فاطمة العشبي شاعرة يمنية، عمدت شعرها بالحب ووزعته خبزاً لملايين الفقراء .. ويتامى الطرقات وجعلته يتدفق كالفجر السحري بين عيون الأطفال .. وفي رحلتها الحافلة بالأوجاع جاعت وعريت وحفيت كجميع الشرفاء في هذا الوطن.. ولكنها أيضاً تحولت إلى رمز من رموز الشرف فيه .. وعلماً في أعلى قمة فيه .. ضميره الشعبي. لقد كانت فاطمة العشبي أول شاعرة يمنية في القرن العشرين تخرج بتجربتها من مجرد الهواية التي لا تتجاوز دائرة الأهل والمعارف .. والتي غالباً ما تموت وتتلاشى في زحمة الهموم الحياتية العادية من زواج وأولاد وخلافه .. إلى احتراف الشعر والوعي به كإبداع وحضور في وجودها والإيمان بقدرته ودوره في التغيير والتعبير عن كينونتها وإنسانيتها وعن هموم المجتمع والوطن والأمة والإنسانية.. فكان شعرها: 'شمساً وعناقيد ضياء تتوهج، تتحدى الراسخ في أعماق، الظلم الممتد ' بل كان سلاحها في وجه اليأس الأسود .. ورسالة حبها للفقراء وفانوسها المتدلي دائماً في محراب الوطن.. ومنذ منتصف الثمانينيات وفاطمة العشبي تكتب الشعر بنوعيه الفصيح والشعبي، وكان حضورها في الصحافة والمهرجانات يتوازى مع حضورها النشط في الحياة السياسية والاجتماعية من خلال الهيئات والمؤسسات ذات العلاقة.. لا يختلف موقفها القوي إزاء قضايا الوطن والمجتمع عن موقفها إزاء قضايا الأمة، خاصة قضيتي العراق وفلسطين. وشأنها شأن كل المبدعين الكبار الذين تعرضوا أو يتعرضون للتهميش في هذا الوطن .. والذين كانواً دائماً يعانون من التمايز بين حضورهم الفاعل إبداعياً .. والتقدير شبه الغائب وظيفياً، وهو ما يعني العسر المادي والمعاناة الأسرية والحياتية .. فإن فاطمة عانت كثيراً من الهوة الشاسعة بين حضورها القوي إبداعياً وتهميشها وظيفياً .. بل إنها في أحيان كانت تتعرض لمعادلات استغلالها إن لم يكن استغفالها كمبدعة ارتكاناً إلى إيمانها الصادق بقضايا تتعامل هي معها تعامل الشاعر الحالم، فيما يتعامل معها الآخرون تعامل السياسي المخاتل. أما مجموعتها الشعرية التي كان يجب أن تصدر منذ منتصف التسعينيات على الأقل .. فقد تم تجاهلها لأكثر من سبب: عقاباً للشاعرة من جهات .. وافتقاداً للقدرة على التقدير والتكريم من جهات .. ولكن فاطمة تتحمل جزءاً من تبعة تأخر إصدار ديوانها .. فهي وإن كانت شاعرة وموقفاً تتمثل فيها كل صفات الشاعرة الصادقة، فإنها أيضاً شاعرة صادقة، في كسلها وإهمالها. وتراخيها إزاء توثيق تجربة رائدة على الساحة اليمنية كتجربتها، إلى درجة ضياع بعض قصائدها المتناثرة هنا وهناك.. والتي تتعرض لكوارث التنقلات من بيت إلى بيت، والتلف وغيره مما هو معروف في حالات كهذه.. حتى ديوانها الذي نحن اليوم بصدد إخبار القراء عنه، والذي يضم قسماً من تجربتها الشعرية . لم تقم فاطمة على إصداره أو تشرف على إعداده للنشر.. وإنما تبرعت بذلك إحدى صديقاتها العراقيات، على حد علمي- حيث تم إصداره عن دار المدى في بغداد عام 2000م... من قصيدة (( إنها فاطمة )) للطيور الفضاءُ وللقلب أجنحةٌ حالمه كلما حلَّقتُ خارج اليأسِ والانقطاعْ يصبح الكونُ أنشودةً والمدى فاطمه.. كلُّ هذا البريقِ لها الهتافُ لها.. إنها في سماء البشارةِ معجزةٌ قادمه آهِ يا فاطمه أنتِ يا أرضَنا أمُّنا أنتِ يا عروةَ البدءِ والخاتمه يا التي تحبسين البراكينَ والانفجارْ يا التي ترتدين التوهّجَ.. والاخضرارْ يا التي تُشرقين إذا غابتِ الشمسُ يوماً وتفتتحين النهارْ إن لليل فكّاً رهيباً يُمزّق أحلامَنا الناعمه لا تنامي إذا ما دغدغ النومُ أعصابَنا اِسهري ملءَ أجفاننا اكتبي فوق جدرانِ آلامنا.. ارسمي فوق أبوابِ حكّامنا صوتَ أقدامنا انثري فوق مشروعِ إعدامنا رملَ إعصارِنا انشدي نزفَ أشعارنا ملءَ أصواتنا كلُّنا فاطمه ثورةٌ عارمه من جذوع الشجرْ من دماء الحجرْ من رماد السنينْ من الماء والطينْ من عرق الكادحينْ من الجوّ والبرّ والبحرِ يأتي الخبرْ إنها فاطمه من قصيدة (( بطل )) عَلى أيِّ شَيءٍ سَأحْزَنُ بَعْدَكْ وَهَلْ يَسْتَطِيعُ الأسَى أنْ يَرُدَّكْ كَأنَّكَ حُلْمٌ أتَى غَفْلَة ً وَغَابَ أ ُحَاولُ أنْ أسْتَرُدَّكْ تَمَنَّيتُ لَوْ أنَّ عَينَيََّ صَارَتْ غُيُومَاً عَليكَ وَأمْطرْنَ لَحْدَكْ وَكَفَّيَّ أفْلَتَتَا مِنْ يَدَيَّ إليكَ وَوَسدَّنَ في الأرْض ِخَدَّكْ أأبْكِيكَ وَاللهِ لوْ صَارَ دَمْعِي بِحَارَاً ، فَلَيْسَتْ تُعَادِلُ فَقْدَكْ وَلَوْ نَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ الدُمُوع تَرُدُّكَ ،،، نَبْكِيكَ حَتَّى تَرُدَّكْ * * * أيَا جَبَلاً وَالسَّمَا قَبْرُهُ فذِي الأرْضُ عَاجزَة ٌأنْ تَحُدَّكْ لأنَّكَ أصْدَقُ مَنْ فَوْقَهَا لِذا كُلُ شَيءٍ عَلى الأرْض ِضِدَّكْ لأنَّكَ أجْمَلُ مَنْ فَوْقَهَا تَشُدُّ بِكَ الثَّوْبَ حَتَّى تَشُدَّكْ وَقَدْ قُدَّ مِنْ دُبُر ٍ قَابِضَاً عَلى جَمْرهَا حَافِظَاً فِيكَ عَهْدَكْ بَريءٌ هُوَ الذِئْبُ فاحْمِلْ دِمَاك إلى اللهِ قُلْ : أنتَ نادَيْتَ عَبْدَكْ وَدَعْ خَلْفَ ظهْركَ كُلَّ الرِّجَال وَهَلْ مِن رجَال ٍعَلى الأرْض ِبَعْدَكْ * * * سَلام ٌعَلى هَدأةٍ في الضُلُوع أبَى اللهُ إلاَّ بِهَا أنْ يَمُدَّكْ عَلى القَيْدِ مُسْتَجْمِعَاً نَفْسَهُ لِتَقْبيل ِكَفَّيّكَ لا كي يَشُدَّكْ عَلى وَقْفَةٍ قَزَّمَتْ قَاتِلِيك لهَا اللهُ سُبْحَانَهُ قدْ أعَدَّكْ قَرَأتَ الشَهَادَة َمُسْتَبْسِلاً فَمَاتُوا جَميعَاً وَقدْ عِشْتَ وَحْدَكْ * * * تَوَزَّعْتَ فِينَا وَلَكِنَّنَا فَقَدْنَاكَ مَنْ ذا يَسدُّ مَسَدَّكْ تَوَزَّعتَ فِينَا فَمَنْ يَسْتَطِيع وَأنْتَ الدَمُ المُلْتَظِي أنْ يَعُدَّكْ أيَا بَابَ أرْوَاحِنَا لِلْفِدَاء لآخِر ِشَهْقَاتِنَا لَنْ نَسُدَّكْ غَفَونَا بأجْفَانِكَ السَّاهِدَات كَعَادَتِنَا لَمْ نُقَاسِمْكَ سُهْدَكْ تُدفِّئُنَا حَانِيَاً مُشْفِقَاً وَدُودَاً ، وَمُلْتَحِفَاً كُنْتَ بَرْدَكْ ثَلاثِينَ عَامَاً حَمَلتَ العِرَاق بعَينيِّكَ صَقْرَاً وَأعْلَيتَ سَدَّكْ تَقِيْسُ بِكَفَّيكَ أجْسَادَنا كَبرْنا وَصِرنا عَلى الأرْض ِأ ُسْدَكْ وَحِيْنَ اسْتَقَامَتْ قِيَامَاتُهَا وَدَاسَ الذي دَاسَ في الأرْض ِحَدَّكْ نَظَرْنَا إليِّكَ !! كَأنْ لَمْ نَكُنْ بِيَوْم ٍسُيُوفَ يَديِّكَ وَجُنْدَكْ! تَرَكْنَاكَ !.. لكِنَّنا صَارخُون أيَا جَبَلاً فَأسُهُمْ لنْ يَهُدَّكْ وَمَا نَفْعُ صَرْخَاتِنَا إنَّهَا لأعْجَزُ مِن أنْ تُكَسِّرَ قَيْدَكْ فََنَسْألُكَ العُذرَ فاقْبَلْ دِمَاه وَنَخْجَلُ كَيْفَ سَنَسْمَعُ رَدَّكْ أَيَا بَحْرُ إنَّا خَبِرنا لظَاك وَنعْرفُ جَزْرَكَ نَعْرفُ مَدَّكْ وَأنَّ العَظِيْمَ عَظِيمٌ أسَاه فَصَبْرَاً، وَعَدتَ وَأوْفَيتَ وَعْدَكْ فَلَمْ يَجِدُوا أيَّ نِدٍّ إليك سِوَى المَوْتِ نِدَّاً وَأعْجَزتَ نِدَّكْ مَشَيْتَ لَهُ صَافِعَاً شَانِقِيك ضَحكتَ .... فَأبكِيتَهُمْ مَا أشَدَّكْ لَقَدْ كُنتَ صَقْرَاً وَكَانُوا الطرَائِدَ فِيهَا ، فَصِدتَ وَلمْ تُحْص ِصَيدَكْ وَأيُ مَصَدَّاتِهِمْ تَتقِيك وَهَلْ يَسْتَطِيعُ القَطا أن يَصدَّكْ فَيَا أيّها السيفُ مَا ضَرَّ مثْلكَ سَيْفاً إذا كَانتِ الأرضُ غمْدَكْ * * * سَلامٌ عَليكَ فَليْسَ الزَّمَان زَمَانَكَ وَالبِئْرُ ذا لَيْسَ وُرْدَكْ لَقَدْ كُنْتَ ضَوءً وَكَانَ الزَّمَان دَجِيِّاً يُحَاولُ أنْ يَسْتَمِدَّكْ أعَادَكَ ثَانِيَة ًلِلْسَّمَاء مُضَاءً وَأحْضَانُهَا صِرْنَ مَهْدَكْ سَتَأتِي وَلا بُدَّ يَوْمَاً سَتَأتِي لِهَذا تَحَملَتِ الأرْضُ بُعْدَكْ تَسِيْلُ مُرُوءَاتُهَا الهَادِرَات دِمَاءً سَتُعْلِي عَلى الأرْض ِمَجْدَكْ وَحَقِّكَ لَنْ يَهْدَأ َالثَائِرُون إذا لَمْ يَكُونوا لَظَاكَ وَزَنْدَكْ وَعِنْدَئِذٍ سَوْفَ تُحْنى الرُؤوس وَتَأتِي مُطَأطَأة َالهَام ِعِنْدَكْ وَأمَّا عَن النَّاس ِفَلْتَطمَئِن فَفِي كُلِّ قَلْبٍ سَيَبنُونَ لَحْدَكْ من قصيدة [حراس وادي الليل]: مذ صار صمتي واحة الهمس أسميت قلبي طائر الأنس ودعته في يوم نزهته وظننت خيراً في بني جنسي ما كنت أدري أنهم نصبوا مليون مشنقة رنت طمسي وبأنهم ضد الطيور متى نقرت جدار الصمت بالهمس وبأن آلافاً مؤلفة صاروا شياطيناً من الإنس يا طائراً أغالوه في جسدي قلبي بلا ريش ولا رأس كسروا جناحيه وبادره حراس وادي الليل بالرفس هتكوه ما أقسى غرائزهم مشحونة بالحقد والرجس ولربما دفنوه في نفق ولربما شنقوه في كرسي أو ربما من كهف رغبتهم خرجت وحوش العمي والخرس ويمزقون الروح في جسد ويزاولون القلع للغرس مذ حاصروا الألباب في نفق لم يطلعوا منه إلى الشمس الكل في عهد الحياة له بصماته السوداء في النفس [ص45-49]. عن:(poetasdelmundo).