم «ربط رأسك بالمشدة» - على غرار ربط حزام الأمان - بحجة أن الدنيا«برد جوي».. شوفوا على نظام. [email protected]