المتفحص العاقل والموضوعي للشأن الاجتماعي اليمني بكل تفاصيله وتعقيداته المتداخلة اليومية سيدرك إن القات غول فتاك يلتهم كل بارقة أمل تلوح في الأفق على طريق المضي في مشروع النهضة والتحديث الذي تنادي به وقامت من أجله الثورة الخالدة منذ 45 عاما. القات وما ارتبط به من سلوكيات اجتماعية فريدة في شعب الأيمان والحكمة يكسب في كل مناسبة اجتماعية بالضربة القاضية، بل وأحال بين اليمنيين وقدرتهم على التعاطي مع ثقافة ومتغيرات العصر الحديث.. فلو جال بصرك في أسواقه التي احتشد إليها الملايين من الناس خلال أيام عيد الأضحى المبارك وشاهدت حجم الإقبال المهول على الشراء من قبل الكبار والصغار والنساء والرجال، المثقفين والمتعلمين والأميين، الفقراء والأغنياء سيتأكد لك أن النفق المظلم الحقيقي في اليمن يمر من هنا.. وأمام هذا الحشد الهائل على شرائه، وهذا الإقبال على أسواقه، يبقى نفر قليل من اليمنيين بعيدا عن عالم القات.. كثير منهم تعاطاه لسنوات ثم اقلع عنه بنصائح الأطباء, وكثير منهم تبين له الحق, وكثير منهم شعر بالملل من تعاطي أعلافه وأراد أن يجرب حياة جديدة خالية من ثقافة القات.. ولكن هؤلاء جميعا وجدوا أنفسهم رغما عن أنوفهم يكتوون بنار ثقافته حتى ولو لم يتعاطوه, معزولين, وحيدين, يذرعون الشوارع في العصرية والمغربية يبحثون عن (ونيس) فلا يجدون أحد يؤانسهم.. وحدهم الأطفال في السنوات الأولى الذين يزاملونهم في أيام الأعياد, هم أناس منا ونحن منهم ولكنهم بسبب لعنة القات وجدوا أنفسهم كما لو كانوا أجانب مقيمون في اليمن..... يمنيون... لا يتعاطون القات!! * أتعس أيام حياتهم أيام العيد حتى الذين يحاربون القات ممن انضووا تحت راية جمعيات لمكافحته، عاد الكثير منهم إلى التهامه بعدما تعذر عليهم البقاء معزولين يصارعون الوحدة القاتلة في المناسبات، وربما في غير المناسبات، فيما عدد أخر فضل الاستمرار في معركة الموجهة مع القات الذي يكسب كل المعارك من الجولة الأولى.. أما الجمعيات التي كانت قد أعلنت عن نفسها قبل سنوات ولو على استحياء شديد، لاقت انتكاسة أشد بعد سنوات قليلة... فكيف يقضي المحاربون في جبهة القات أيام الأعياد وأين؟ • نحن أجانب وجدي عون– تربوي-: لم أتعاط القات يوما في حياتي, لكني اشعر بفراغ شديد وضيق وغربة وكآبة ووحدة قاتلة أيام الأعياد. أحيانا اضطر للخروج مع الأطفال الصغار العب كرة قدم وأحيانا أعود إلى أدراجي أجالس الكتاب مكرها لثواني ثم اقذف به فوق السرير وأعود من جديد أهيم في الشوارع حتى المغرب. * مدينة خاوية يضيف عون: كان لي صديق مثلي لا يخزن واشعر بالأسف انه عاد إلى القات بعد أن كنت اقضي معه أيام الأعياد في التجول في شوارع المدينة التي تكون في أيام الأعياد خاوية على عروشها وحزينة جدا.. ويطالب عون بإقامة الحدائق والمتنفسات للناس على الأقل إذا كانت قد قررت الاستسلام لجبروت القات- على حد تعبيره. • أتعس أيامي أما محمد مهيوب– جندي– فيعتبر أن أتعس أيامه أيام الأعياد كون أصدقاؤه يغادرونه للقرية فيما يبقى هو وحيدا يتجول في المدينة.. محمد يتمنى أن تكون أيام السنة في اليمن كلها عمل لان الأيام كلها (طفش وضبح) وخاصة في أيام الأعياد خاصة في ظل غياب وانعدام الحدائق والمتنفسات. • مقايل القات مهيوب يؤكد انه وجد سعادته بع إقلاعه عن القات، حيث كان من اشد المتعاطين له لسنوات عديدة ولكنه يكره أيام الأعياد بسبب ذهاب الناس إلى مقايل القات الذي يجد إقبال كبيرا من كل الشرائح الاجتماعية الفقير والغني الصغير والكبير. • عزلة تامة ويقول فيصل قائد احمد إن ابتعاده عن مجلس القات في القرية سبب له عزلة تامة ولذلك يلجا إلى جلب الماء من البئر أو رعي الغنم للتسلية يوم العيد. ويضيف: "شيء مش معقول الناس كلهم مخزنين حتى الأطفال", ويشير فيصل إلى أن دافعه للإقلاع عن القات هو نصيحة الأطباء له بالابتعاد عنه لأنه يضاعف من سوء حالته الصحية، ويتمنى فيصل اليوم الذي يجد فيه عيد اليمن خال من القات مثل بقية العالم. • قضاء الأوقات ويطالب سلطان الشرعبي بإيجاد بدائل مناسبة لقضاء أوقات مسلية بالنسبة لغير المتعاطين للقات حتى يمكن أن نشجع كل من يريد هجرة مجالس القات وهم كثر- حسب رأي الشرعبي- لكن للأسف لا احد يهتم بإقامة المتنفسات كون الجميع يشجع على استمرار الظاهرة مواطنين وتجار القات وحكومة. • قناعة تامة سعيد الوصاب– موظف حكومي – قال انه وصل إلى قناعة تامة بفكرة الإقلاع عن تعاطي القات قبل سنتين بعد إن شعر أن الأيام تمضي دون أن يحقق شيئا في حياته خاصة وان أبنائه على مشارف الجامعة اليوم. ويضيف الوصابي: لم أكن أدرك إن القات أكل الأخضر واليابس ودخلي يذهب كله لشراء القات وهذا على حساب الأسرة والأولاد والحمد لله بعد آن أقلعت عن القات تحسن وضعي المعيشي جدا.. ولكن كيف يقضي الوصابي أيام الأعياد وأين؟ يقول الوصابي: الوضع صعب أيام الأعياد فبعد أن ازور الأهل صباحا يوم العيد أرى الجميع يذهب إلى أسواق القات ويتبارون بالسيارات في سباق محموم لشراء القات, ويعتبر الوصابي إن الحق حق حق، وان قل مشيعوه والباطل باطل وان كثر مؤيدوه, نعم أشعر بعزلة في يوم العيد لكن هذا لن يكون سببا في العودة إلى مجالس القات من جديد. * وأخيراً: (الحق حق وان قل مشيعوه والباطل باطل وان كثر مناصروه)... ولكن السؤال المطروح دائما: إذا كانت راية القات- كما يبدو- ستظل خفاقة في سماء التخلف في اليمن تقود البلد من إخفاق إلى آخر، ومن انتكاسة اجتماعية واقتصادية إلى أخرى، فلماذا على الأقل لا يتم التفكير بالتوسع في إنشاء مزيد من الحدائق والمتنفسات في المدن الرئيسية والثانوية لهؤلاء الحالمون بيمن بلا قات ولغيرهم من الذين يبحثون عن بدائل للقات كوسيلة لإقناعهم عن ترك مجالسه..!؟