سنين المريض العجاف يقضيها متنقلا بين المستشفيات والصيدليات الخاصة منها والعامة ينكوي بنيران الأولى ويموت ألف مرة لشراء الوصفات الطبية الأخرى، روشتة الأدوية التي تكسر الظهر وتسلب المسلوب ما لا يملك، فيتحمل المريض على كاهله عب آخر إلى جانب الأعباء المعيشية المعتادة. ترى بؤساً وألماً مكثفاً متقنطراً على وجهة المريض ، بؤساً لا يمكن إخفاؤه أو احتماله لدرجة أنك تيقن في نفسك أنه لو قسّمنا هذا الحزن والبؤس على كل مشردي العالم لوسع لهم وفاض. لازلت بذاكرتي تلك العبارة التي قالها لي احد المرضي حينما كنت اعمل بإحدى الصيدليات بعد قدومه من المستشفي وبيده "ربل" بلاستيكي (يستخدم لربط الفلوس ) يلفه يمينا وشمالا إشارة منه لي أن المبلغ الذي كان بحوزته قد تم صرفة كاملا ولم يبق له سواه، وأول ما عتبت قدماه باب الصيدلية قال: (لقد دخلنا المجزرة)! نعم مجزرة تسلخ فيها جيوب المرضى وتكوى جلودهم بنار الأسعار المتصاعدة. فبعد أن تعالت الأصوات وشكواي المرضي مناديا بوضع حدا للأسعار، وبعد سبات طويل قررت وزارة الصحة ممثلة بالهيئة العليا للأدوية تطبيق إستراتيجية تسعيرة الدواء و طبعة على الغلاف الخارجي شفقة منها للمستهلك. وللعلم فأي صنف دوائي (رسمي) مستورد يتم تسجيله في الهيئة العلياء للأدوية بموجب مستندات إثبات من قبل الدول المصنعة للأصناف المراد استيرادها ، منها شهادة المنشاة وشهادة الجودة ومعاملات أخرى كفحص المواد والفعالية ، وهذا يتطلب وقت وجهد ووساطة لا يجيدها إلا أولي العلم في المجال. من ضمن المتطلبات الأساسية لتسجيل الصنف أيضا معرفة سعره ليتم إثباته في سجلات الهيئة العليا للأدوية وعلى هذا الأساس تصدر فاتورة بالكميات المراد استيرادها من قبل الوكيل في اليمن متضمنا السعر المحفوظ سابقا في أرشيف الهيئة لكي يتم الإفراج والتخليص الجمركي عن البضاعة بواسطة هذه الفاتورة المعمدة من قبل الهيئة بالسعر المقيد لديها حيث لا يستطيع الوكيل (المستورد) أو المصنع (المصدر) تغيير السعر. لكن الهيئة العلياء أطلقت العنان لشركات الأدوية والمستوردين للبيع بالسعر الحر والذي يناسب تلك الشركات التجارية الذي همها الأول والأخير الربح الكبير فتصل نسبة الربح في اغلب الأصناف إلى 300% من نسبة السعر الأصلي. بدأت الهيئة العليا للأدوية بتنفيذ إستراتيجية التسعيرة ، حيث نصت المادة الأساسية للإستراتيجية على إعطاء الشركات التجارية (المستوردين) نسبة 40 % وإعطاء الصيدلي 20% من نسبة السعر الأصلي المقيد في سجلات الهيئة أي إضافة فقط نسبة 60% إلى السعر الأصلي (الصنف الذي يستورد بسعر 100 ريال مثلا يصل إلى يد المستهلك بسعر 160 ريال وفي أي مكان في الجمهورية).
من هنا بدأ جبابرة مستوردي الأدوية بتكشير أنيابهم رافضين هذا القرار الذي يرون فيه تقليص معدل ربحهم بفارق كبير، شركات الأدوية ضغطت على الهيئة العليا لوضع حلول مناسبة للسياسية الدوائية الجديدة. بسطت الشركات (المستوردين) هيمنتها على الهيئة العليا للأدوية فكما هو حالها حال باقي المؤسسات الحكومية الذي بدا موقفها ضعيف الى درجة أنها لا تستطيع ان تصمد أمام الغدق المالي الممنوح لهم من قبل أصحاب تلك المشاريع التجارية (النقدي والآخر في وجبات الغداء السخية في مطاعم الشيبانى) الذي أصبحت كالعادة لدى موظفي الهيئة، فتم التلاعب في الأسعار المقيدة فرفعت الأسعار بالزيادة ( في السجلات الرسمية للهيئة ) الذي يردها المستورد بحيث يضمن لنفسه نسبة الربح الذي يراها مناسبة له، وأصبحت الإستراتيجية مجرد شكلية ليس إلا. رافق هذه القرارات الشكلية جلسات وأعمال واجتماعات وصرف مكافآت وإضافي عمل للإدارات المعنية بتغيير السعر حيث حملت الوزارة دفعات مالية (إضافي عمل) بدون أي مقابل يذكر وإنما رفعت الأسعار في سجلات الهيئة لكى يصبح الجلد بلسعات الأسعار رسميا ومعتمدا. طبع السعر نفسه على بعض الأغلفة الخارجية للدواء ( في المصنع ) ولكن بزيادة تصل الى 20% مقارنة بالسعر السابق ( قبل الطبع ) وهذه هدية الهيئة للمريض الذي يعاني الكثير بسبب الفلتان المتعمد من قبلها بصفتها الجهة المسئولة عن ذالك.
لم تكتفِ الشركات بهذا فحسب بل تم لصق سعر مغاير للسعر المطبوع من قبل المصدر(في المصنع) على الغلاف للأصناف بزيادة تصل إلى 15% بعد ان تم استيرادها بنفس السعر المطبوع المتلاعب به من قبل المستورد بموافقة الهيئة . كل ما أنف ذكره من ارتفاع في سعر الدواء فهو بسبب التسعيرة الموقرة أما ما يتعلق بارتفاع سعر الصرف بالنسبة للدولار فهو معادلة أخرى تطلب الحل من المواطن لأن الحكومة تعرف التطبيق ولا شيء غير التطبيق في ارتفاع الأسعار وعلى المواطن التلقي. لك الله ولنا أيها المريض .... اما مؤسساتنا الحكومية فهي تغمض عينيها عن هذا ولا تفتحهما الا لمن يدغدغ جيوبها ويمطرها بكرم سخي ,,,,,, [email protected]