واجهت اليمن عاما اقتصاديا صعبا لا سيما في الربع الأخير منه، جراء التقاء ثلاثة عوامل ضاغطة بدأت مع الأزمة المالية وتراجع أسعار النفط الذي تشكل عائداته جزءا من الميزانية، وصولا إلى ما سببته الفيضانات التي وقعت في أكتوبر الماضي من خسائر تخطت المليار دولار أميركي، حسب تقديرات البنك الدولي. وانعكس اجتماع هذه العوامل على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في اليمن، وتحدّث رئيس الوزراء اليمني علي مجور عن انخفاض كبير في الدخل القومي نتيجة لتراجع حجم الاستثمارات الخارجية في قطاع النفط والغاز، وزيادة أعباء وتكاليف البنوك المحلية ، مشيرا إلى الاتجاه نحو اتخاذ إجراءات "تقشفية" لمواجهة تأثيرات هذه العوامل. وعلى الرغم من أن الأزمة الاقتصادية العالمية برزت إلى العلن في سبتمبر الماضي، إلا أن الخبيرة الاقتصادية انتصار فقير، التي تعمل في مركز المشروعات الدولية الخاصة، قالت إن الأزمة الاقتصادية في اليمن تعود إلى قبل نحو عامين. وفيما يشكل الانخفاض المتواصل لأسعار النفط عاملا سلبيا آخرا على الاقتصاد، تشهد اليمن أزمة من نوع مختلف حيث تزداد المخاوف من نضوب إنتاجها النفطي، إذ لا يزيد إنتاجها الحالي عن 283 ألف برميل يومياً بسعر للبرميل وصل إلى ما دون 40 دولارا. وكانت اليمن أيضا قد باعت مخزونها من الغاز الذي لا يكفي بالأصل احتياجاتها المحلية، ب20 مليار دولار لمدة عشرين عاما في صفقة وصفت بغير العادلة. وفي انعكاس ذلك على الوضع الاقتصادي، قال المدير العام لاتحاد الغرف التجارية والصناعية اليمني محمد الميتمي إن انخفاض أسعار النفط بمقدار النصف "سيؤثر حتما وبشكل مباشر في عائدات اليمن من النقد الأجنبي، الممول الرئيس للمشاريع الاستثمارية العامة للدولة". وأشار الميتمي إلى أن التأثير سيمتد إلى قدرة الدولة على تمويل نشاطاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, وممارسة سياسة نقدية ضابطة تمنع تدهور العملة الوطنية، مبديا خشيته من أن تكون خسائر بلاده المباشرة ب حدود 1.5 مليار دولار إذا تواصل انهيار أسعار النفط. من جهة أخرى، أدت الفيضانات التي وقعت في أكتوبر الماضي في محافظتي حضرموت والمهرة، إلى خسائر اقتصادية بقيمة مليار و300 مليون دولار أميركي قابلة للارتفاع، بحسب البنك الدولي، وتسببت في تدمير جزء كبير من البنية التحتية. وأظهر مسح ميداني لبعثة البنك الدولي والأمم المتحدة أن قطاع الإسكان كان المتضرر الرئيسي من الفيضانات، ووصلت تقديرات الخسائر فيه لنحو 140 مليون دولار، بينما تراوحت الخسائر بقطاع الزراعة بين 125 و150 مليونا. وحل قطاع الطرق والجسور في المرتبة الثالثة من حيث الأضرار حيث قدرت ب105 ملايين دولار، بينما تراوحت قيمة الأضرار في المرافق العامة بين 65 و90 مليونا. وفي محاولة للتعامل مع هذه التطورات السلبية، لجأت الحكومة اليمنية مطلع الشهر الجاري وللمرة الأولى منذ عقود إلى خفض المخصصات في الإنفاق العام إلى 50 في المائة رغم أن البرلمان كان قد أقر الموازنة العامة للدولة للعام القادم. إلا أن وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدولي عبد الله الشاطر أكّد على أن البرنامج الاستثماري للعام المقبل للمشاريع التنموية لن يتأثر بقرار الحكومة خفض المخصصات إلى 50 في المائة، مشيرا إلى أن التخفيضات اقتصرت على النفقات الجارية مثل بدلات السفر والتنقلات وغيرها من المخصصات غير الأولوية التنموية. ولفت الشاطر إلى أنه تم استكمال الدراسات اللازمة للمشاريع الممولة في إطار تعهدات مؤتمر لندن للمانحين، وأنه تم التركيز على المشروعات الإنتاجية والتشغيلية التي تستقطب أعداداً كبيرة من الأيدي العاملة والتخفيف من الفقر. لكن هذا التفاؤل لا يعكسه تقرير مجلس الوحدة الاقتصادية العربية الذي أظهر أن اليمن "سجل أدنى نصيب للفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي والذي بلغ 901 دولار في حين جاءت موريتانيا قبله بنصيب 909 دولارات تسبقها جيبوتي بمبلغ 977 دولارا". كما حذّر الخبراء من أن وجود 45 في المائة من اليمنيين دون خط الفقر، ووصول نسبة البطالة إلى 35 في المائة وزيادة حدة الأزمة العالمية الأخيرة في أسعار النفط ، والسلع الأساسية، قد يؤدي إلى تفاقم معدل التضخم الذي يسجل حاليا نحو 12.5في المائة، والى مزيد من التدني في مستويات العيش. أما السؤال الأبرز في ظل هذه الصورة المتشائمة، إلى أي مدى سيحمي خفض الإنفاق والاستعانة بمشاريع المانحين، اليمنيين من شبح فقر يدق أبوابهم وما من مؤشر يؤكد عدم تفاقم الأزمة المالية العالمية.