المهنية في تخصصٍ ما أمرٌ مطلوبٌ بلاشك وهو مما ينعكس أثره على كفاءة المهني في مهنته، ومهنية الإعلام لها خصوصيتها لارتباطها بتغيير المفاهيم والقيم، وخطر هذه الخصوصية ينبع من مهنة الإعلام كمهنة، فالإعلام كما أسميه (مهنة من لا مهنة له) فهو مشرع الأبواب للداخلين فيه من كل حدبٍ وصوب، درسوه أم لم يدرسوه، مارسوه أم لم يمارسوه فلن يغير في الأمر شيء طالما امتلك الراغبون في العيش وسطه نفوذاً يتسللوا من خلالها إلى من شاءوا. و(المهنية) في الإعلام خطرها يمتد إلى أعظمِ من خطرٍ قد يرتكبه طبيبٌ جراح بمشرطه حين يزهق روحاً، أو خطأً في بنية تصميم هندسي قد يودي بحياة أسرتين أو ثلاثة، لأن خطر قلمه، وخطر فكره قد يهدم أمةً بكاملها، وما قيمة الأجساد حين تُهدم العقول وتكون النفوس بالية. مما يجعل (مهنية الإعلام) مثار تساؤلات وأطرحها هنا ما يحدث من تجاوزات في عدد من وسائل الإعلام في مختلف البلاد العربية بلا استثناء، فأصبحت صحافة "باباراتزي" أو الصحافة الصفراء هي أساس العمل الصحفي وأساس (المهنية) التي سيتغنى بها الصحفي في مسيرته المهنية. فهل من ركائز مهنة الصحافة والإعلام التشهير وإظهار القبيحِ دوماً، هل لزاماً على الإعلامي أن يختار إما أن يكون بُلبلَ الملوك يُغرِّد بصوتهم ويسبح بحمدهم ويحيل كل الألوان إلى زهريٍ ووردي وإما أن يكون ذباباً لا يقع إلا على كل جرحٍ فينكأه، لماذا نرى دعاة المهنية في الصحافة ترتكز مهنيتهم على تضخيم مساوئ أوطانهم ليسلخوا عنها كل جميل، ويلصقوا بتاريخها كل قبيح، أليست هذه الأوطان وما فيها من قبح يدعيه أصحاب المهنة - التي أنتمي إليها أنا أيضاً - هي نتاج بناء مجتمعاتها وشعوبها؟ فلماذا لا يتم الرجوع إلى ترميم الأساس والاهتمام بترسيخ دعائمه؛ لنصل فيما بعد إلى تجميل المظهر وتشذيبه.. ما يدعوني إلى هذا التساؤل رغم أني سأواجه بالعداء من قبل عدد من الزملاء (المهنيين) كما هي مهنة الإعلام في مفهومهم يدعوني إليه هذا النزف المستمر لجراحٍ لا تنتهي يدندن عليها الإعلاميُّ صبح مساء، وكأن لسان حالهم يقول: أين لنا بهتلر يجمعنا عرباً في محرقة ليسحقنا ويبيدنا من الوجود. أليست هذه (المهنية) المزعومة هي بوق تشطيري تمزيقي لوطننا العربي بأكمله سلمته منظمات دولية بأيدي من وجدت فيهم ضالتها ليقوموا بدورها نيابة عنها في زعزعة ثقة الشعوب العربية بنفسها وقدراتها وحاضرها وماضيها.. في أحد المؤتمرات الدولية التي حضرتها عن دور التعليم في التنمية العربية انبرى أحدهم يلعن ظلام هذا الوطن ونوره، وليله ونهاره، فلم يجد في أمته ما يمكن أن يُقدَّم كنموذج يحتذى به، وليس بها من الكوادر ما يمكن أن يعتز به، ولعل ذلك المثقف وغيره من (المهنيين) شغلتهم معلقاتهم الصحفية في هتك أستار شعوبهم عن متابعة صحفها السيارة والتي تعلن عن طالبٍ مخترع هنا، وطالبة مميزة هناك، وروائية هنا، ومبدعٌ هناك، فإن التركيز على مثل هذه النماذج الإيجابية من وجهة نظرهم لا تعدو أن تكون سخفاً من السخافات التي هي من اهتمامات صحافة استقبل صاحب السمو وغادر فخامة الرئيس لنجد أننا وضعنا أنفسنا بأنفسنا في تصنيف لا يسمن ولا يغني من جوع. استمراء النيل من البنيان، ورشقه بالحجارة، ورمقه بازدراء، لن يزيد الأمر إلا سوءً، وسيفتح في حوائطه ندبات تسيل صديداً ودماءً سيبكيها التاريخ قبل أن نبكيها نحن لأن تاريخنا الحاضر يبدو أننا لن نتمكن من رؤية أي بقعة بيضاء في صفحاته فقد أحالوه (المهنيون) إلى وصمة عار في جبين التاريخ ونسو أو تناسوا أنه (مثما تكونوا يول عليكم).. ..................... إعلامي وكاتب صحفي [email protected]