مما يدمي القلب ويحزن الفؤاد أن ترى الصحف والمواقع الالكترونية تمتلئ صفحاتها بالغث والسمين ومما هو مكذوب وما هو مليء بإثارة الفتنة في المجتمع وزيادة الشحناء بين أبناء المجتمع الواحد وبين أبناء الملة الواحدة، وهذا بكل تأكيد له أسباب ودوافع، وله أثار سلبية كبيرة وخطيرة...، ولكن ما هو الحل وبيد من الحل؟ لعل بعض الكتاب قد ناقش هذه القضية ولكن لا ما نع من التذكير والتنبيه، لعلنا نلتمس طريق الرشاد بإذن الله.. ما أسباب امتلاء الصفحات بما هو هدام وغير بناء؟؟ إن أهم هذه الأسباب هو الحزبية والتعصب لفكرة ما، فالمتعصب لا يرى إلا حزبه ولا يؤمن إلا بما يراه حزبه من أفكار، وأن كل من حوله باطل وكل البشرية على ضلال، وأنه هو المنقذ من هذا الضلال،قال تعالى: " كل حزبٍ بما لديهمْ فرحون" –صدق الله العظيم... أما السبب الثاني: هو حب الظهور والانتصار للنفس ولو كان بالكذب وتغير الحقائق، وهذا بالطبع هوى في النفس غير السليمة، يعاني منه الكثير من الكتاب، فهو لا يقبل أن ينتقده احد أو يعدله احد، فله بالغ الكمال.. والسبب الثالث: الجهل بعواقب الكذب وما يمكن أن يجره على المجتمع والناس، فإن من يكذب على شخص سيكون ذنبه بقدر ما يسبب لهذا الشخص من أضرار كاتخاذ قرار خاطئ مثلاً أو اتخاذ موقف من شخص أو تغير قناعة ما أو معتقد، أما من يكذب في صحيفة أو من منبر إعلامي فهو أولاً قد وثق كذبته بيده لتكون شاهدة عليه يوم القيامة، وأما ذنبه فسيكون بقدر ما سبب لجمهوره من أضرار ومن ضلال، وهنا أذكر بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله فليقل خيرا أو ليصمت". أما السبب الرابع: فهو الفراغ القاتل الذي يعاني منه المجتمع، فكثير من الناس ليس لهم هم إلا الكلام والانتقاد، أما إذا رأيتَ منجزاته وأعماله فهي لا تذكر، يقضي الكثير من الناس الساعات الطوال في المجالس يحللون وينتقدون وكأنهم كلهم علماء وحكماء ينظرون لمجتمعاتهم ثم بعد ذلك يقوم البعض بنقل ما سمعه في المجالس إلى الصحف وكأنها حقائق مسلم بها، وهو ينسى أو يتناسى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع". والسبب الخامس هو سهولة الانتقاد، فمن السهل على الإنسان ملاحظة عيوب الآخرين والتحدث عنها أو الكتابة عنها، الم يسمع هذا المنتقد المثل القائل: " من لا يعمل لا يخطىء" فالخطأ سجية بشرية ملازمة لمن يعمل، أما من ليس لها إلا هم الانتقاد ولا يعمل فأخطاؤه منعدمة، فمثلاً من يتهم المجتمع كله بالفساد فإنه لم يأتِ بشيء جديد، فكأنه يقول لا يوجد جسم سليم من الأمراض وهذا شيء طبيعي، ولكن الذي يشخص الداء ويصف الدواء ويبدأ بنفسه لكي يكون قدوة للمجتمع هو الذي يستحق التقدير.. ومن أهم الأسباب- وهو موجود في المجتمع العربي بكثرة- النفاق الاجتماعي أو نفاق المتنفذين لكي يحصل صاحب المقالة على ترقية أو علاوة أو منصب سياسي أو حتى مكافأة مالية، والسبب الأخير -الذي أود ذكره هنا- هو أن هناك من يبحث عن المثالية في الأرض وهذا شيء محال، فهو يرى كل من حوله مقصر أو مخطئ وغير مستقيم وهذا بالطبع أمر طبيعي في الحياة. فلو نظرت معي أيها القارئ العزيز والقارئة العزيزة إلى مجتمع خير الناس بعد الأنبياء ، جيل الصحابة رضوان الله عليهم، لوجدت فيهم من زنى ومنهم من سرق ومنهم من أخطأ في حق الرسول صلى الله عليه وسلم كالترويج لحادثة الإفك أو الذين اتهموه صلى الله عليه وسلم بعدم العدل في توزيع الغنائم...، وهذا اكبر دليل على ان الحياة لا يمكن أن تكون مثالية، والصحابة، الجيل الفريد، هم بشر ولكن(( رضي الله عنهم ورضوا عنه))... هذه بعض أسباب المشكلة ولعل القارئ الكريم والقارئة الفاضلة يمكنهم ان يسردوا أسباب أخرى، ولكن ما أرد ت قوله هو أن على الكتاب والصحفيين الأجلاء الفضلاء أن يكونوا ايجابيين نافعين، ولا مانع من النقد البناء الذي ينفع أكثر مما يضر، فالكل ينشد التنمية والتقدم لبلده ومجتمعه... كانت هذه هي الأسباب، فما هي الآثار السلبية التي يمكن أن تنتج من مقالة صحفية مليئة بالمعلومات الخاطئة أو معلومات غير دقيقه أو فيها مكايدات سياسية وتزوير للحقائق، فإن النتائج وخيمة وكارثية على المجتمع برمته وعلى الأفراد وعلى الأمة بمجملها، وخاصة أن الناس ينبهرون بأسماء المشهورين من الكتاب، حتى انه إذا عبر عن رأيه اعتبروه وكأنه قرآن منزل.. فأخطر هذه الآثار هو اتخاذ القرارات الخاطئة بناء على ما ورد من معلومات خاطئة، وهذا قد يضر بمصلحة الأمة والبلد بكامله... الضرر الثاني: هو تغيير الحقائق وإلباس الحق بالباطل، وهذا بالطبع قد يغير مفاهيم وقناعات الناس وبالتالي قد يغير معتقدات من ليس له علم وهذا من باب فتنة للناس في دينهم...، فماذا سيجني الكاتب او الصحفي لو أن مجموعة من الناس صدقوه بما هو غير موافق لشرع الله أو بما هو مخالف لنهج النبوة؟؟؟ فلا شك أن عليه وزره ووزر من تبعه من الناس.. أما الضرر الثالث فيكمن في إثارة الشحناء والفتن والاختلاف بين أبناء الأمة الواحدة، وهذه هي الحالقة التي تحلق الدين، فترى جماعة تذم وتلعن جماعة أخرى وحزب يشتم ويعيب حزب أخر ومسئول يذم مسئول، والسبب قد يكون وشاية واشي أو مقالة هدامة قصد منها الهدم لا البناء قصد منها التفريق لا التأليف بين الناس قصد منها التخريب لا الإصلاح بين الناس... الضرر الرابع: بث روح الانهزامية والضعف في صفوف المجتمع وهذا قد ينتج من المقالات التي تمجد الحضارات الأخرى وتعيب على مجتمعنا تقصيره في السبق الحضاري وهذا صحيح ولكن يمكن أن تكون الكتابة ايجابية إذا شحذ الكاتب أو الصحفي الهمم وحث الناس على العمل والتنافس وبذل الجهد. أما الضرر الخامس: فهو هدر أوقات الناس بشيء غير نافع واستهلاك الوقت في التراشق بالمقالات والتعليقات التي في الغالب لا تؤدي إلى فائدة بل إلى إيغار الصدور والى مزيد من الفرقة والشحناء ولو كان الهدف تلمس الحقيقة والنزول عند كلمة الحق والصدق لجنينا فوئد لا تحصى... هذه أهم الأضرار بإيجاز ولعل الموضوع يحتاج إلى دراسة موسعه.. فما هو الحل إذا لهذه المشكلة؟؟ الحل- من وجهة نظري- أن كل صحفي يكتب مقال يجب أن يضع لنفسه هدفا ساميا بناء من مقالته، ولا يكتب ليقال بارع في استخدام الألفاظ الغريبة والعبارات الرنانة... يجب أن يسأل نفسه هل هذا المقال أو الكتاب سيؤدي إلى بناء وتنمية وتأليف بين الناس ونصح وإرشاد ورفع معنويات القراء أم انه سيملئ فراغ مثله مثل تلك المقالات التي تنشر كل يوم...؟؟؟ كم قرأنا من تحليلات سياسية مثلا أثارت فينا الرعب والخوف والهلع وما حدث كان مغيرا لتلك التحليلات.. أما سمعتم قول الشاعر: السيف اصدق إنباء من الكتبِ؟؟ المقترح الثاني لحل المشكلة: أن تكون المقالات مبنية على معلومات موثقة مثل نصوص شرعية أو مبنية على دراسة علمية ثبتت دقة نتائجها أو على ما تعارف عليه الناس أنه شيء قويم ومفيد، فمثلا من ينشر خبر يجب أن ينشره بحيادية دون إضافات أو تلاعب بالألفاظ. المقترح الثالث للحل: أن يكون الكاتب ايجابيا في كتابته وان لا يكون متشائما يبث روح التشاؤم عند الناس، فالمجتمع المتفائل مجتمع يبني وينتج وسعيد والمجتمع المتشائم كل أيامه حزن وأسى فهو لا ينتج ولا يعمل بل منتظر المصائب تنزل عليه.. المقترح الرابع: أن يعرض الكاتب مقالته على من يقرأها له قبل نشرها، لعل هذا القارئ يكتشف معلومة خاطئة في المقال فيكون الكاتب قد تلافى خطأ أو أخطاء قبل النشر... المقترح الخامس: أن توجد الجهات الرسمية جهات تقنين وتحكيم للمواد المنشورة بشكل علمي وأخلاقي مهني مدروس، لأن المادة المنشورة قد تجرح هيئات وأشخاص دون دليل وقد تبث شائعات في المجتمع وقد تبث مفاهيم تربوية خاطئة في الجيل فيتصرف هذا الجيل وكان ما قرأه من المسلمات، لأن غالب الشباب العربي تعود على تصديق كل شيء، فهو لم يربَ على القراءة الناقدة والتفكير الناقد بحيث يحلل النص قبل القبول بمحتواه.. [email protected]