لم تكن الأحداث المتلاحقة التي شهدها ويشهدها اليمن محض الصدفة أو أحداث منفصلة، بل المتتبع لهذه الأحداث يدرك أن هناك أيادي خفية رسمت بإتقان مثلث الشر المتمثل في تمرد الحوثيين في الشمال وتنامي الحراك المسلح في الجنوب وظهور عناصر من تنظيم القاعدة وإعلانهم عن تأسيس قاعدة جزيرة العرب. وإن تنوعت الأحداث، وتعددت المسميات لهذه الجماعات- وإن كانت تبدوا ظاهرياً جماعات منفصلة- فإنها تلتقي في نقاط مشتركة: فالوسيلة لهذه الجماعات واحدة وهي حمل السلاح، والطريقة التي تتبعها واحدة وهي العنف والإرهاب، والهدف واحد وهو الانقضاض على السلطة بسلطة السلاح وسفك دماء الأبرياء. فهذه الجماعات لا تؤمن بالحياة المدنية ولا تؤمن بالسلام والأمن ولا بالتنمية ولا بالديمقراطية وإنما تؤمن بمنهاج واحد وهو العنف والإرهاب. فالحوثيين يمثلون الضلع الأول لمثلث الشر، فهم يرتكبون جرائمهم اليومية ضد الدولة والمواطنين في العديد من مديريات المحافظة الشمالية وغامروا في توسيع الحرب إلى داخل المملكة العربية السعودية. والحراك الانفصالي المسلح يمثل الضلع الثاني من مثلث الشر، فقد تحول الحراك في الجنوب من حراك سلمي إلى حراك مسلح يتقوده عصابات مسلحة على صلة بعناصر من تنظيم القاعدة، فيحشدون في مقدمة الصفوف الناس البسطاء السذج، ليهتفون بشعارات مناطقية انفصالية ويحملون السلاح ضد الدولة ويمارسون إرهاب المواطنين ويرتكبون جرائم بالبطاقة. أما الضلع الثالثة لمثلث الشر فيتمثل في عناصر من تنظيم القاعدة وتوعدهم بتنفيذ عمليات إرهابية سواء داخل اليمن أو خارجها، وقد تمكنوا من إرسال الانتحاري السعودي عبدالله العسيري لتنفيذ عملية انتحارية لمحاولة قتل مسئول مكافحة الإرهاب في المملكة الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز.
كل هذه الأحداث تجري في اليمن دون أن يحرك المجتمع العربي والدولي ساكناً وظل اليمن يواجه هذه الأحداث بعيداً عن اهتمام الدول المعنية بمحاربة الإرهاب. إلا أن محاولة الشاب النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب لتفجير طائرة شركة "نورث وست" خلال رحلتها رقم 253 القادمة من أمستردام لدى اقترابها من "ديترويت" في يوم عيد الميلاد أبرزت اسم اليمن في وسائل الإعلام العربية والعالمية في ظاهرة لم يسبق لها مثيل.
وكرد فعل على هذه العملية الأخيرة التي كان سيذهب ضحيتها ركاب الطائرة سارعت بريطانيا إلى الدعوة لعقد مؤتمر لمكافحة الإرهاب في اليمن- أي لتدويل اليمن، وتناولت وسائل الإعلام خبراً مفاده أن الولاياتالمتحدة تدرس إرسال قوات إلى اليمن لمحاربة القاعدة. اليمن يعاني من الإرهاب منذ وقت طويل إلا أنه لم يستجيب لندائه أحد إلا بعد هذه الحادثة، وكأن الدم اليمني الذي ينزف كل يوم لا يعني أحداً. اليمن حكومة وشعباً لا يريد قوات أجنبية على أرضه ولن يرضى بذلك. كما أنه من الغباء السياسي أن تفتح الولاياتالمتحدة على نفسها جبهة جديدة وهي تعرف جيداً طبيعة اليمن الوعرة وطبيعة أهلها الأشد وعورة وشراسة. فالحل الوحيد والصحيح هو تكاتف جهود المجتمع الدولي لدعم اليمن بكل الوسائل وخاصة الدول العربية المجاورة التي تكتوي بنار الحرب والإرهاب قبل غيرها. فاليمن يتعرض اليوم لهجمة شرسة من الداخل والخارج لتدويله وبانتظار العرب لتعريبه.