ضربة للانتقالي والحوثيين.. بيان من 40 دولة بشأن اليمن (الأسماء)    الرئيس العليمي يلقي خطابا هاما للشعب اليمني ويتعهد بالحزم الاقتصادي وعدم التفريط بمركز الدولة    يورو 2024: إسبانيا تفرض قوتها على كرواتيا    مشهد مهيب لحجاج بيت الله وهم ينفرون إلى مشعر مزدلفة بعد الوقوف على عرفات "فيديو"    بينهم نساء وأطفال.. وفاة وإصابة 13 مسافرا إثر حريق "باص" في سمارة إب    السعودية تعلن نجاح تصعيد عرفات وتجاوز عدد الحجاج أكثر من 1.8 مليونا    كبش العيد والغلاء وجحيم الانقلاب ينغصون حياة اليمنيين في عيد الأضحى    العميد المحثوثي يهنئ وزير الداخلية ومحافظ عدن بحلول عيد الأضحى المبارك    انهيار اسعار المواشي وتراجع في الشراء في اليمن عدا مأرب وحضرموت وصعدة وريف صنعاء    - 9مسالخ لذبح الاضاحي خوفا من الغش فلماذا لايجبر الجزارين للذبح فيها بعد 14عاماتوقف    السعودية تستضيف ذوي الشهداء والمصابين من القوات المسلحة اليمنية لأداء فريضة الحج    سلطة تعز: طريق عصيفرة-الستين مفتوحة من جانبنا وندعو المليشيا لفتحها    دعوة خامنئي ل''حج البراءة".. قراءة في الدوافع والتوقيت والمآل    بينها نسخة من القرآن الكريم من عهد عثمان بن عفان كانت في صنعاء.. بيع آثار يمنية في الخارج    ياسين نعمان وحزبه ينظرون للجنوبيين ك "قطيع من الحمير للركوب"    خوفا من تكرار فشل غزة... الحرب على حزب الله.. لماذا على إسرائيل «التفكير مرتين»؟    السعر الجديد للعملات الأجنبية مقابل الريال اليمني بعد الوديعة السعودية للبنك المركزي    اشتباكات مسلحة في شبوة وإصابة مواطنين    مأساة ''أم معتز'' في نقطة الحوبان بتعز    انقطاع الكهرباء عن مخيمات الحجاج اليمنيين في المشاعر المقدسة.. وشكوى عاجلة للديوان الملكي السعودي    مظاهر الكساد تهيمن على أسواق صنعاء    وضع كارثي مع حلول العيد    أربعة أسباب رئيسية لإنهيار الريال اليمني    ألمانيا تُعلن عن نواياها مبكراً بفوز ساحق على اسكتلندا 5-1    لماذا سكتت الشرعية في عدن عن بقاء كل المؤسسات الإيرادية في صنعاء لمصلحة الحوثي    دعاء النبي يوم عرفة..تعرف عليه    الحوثي والإخوان.. يد واحدة في صناعة الإرهاب    قوات العمالقة الجنوبية تعلن صلح قبلي في بيحان شبوة لمدة عامين    حتمية إنهيار أي وحدة لم تقم على العدل عاجلا أم آجلا هارون    شبوة تستقبل شحنة طبية صينية لدعم القطاع الصحي في المحافظة    هل تُساهم الأمم المتحدة في تقسيم اليمن من خلال موقفها المتخاذل تجاه الحوثيين؟    لاعبو المانيا يحققون ارقاما قياسية جديدة    يورو 2024: المانيا تضرب أسكتلندا بخماسية    "تعز في عين العاصفة : تحذيرات من انهيار وسيطرة حوثية وسط الاسترخاء العيدي"    صورة نادرة: أديب عربي كبير في خنادق اليمن!    المنتخب الوطني للناشئين في مجموعة سهلة بنهائيات كأس آسيا 2025م    فتاوى الحج .. ما حكم استخدام العطر ومزيل العرق للمحرم خلال الحج؟    أروع وأعظم قصيدة.. "يا راحلين إلى منى بقيادي.. هيجتموا يوم الرحيل فؤادي    مستحقات أعضاء لجنة التشاور والمصالحة تصل إلى 200 مليون ريال شهريا    أسرة تتفاجأ بسيول عارمة من شبكة الصرف الصحي تغمر منزلها    وزير الأوقاف يطلع رئاسة الجمهورية على كافة وسائل الرعاية للحجاج اليمنيين    نقابة الصحفيين الجنوبيين تدين إعتقال جريح الحرب المصور الصحفي صالح العبيدي    وزير الصحة يشدد على أهمية تقديم افضل الخدمات الصحية لحجاج بلادنا في المشاعر المقدسة    البعداني: نؤمن بحظودنا في التأهل إلى نهائيات آسيا للشباب    اختطاف إعلامي ومصور صحفي من قبل قوات الانتقالي في عدن بعد ضربه وتكسير كاميرته    منتخب الناشئين في المجموعة التاسعة بجانب فيتنام وقرغيزستان وميانمار    الكوليرا تجتاح محافظة حجة وخمس محافظات أخرى والمليشيا الحوثية تلتزم الصمت    ميسي يُعلن عن وجهته الأخيرة في مشواره الكروي    هل صيام يوم عرفة فرض؟ ومتى يكون مكروهًا؟    إصلاح صعدة يعزي رئيس تنفيذي الإصلاح بمحافظة عمران بوفاة والده    السمسرة والبيع لكل شيء في اليمن: 6 ألف جواز يمني ضائع؟؟    20 محافظة يمنية في مرمى الخطر و أطباء بلا حدود تطلق تحذيراتها    بكر غبش... !!!    مليشيات الحوثي تسيطر على أكبر شركتي تصنيع أدوية في اليمن    منظمة حقوقية: سيطرة المليشيا على شركات دوائية ابتزاز ونهب منظم وينذر بتداعيات كارثية    افتتاح جاليري صنعاء للفنون التشكيلية    وفاة واصابة 4 من عمال الترميم في قبة المهدي بصنعاء (الأسماء)    ما حد يبادل ابنه بجنّي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس ومسيرة الإصلاحات السياسية: 23 عاماً على التحول
نشر في نبأ نيوز يوم 08 - 11 - 2010

منذ تحول السابع من نوفمبر 1987 تحققت انجازات التحول في تونس بفضل إصلاحات رائدة لفخامة الرئيس زين العابدين بن علي، بادر بها منذ 7 نوفمبر 1987.
وقد حدّد بيان السابع من نوفمبر بوضوح ملامح مسيرة الديمقراطية في تونس وكرّس حق الشعب التونسي في "بناء حياة سياسية متطوّرة ومنظمة تعتمد على تعددية الأحزاب السياسية والتنظيمات الشعبية".
ويبيّن تحليل التجربة التونسية أن الخيار الديمقراطي ليس مجرّد هدف بل هو فلسفة سياسية أملاها دافع الواجب والمسؤولية. فالديمقراطية في فكر الرئيس زين العابدين بن علي هي أساس الاستقرار السياسي ومفتاح التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهي تقوم على التلازم بين البعدين السياسي والتنموي والرقي الاقتصادي والتكافل الاجتماعي وعلى منظومة متكاملة لحقوق الإنسان في مختلف أبعادها.
ويؤكد الرئيس بن علي أن الخيار الديمقراطي هو خيار استراتيجي لا رجعة فيه، وأنه مقرّ العزم على إرسائه على أسس ثابتة، محصنة ضد الانتكاس والتقهقر.
ويستند الخيار الديمقراطي في فكر الرئيس بن علي إلى إرث الحركة الإصلاحية التونسية التي ترجع جذورها إلى منتصف القرن التاسع عشر والتي طالبت بفرض سيادة القانون ونادت بالبرلمان وبحكومة مسؤولة أمامه.
إن الخيار الديمقراطي هو فلسفة وعقيدة. وهو ما يعكسه نجاح التحوّل في تجسيمه نصا وممارسة من خلال تهيئة مناخ جديد قوامه الانتقال من القطيعة إلى الوفاق والمصالحة الوطنية والاعتماد على منهجية في تكريس هذا الخيار تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الواقع التونسي بما مكّن من الانتقال من الأحادية إلى التعددية.
1- من القطيعة إلى الوفاق
لقد عاشت تونس فترة عصيبة قبل التحوّل تميّزت بحصول قطيعة بين السلطة ومكوّنات المجتمع المدني، إضافة إلى الصراعات بين أجنحة الحكم حول كرسي الرئاسة. ولم يسلم الحزب الاشتراكي الدستوري بدوره من هذه الصراعات مما جعل دوره يتراجع شيئا فشيئا.
وأدرك الرئيس بن علي منذ فجر التغيير أن تكريس الخيار الديمقراطي لا يمكن بناؤه على أسس ثابتة إلا بتحقيق المصالحة الوطنية وإقامة وفاق وطني يكون قاعدة صلبة للديمقراطية، فعمل على تحقيق المصالحة الوطنية وإقرار الوفاق الوطني.

أ- المصالحة الوطنية
عاشت تونس قبل تحوّل السابع من نوفمبر 1987 صراعات مختلفة الأبعاد، سياسية وإيديولوجية ونقابية أسهمت في إضعاف الجبهة الداخلية. لذلك كانت أولويات التحوّل تحقيق المصالحة الوطنية وتمتين الجبهة الداخلية. وقد حرص الرئيس بن علي منذ مطلع التغيير على طيّ صفحة الماضي والتفرّغ للبناء الديمقراطي.
وارتكزت مقاربة التحوّل في هذا المجال على ثلاث أسس: المصالحة التاريخية والمصالحة السياسية والمصالحة الاجتماعية.
وتمثلت المصالحة التاريخية في قطع الطريق أمام كل توظيف للهوية باعتبارها قاسما مشتركا بين جميع التونسيين، فأعاد بيان السابع من نوفمبر الاعتبار لهوية البلاد وشعبها.
ووضع التغيير حدا للجدل القائم حول الهوية والتاريخ. وأكد على الانتماء العربي الإسلامي لتونس والاعتزاز بتاريخ يمتد على أكثر من 3000 سنة. كما تمّ التأكيد على الانتماء الإفريقي ودور تونس العريق في محيطها المتوسطي.
وشملت المصالحة التاريخية إعادة الاعتبار للدين الإسلامي باعتباره من أبرز مقوّمات الشخصية التونسية. وأصبحت جامعة الزيتونة رمزا للفكر المستنير والخطاب الديني الذي يؤسس لترسيخ قيم الحرّية والتسامح والوسطية والاعتدال والاجتهاد، بمنأى عن جميع أشكال الانغلاق والتطرّف.
وأمّن قانون المساجد الصادر في 3 ماي 1988 حرمتها وحسم إشكالية التنازع حولها، حيث نصّ على أنها ملك للدولة التي تشرف على إدارتها وتتكفل بجميع نفقاتها، وعلى منع أي توظيف سياسي لها.
ومن شواهد الحرص على إيلاء المعالم الدينية المنزلة التي تستحق رصد اعتمادات هامة لتعهدها وصيانتها وترميمها. وقد كان من ثمار هذا الجهد أن ناهز عدد ما بني من مساجد وجوامع في تونس خلال العقدين الماضيين ما بني على أرضها منذ الفتح الإسلامي.
كما أحدثت سنة 2002 مسابقة تونس الدوليّة لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره وأحدثت كذلك جائزة سيادة رئيس الجمهورية للدراسات الإسلامية. وتم في ذات السياق إرساء " كرسي بن علي لحوار الحضارات والأديان الذي يمثل اليوم أحد المنابر التي تسهم في ترسيخ تقاليد الحوار والتفاهم بين الشعوب والحضارات، وصدر سنة 2006 "إعلان تونس من أجل التحالف بين الحضارات".
أما المصالحة السياسية فقد تمثلت بالخصوص في إخلاء السجون من سجناء الرأي وصدور العفو العام في 3 جويلية 1988 . وشملت إجراءات العفو واسترداد الحقوق وإعادة الاعتبار حوالي 20 ألف مواطن منهم من كان مهدّدا بالإعدام. وتأكدت هذه المصالحة في 6 نوفمبر 1988 عندما أعلنت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أنه لم يعد هناك سجناء رأي في تونس.
وشملت المصالحة السياسية أيضا إعادة الاعتبار لزعماء الحركة الوطنية الذين لفّهم النسيان. وكانت عودة رفات الزعيم صالح بن يوسف إلى أرض الوطن رمزا لهذه المصالحة ونهاية لصراع مرير بين مناضلي الحزب الذين تزعموا الحركة الوطنية إلا أنهم اختلفوا بعد ذلك حول اتفاقيات الاستقلال الداخلي. كما أن إحداث معهد للحركة الوطنية في بداية التحوّل جاء لينصف كل من أسهم في تحرير البلاد.
وفي سياق طيّ صفحة الماضي وتحقيق شروط المصالحة السياسية، تمّ كذلك إلغاء محكمة أمن الدولة وإلغاء خطة الوكيل العام للجمهورية. وفتح الرئيس بن علي قنوات الحوار مع أحزاب المعارضة دون شروط مسبقة باستثناء نبذ العنف والالتزام بالولاء لتونس وحدها وبالثوابت الوطنية.
وتجسّدت المصالحة الاجتماعية في ردّ الاعتبار لأغلب مكوّنات المجتمع المدني التي عانت فيما مضى الحصار والتهميش. فرفع الحظر عن منظمة الاتحاد العام لطلبة تونس وتمكن الاتحاد من عقد الدورة 18 من مؤتمره بعد تأجيل تواصل منذ سنة 1972.
كما تمثلت هذه المصالحة في حلّ الأزمة النقابية التي استفحلت في أواسط الثمانينات وباتت تهدّد الاستقرار الاجتماعي وتنذر بالانفجار. ففي 8 أفريل 1988 أعيد إدماج المطرودين من عملهم لأسباب نقابية في القطاع العمومي. وفي 18 أوت 1988 صدر عفو تشريعي عام لفائدة المحكوم عليهم على خلفية ممارسة نشاطهم النقابي. وتمكن الاتحاد العام التونسي للشغل من استعادة نشاطه وعقد النقابيون مؤتمرهم بسوسة سنة 1989.
وقد اقترنت مبادرات المصالحة الوطنية بتحقيق الوفاق الوطني الذي سيشكل القاعدة الصلبة للمصالحة.

ب – الوفاق الوطني
حرصا على ترسيخ المصالحة الوطنية وتأسيس حياة سياسية ديمقراطية متطوّرة كان لا بدّ من تحديد ضوابط العمل السياسي والنشاط الجمعياتي وشروطها والاتفاق على القواسم المشتركة بين مختلف مكونات المجتمع السياسي والمجتمع المدني لتفادي الهزات والانزلاق إلى الفوضى.
وقد جعل الرئيس بن علي من الوفاق الوطني أداة لضمان استمرارية الديمقراطية وإطارا لتعبئة الجهود وتشريك الجميع في المجهود التنموي الوطني وتأمين استقلال البلاد وسلامتها.
وقد تضمّن بيان السابع من نوفمبر المبادئ والتوجهات التي كان يتوق إليها المجتمع التونسي. فقد حرص الرئيس زين العابدين بن علي على إصدار ميثاق وطني تسهم في صياغته كل الاتجاهات والتيارات الفكرية والقوى السياسية والاجتماعية ومكوّنات المجتمع المدني. وقد تمّ توقيع هذا الميثاق رسميا في الذكرى الأولى للتغيير من قبل 7 أحزاب سياسية و15 منظمة مهنية ومدنية ليكون مرجعا للعمل السياسي والمجتمع المدني.
وتضمن الميثاق أربعة محاور تعلّقت بالهوية العربية والإسلامية ومتطلبات تأصيلها وبمقوّمات النظام السياسي وأسس التعامل الديمقراطي وبمنوال التنمية وقواعد الحوار الاجتماعي والتضامن الوطني وبثوابت سياسة تونس الخارجية.
ويعتبر الميثاق الوطني أول عمل وفاقي بين مكوّنات المجتمع السياسي والمجتمع المدني في تاريخ تونس. وقد ساعد على التقدّم بالبلاد في المسار التعددي الديمقراطي من خلال إقراره جملة من المبادئ، تتمثل فيما يلي :
- التقيّد بإرادة الشعب المعبّر عنها في الانتخابات، حيث تكون للأغلبية مشروعية اضطلاعها بمسؤوليات الحكم،
- التسليم بالحق في الاختلاف واحترام الرأي المخالف وحماية حقوق الأقلية،
- اعتماد التسامح كمبدأ للتعامل بين التونسيين ونبذ كلّ مظاهر التطرّف والعنف،
- اعتبار أن من مهام الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية والمهنية تهذيب السلوك السياسي للمواطنين ورفع درجة الوعي لديهم بقضايا الحاضر ومقتضيات المستقبل.
وجاء الميثاق الوطني للشباب الذي توّج الحوار الوطني الشامل على امتداد سنة 2008 ليمثل ميثاقا وفاقيا بين شباب تونس يستحضر الثوابت والخيارات الوطنية الكبرى ويبرز مقومات هويتنا وقيمنا الحضارية ويتضمن رؤى الشباب لتونس وتصوّراته لمستقبلها.
واقترنت المصالحة الوطنية وتحقيق الوفاق الوطني باعتماد منهجية لتكريس الخيار الديمقراطي تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الواقع التونسي والتدرّج في الإصلاح.
2- منهجية تكريس الخيار الديمقراطي
اعتمدت تونس التغيير في تكريس الخيار الديمقراطي منهجية تقوم على شمولية الإصلاح أي التلازم بين التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وأسلوب التدرّج في الإصلاح واعتماد الاستشارة كرافد من روافد الحكم، لتفادي انتكاسة تجربتها الديمقراطية الناشئة والتي تسير بخطى ثابتة وواثقة.

أ- التلازم بين التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية
اعتمد تكريس النهج الديمقراطي في ظل التغيير مقاربة تقوم على التلازم بين مساري التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. فلا ديمقراطية بدون تنمية ولا تنمية بدون ديمقراطية وكلاهما يزدهران في كنف الأمن والاستقرار. لذا اقترنت التنمية السياسية بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتدلّ على ذلك عدة مؤشرات: تحقيق نسبة نموّ ب 5% سنويا وارتفاع الدخل الفردي من 960 إلى أكثر من 5000 دينار تونسي سنة 2009 وتهدف الخطة الخماسية الثانية عشرة للتنمية 2010-2014 إلى الارتقاء بالدخل الفردي إلى حوالي 8300 دينارا في موفى الخطة، والنزول بنسبة الفقر إلى 3,8 % واتساع الطبقة الوسطى إلى حوالي 80 % من مجموع السكان.
وبالتوازي مع هذه الإنجازات، وبحرص شخصي من الرئيس بن علي، تم اعتماد عدّة آليات لتوسيع المشاركة في الشأن العام من خلال الاستشارات الوطنية والشبابية والمهنية والقطاعية الموسعة وتكريس التعددية الحزبية وإرساء الديمقراطية المحلية وتفعيل دور المرأة في الحياة السياسية والعامة وترسيخ المجتمع المدني وضمان حقوق الإنسان وإرساء دولة القانون والارتقاء بالمشهد الإعلامي.
ويفسّر نجاح التلازم بين المسارين السياسي والاقتصادي والاجتماعي باعتماد أسلوب التدرّج في الإصلاح.

ب التدرّج في الإصلاح واستشراف المستقبل
كرّس تحول السابع من نوفمبر التدرّج في الإصلاحات الدستورية والسياسية، حيث تهيئ كل مرحلة للمرحلة التي تليها وتعمّق النهج الديمقراطي الذي راعت فيه القيادة السياسية خصوصيات المجتمع التونسي، بمنأى عن الضغوط والإملاءات الخارجية والنماذج الجاهزة.
ويبرز التمشي التونسي في مختلف الإصلاحات السياسية التي عمقت المسار الديمقراطي. وقد أثبت هذا المنهج جدواه، إذ جنّب البلاد الانزلاق في المتاهات السياسية التي عاشتها عديد الدول التي حاولت بين عشية وضحاها أن تنتقل من مرحلة هيمنة الحزب الواحد إلى التعددية فسقطت في الفوضى الحزبية.
والإصلاح في تونس مسار متواصل يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل مرحلة وواقع الشعب التونسي، لذلك تمّ تطوير التشريعات وفقا لتطوّر المجتمع.
كما اقترن اعتماد التدرّج في تكريس الخيار الديمقراطي باستشراف المستقبل والاستعداد له لأن التدرّج في الإصلاح يندرج في إطار الإعداد للمستقبل. ويبرز ذلك بالخصوص في التعديل الجوهري الذي أدخل على الدستور في 1 جوان 2002 الذي أسس لجمهورية الغد والذي جاءت أحكامه معززة لحقوق الإنسان في شموليتها وكونيتها لتعطي للدستور التونسي أبعادا تتجاوز الحاضر إلى المستقبل.
ولما كانت فلسفة الحكم عند الرئيس بن علي تقوم على تشريك مختلف مكوّنات المجتمع في بلورة التصوّرات والخيارات الكبرى تجنّبا للإصلاحات البيروقراطية والفوقية، اعتمد منهج الاستشارة في تكريس الخيار الديمقراطي.

ج – اعتماد الاستشارة كرافد من روافد الحكم
عملت القيادة السياسية على الاستئناس بآراء مختلف مكوّنات المجتمع المدني من أحزاب سياسية ومنظمات وجمعيات فاعلة وكفاءات وأساتذة جامعيين من خلال تنظيم استشارات وطنية حول أهم الملفات مثل التشغيل ومدرسة الغد وترشيد استهلاك الطاقة والتكوين المهني والتجارة والتنمية المحلية وإصلاح الوظيفة العمومية والإنتاجية وغيرها. وهكذا أصبحت الاستشارة رافدا من روافد الحكم حتى لا تكون الإصلاحات فوقية وخرجت صناعة القرار من الإطار البيروقراطي إلى إطار المشاركة الجماعية.
وتبرز أهمية الاستشارة كمنهج من مناهج الحكم خاصة بمناسبة إعداد مخططات التنمية الاقتصادية التي تحدّد الخيارات الوطنية لخمس سنوات والتي يشارك في بلورة تصوّراتها وإعدادها مختلف مكوّنات المجتمع والكفاءات الوطنية والجامعيين.
وتضطلع المجالس الاستشارية العليا بدور هام في بلورة السياسات وصياغة المقترحات. ويوجد اليوم 13 مجلسا استشاريا برئاسة الوزير الأول، وهي تضم الوزراء المعنيين وممثلين عن المنظمات الوطنية والجمعيات والكفاءات.
وتعزيزا لمبدأ الاستشارة، أتى قرار رئيس الجمهورية في الذكرى العشرين للتحوّل المتعلق بمراجعة النصوص المنظمة للمجالس العليا الاستشارية لتمكين الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس النواب من عضوية كافة هذه المجالس بما يعزز سنّة التشاور وتبادل الآراء والأفكار بخصوص سير مختلف القطاعات وإثرائها.
وهكذا يتجلى سعي السلطة السياسية إلى تشريك مختلف مكوّنات المجتمع المدني في تقييم السياسات وبلورة الإستراتيجيات وهو مظهر من مظاهر ديمقراطية المشاركة التي تميّز النظام السياسي في تونس. وقد مكّن هذا المنهج في تكريس الديمقراطية من الانتقال من الأحادية إلى التعددية بتدرّج وثبات.
3- الانتقال من الأحادية إلى التعددية
لم تكن عملية تجسيم الخيار الديمقراطي يسيرة. فتجربة الحزب الواحد على امتداد أكثر من 30 سنة ودخول حركة سياسية متطرّفة (حركة "النهضة" المحظورة) تتخفى وراء خطاب ديني مضلّل حلبة الصراع السياسي وتشرذم حركات اليسار وضعف أحزاب المعارضة كانت تتطلب انتهاج إستراتيجية محكمة تحقق الانتقال الآمن من الأحادية إلى التعددية.
وقد أدرك التحوّل أن تكريس الديمقراطية يتطلب أولا وبالذات إعادة بناء الحزب الاشتراكي الدستوري والبدء في تكريس الديمقراطية صلبه. وأقرّ اجتماع اللجنة المركزية للحزب يومي 27 و28 فيفري 1988، تغيير تسمية الحزب الاشتراكي الدستوري إلى التجمّع الدستوري الديمقراطي مؤتمرا قبل المؤتمر.
وجاء مؤتمر الإنقاذ سنة 1989 ليكون بالفعل المؤتمر المؤسس للتجمع دون قطيعة مع الماضي. وطوّر الحزب خطابه من تمجيد التاريخ إلى خطاب عصري، عناوينه الرئيسية الديمقراطية وضمان وحقوق الإنسان وتكريس المجتمع المدني ودولة القانون والمؤسسات قولا وممارسة.
ومكّن تشريك النخب في الهياكل القاعدية للحزب الجديد في السنوات الأولى للتغيير من كسر القطيعة مع النخب والأوساط الأكاديمية. وقد نجح الرئيس بن علي رغم تشكيك البعض في قدرة الحزب على مواكبة التغيير، ودعوة البعض الآخر إلى إحداث حزب جديد، في إعادة بناء التجمّع على قواعد صلبة مكنته من أن يكون المؤتمن على المسار الديمقراطي والإصلاح ومسيرة التغيير والبناء والتطوير.
كما أدرك الرئيس بن علي أن بناء الديمقراطية لا يتم إلا بالأحزاب والتنظيمات الاجتماعية التي تؤمن بمبادئ الديمقراطية. لذلك جاء القانون المنظم للأحزاب السياسية الصادر في 3 ماي 1988 ليحجر تكوين أي حزب سياسي على أساس الدين أو اللغة أو الجنس أو الجهة. وهكذا أرست تونس الديمقراطية بعيدا عن مخاطر الأصولية.
وقد استفاد الرئيس بن علي من فشل التجارب السابقة في تكريس التعددية والديمقراطية في بداية الاستقلال والانتخابات التشريعية السابقة لأوانها التي جرت في 1 نوفمبر 1981، فاعتمد في إرساء الخيار الديمقراطي على أسلوب التدرّج، ورفض كل تقليد وكل تغيير شكلي، في إطار نظرة استشرافية بعيدة عن الاعتبارات الحزبية الضيقة.
وبفضل هذه المقاربة تمكنت تونس من الانتقال من الأحادية إلى التعددية. وتجسّم ذلك بالخصوص في توسيع المشاركة السياسية وتكريس التعددية في المجالس المنتخبة وتنويع التمثيل وتفعيل مشاركة المرأة في الحياة السياسية وحيوية المجتمع المدني.

أ- توسيع المشاركة السياسية
حرص التحوّل على دعم الديمقراطية من خلال توسيع المشاركة السياسية التي اتخذت عديد المظاهر، أبرزها:
التخفيض في سنّ الانتخاب من 20 إلى 18 سنة: إن التخفيض في سن الانتخاب جعل التشريع التونسي مواكبا لتشريعات الدول الديمقراطية التي خفّضت سن الانتخاب إلى 18 سنة على غرار فرنسا وبريطانيا.
تشريك الجالية المقيمة بالخارج في الانتخابات الرئاسية والاستفتاء : يتجاوز عدد أفراد الجالية التونسية في الخارج المليون شخص وهو ما يمثل حوالي عشر المجموع العام للتونسيين. وقبل تحوّل السابع من نوفمبر 1987 لم يكن لأفراد هذه الجالية الحق في الانتخاب رغم أنهم يتمتعون بحقوق المواطنة كاملة وتتوفر فيهم شروط الانتخاب. وتجسيما للعناية التي يوليها الرئيس بن علي للجالية التونسية في الخارج، مكّن تعديل المجلة الانتخابية في 29 ديسمبر 1988 أبناء الجالية التونسية المقيمة في الخارج من المشاركة في الانتخابات الرئاسية وفي الاستفتاء.

ب تكريس التعددية في المجالس المنتخبة
لقد أدرك الرئيس بن علي مبكّرا أن تجسيم الخيار الديمقراطي يتطلب إدخال إصلاحات عميقة على المجلة الانتخابية بما يعزّز الشفافية ويضمن مصداقية الانتخابات. وتجسيما لذلك، تتالت التعديلات التي أدخلت على المجلة الانتخابية وآخرها تعديل 13 أفريل 2009. وقد مكنت هذه التعديلات من ضمان شفافية العملية الانتخابية واعتماد نظام اقتراع جديد يمزج بين النسبية والأغلبية وهو ما مكّن من دخول المعارضة إلى المجالس المنتخبة والقطع مع هيمنة الحزب الواحد.
1. ضمان شفافية العملية الانتخابية
سمحت التعديلات المتتالية التي أدخلها المشرّع على المجلة الانتخابية بتعزيز شفافية العملية الانتخابية ومصداقيتها، خاصة من خلال اعتماد الإجراءات التالية:
- التسجيل الدائم في القائمات الانتخابية : مكّن تعديل المجلة الانتخابية في 4 أوت 2003 من تعويض نظام التسجيل السنوي المرتبط بآجال محدودة بنظام التسجيل الدائم الذي يسمح لكل مواطن من تسجيل اسمه بالقائمات الانتخابية طيلة فترات السنة.
- التقليص في عدد مكاتب التصويت وحيادها : استجابة لرغبة المعارضة في مراقبة مكاتب التصويت تم التقليص في عدد مكاتب التصويت وذلك بالترفيع في العدد الأدنى للناخبين المسجلين في المكتب الانتخابي الواحد. كما أقر تعديل المجلة الانتخابية في 13 أفريل 2009 الترفيع في عدد المسجلين في المكتب الواحد من 450 إلى 600 ناخبا.
- حياد هيئات مكاتب التصويت : نصّ تعديل المجلة الانتخابية بتاريخ 4 أوت 2003 على أنه يحجّر على أعضاء مكتب الاقتراع حمل شارات تدلّ على الانتماء السياسي.
- ضمانات شفافية عملية التصويت: ضمانا لشفافية عملية التصويت تم تحجير الانتخاب بالوكالة والتنصيص على إجبارية الدخول إلى الخلوة حتى يتمكن الناخب من الإدلاء بصوته في كنف السرية وبعيدا عن أي ضغوط من أعضاء مكتب الاقتراع. كما تمّ تيسير شروط اعتماد الملاحظين في مكاتب التصويت بغرض تمكين أحزاب المعارضة من مراقبة مكاتب التصويت. وتم تحييد مؤسسة الإذاعة والتلفزة الوطنية في تسجيل الحصص التلفزية والإذاعية وذلك بإسناد هذه المهمة إلى رئيس المجلس الأعلى للاتصال.
- رقابة العملية الانتخابية: أوكل تعديل الدستور في غرة جوان 2002 مهمة الرقابة على الانتخابات التشريعية والرئاسية إلى المجلس الدستوري، بعد أن كان مجلس النواب يشرف عليها. كما تمّ إحداث مرصد وطني للانتخابات منذ سنة 1999 مكوّن من شخصيات مستقلة يتولى رفع تقرير في الغرض إلى رئيس الجمهورية.
2. إقرار نظام اقتراع مزدوج يمزج بين الأغلبية والنسبية
لم يمكّن نظام الاقتراع بالأغلبية في دورة واحدة أحزاب المعارضة والقائمات المستقلة من الدخول إلى المجالس المنتخبة في جميع الانتخابات التعددية التي عرفتها تونس سواء كان ذلك في بداية الاستقلال أو في الانتخابات السابقة لأوانها في 1 نوفمبر 1981 أو حتى في أوّل انتخابات تشريعية سابقة لأوانها بعد التحوّل (أفريل 1989)، رغم حصول قائمات المعارضة والقائمات المستقلة على حوالي 19,5 % من الأصوات.
وأتاح نظام الاقتراع الجديد ، بمقتضى تعديل المجلة الانتخابية بتاريخ 27 ديسمبر 1993، تخصيص مقاعد في مجلس النواب على المستوى الوطني لفائدة المعارضة وذلك بالاعتماد على نظام القائمة النسبية. وقد تجسمت التعددية في مجلس النواب لأول مرّة في انتخابات 20 مارس 1994 إذ تحصلت المعارضة على 19 مقعدا. وتعزّز حضورها تحت قبّة البرلمان بحصولها على 34 مقعدا في انتخابات 1999 و37 مقعدا في انتخابات 2004 و 53 مقعدا في انتخابات 2009 (25 % من مقاعد البرلمان).
كما دخلت المعارضة إلى المجالس البلدية (المجالس المحلية) بفضل تعديل المجلة الانتخابية وإقرار نظام اقتراع يمزج بين الأغلبية والنسبية، إذ تحصلت على 268 مقعدا في انتخابات ماي 2005 و 418 مقعدا في انتخابات ماي 2010 (قائمات المعارضة والقائمات المستقلة).
كما أصبحت أحزاب المعارضة ممثلة في حدود 20 % في المجالس الجهوية في الجهات التي توجد بها أحزاب معارضة ممثلة في مجلس النواب وفي المجالس البلدية.
وتجسّم الانتقال من الأحادية إلى التعددية في إجراء انتخابات رئاسية تعددية لأوّل مرّة سنة 1999 إذ نافس مرشح التجمع الدستوري الديمقراطي الرئيس بن علي زعيمان من زعماء أحزاب المعارضة وهما حزب الوحدة الشعبية وحزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي. كما جرت انتخابات رئاسية تعددية في 2004 ترشح إليها ثلاثة زعماء لأحزاب المعارضة وهم ممثلو حزب التجديد وحزب الوحدة الشعبية والحزب الديمقراطي الاجتماعي وثلاثة مرشحين من المعارضة في انتخابات أكتوبر 2009 والتي بلغت نسبة المشاركة فيها 89,45 % وفاز فيها الرئيس بن علي بنسبة 89,62 %.
كما يمنح النزول بسقف المقاعد بالمجالس البلدية إلى 75% مهما كان عدد الأصوات التي تتحصل عليها القائمة المترشحة في بلدية معيّنة، المعارضة إمكانية الفوز بما لا يقل عن 1100 مقعد في صورة ترشح الأحزاب التي تمثلها والقائمات المستقلة في جميع البلديات.
وتعزز كذلك حضور المعارضة ومختلف الحساسيات السياسية ضمن قائمة الشخصيات والكفاءات الوطنية المنتمية إلى مجلس المستشارين وضمن قائمة الشخصيات والكفاءات الوطنية المنتمية إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
وتجسّمت التعددية أيضا في حرص الرئيس بن علي على تشريك شخصيات وطنية مستقلة في الحكومة وتعيين سفراء ورؤساء مديرين عامين للمنشآت العمومية من المنتمين إلى أحزاب المعارضة.

ج تنويع التمثيل: إحداث مجلس المستشارين
كانت مسألة تمثيل المنظمات الوطنية وتمكين الشخصيات الوطنية وكبار المفكّرين والمبدعين والمثقفين والتونسيين بالخارج تشغل بال الرئيس بن علي منذ بداية التغيير. وكان يدرك أن مجلس النواب، على أهميته، يبقى بالأساس فضاء للتمثيل الشعبي وللأحزاب السياسية. ورغم وضوح الرؤية لم يستعجل الأمور. لذلك فإن إحداث مجلس المستشارين لم يتبلور إلا عند صياغة مشروع تعديل الدستور سنة 2002.
وبالفعل عكست تركيبة المجلس، وفقا للتعديل الجوهري الذي أدخل على الدستور في 1 جوان 2002 النظرة الجديدة للتمثيل: تمثيل المنظمات الوطنية بما يسمح لها بإبداء رأيها حول مختلف مشاريع القوانين وخاصّة الميزانية، وتمثيل الشخصيات الوطنية والمبدعين والمثقفين والجالية التونسية بالخارج وتمكينهم من فضاء يعبّرون فيه عن أفكارهم وآرائهم.
كما أن تركيبة المجلس جاءت لتعزز الديمقراطية المحلية من خلال تمثيل الجهات في الغرفة الثانية وإعطاء النواب والمستشارين البلديين صلاحية انتخاب ثلثي أعضاء المجلس. وبالفعل فإن تركيبة المجلس الذي أحدث سنة 2005 تعكس هذه النظرة الجديدة لتنويع التمثيل وتعزيز المسار الديمقراطي.
وقد أسهم هذا المجلس منذ انعقاد جلسته الأولى في 16 أوت 2005 في إثراء الوظيفة التشريعية وتعميق الحوار مع الحكومة خاصّة عند النظر في مشروع الميزانية من خلال تقييم السياسات العامّة وتقديم التعديلات وعرض المقترحات والتوصيات، وهو ما مكّن من إدخال مزيد من الحيوية على الحياة السياسية والبرلمانية.

د تفعيل مشاركة المرأة في الحياة السياسية
من أبرز مظاهر تكريس الخيار الديمقراطي منذ التحوّل تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية نظرا لما بلغته من وعي وكفاءة.
وتعميقا لمبدأ المساواة بين المرأة والرجل في مجال الترشح إلى مجلس النواب، نصّ تعديل الدستور في 27 أكتوبر 1997 على حق كل ناخب، ولد لأم تونسية وبلغ من العمر على الأقل 23 سنة كاملة يوم تقديم ترشحه، في الترشح لعضوية مجلس النواب. وهذا الإجراء غير معمول به حتى في بعض الدول العريقة في الديمقراطية.
ومن تجليات تشريك المرأة في الحياة السياسية منذ التحوّل، ارتفاع نسبة حضورها في مجلس النواب من 4,3 % في انتخابات 1989 إلى 8 % في انتخابات 1994 و 11,5 % في انتخابات 1999 وارتقت هذه النسبة إلى 22,7 % في الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر 2004 و 28 % في انتخابات 2009. وهي نسبة أرفع من معدل دول الاتحاد الأوروبي البالغ 20 %.
وارتفعت كذلك نسبة تمثيلها في مجلس المستشارين إلى 15,2 % وفي المجلس الدستوري إلى 25 % وفي المجالس الجهوية إلى 26 % وفي اللجنة المركزية لحزب التجمع إلى حوالي 30 % .

ه حراك المجتمع المدني
يعتبر دعم المجتمع المدني من أهم مظاهر تجسيم الخيار الديمقراطي. فقد تغيّر مع التحوّل موقف السلطة من رفض إحداث الجمعيات إلى التشجيع على بعثها وتوسيع الفضاءات المدنية في جميع المجالات.
ودعما لمناعة المجتمع المدني تمّ تعديل قانون الجمعيات سنة 1992 لفسح المجال أمام المواطنين للنشاط الجمعياتي. فقد تمّ إلغاء التأشيرة القانونية ولم يعد تكوين الجمعيات خاضعا لترخيص مسبق. كما تمّ وضع تصنيف جديد لها وتحديد شروط جديدة لمسيري الجمعيات ذات الصبغة العامة. وتمّ إصدار قانون خاص بالمنظمات غير الحكومية سنة 1995.
وبفضل هذه الإجراءات والمبادرات ارتفع عدد الجمعيات من 2.000 جمعية سنة 1988 إلى حوالي 10.000 جمعية اليوم (جمعيات تنموية وثقافية وعلمية وبيئية وتطوعية وذات الصبغة العامة)، تعاضد مجهودات الدولة في مجالات متعددة. وقد أكد الرئيس بن علي في خطابه بمناسبة الذكرى 19 للتحوّل على ضرورة اضطلاع المجتمع المدني بدوره في النقد والتصويب وتوسيع مجال المشاركة في الحياة العامة.
ويؤكد الرئيس بن علي باستمرار أن حماية المسار الديمقراطي وتعميقه هي مسؤولية الجميع أحزابا ومنظمات وطنية ومختلف مكوّنات المجتمع المدني، وأن تعزيزها في المستقبل يقتضي بالخيارات التالية:
1. التمسّك بالحداثة: تمكنت تونس من استيعاب قيم الحداثة من خلال انفتاحها على الخارج مع الحفاظ على مقومات الهوية الوطنية. وتتمثل أبرز عناوين الحداثة اليوم في مكانة المرأة في المجتمع التونسي ودمقرطة التعليم والتنمية البشرية. لذلك فإن مرجعية الخيار الديمقراطي تكمن في التمسّك بالحداثة التي تبقى المحرّك الأساسي للمدّ الإصلاحي في تونس.
2. الحفاظ على الوفاق الوطني وتقوية الجبهة الداخلية : ولا يكون ذلك إلا بالولاء لتونس وحدها. فقوّة الجبهة الداخلية هي صمام الأمان والضامن لاستقلالية القرار الوطني.
3. المحافظة على تقوية الطبقة الوسطى باعتبارها قاعدة الاستقرار السياسي والاجتماعي : إن نجاح الخيار الديمقراطي يرتبط بالحفاظ على هذه الطبقة التي تضم حوالي 80 % من السكان وتشكل قاعدة الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد وخصوصية النموذج التونسي.
4. حزب حاكم قوي ومعارضة وطنية فاعلة : هذه المعادلة التي أكدها بوضوح الرئيس بن علي ضرورية لتعزيز المسار الديمقراطي التعددي في المستقبل. فالديمقراطية لا تستقيم إلا في ظل التنافس الحقيقي والنزيه بين كافة الأحزاب السياسية. وقد أمّن العهد الجديد، من خلال إعادة بناء حزب الأغلبية وتجديد خطابه وتعصير أساليب عمله والقطع مع عقلية الحزب الواحد الضمانات الكفيلة بتأقلمه مع التغيير. كما فسح المجال أمام المعارضة الوطنية لتعزيز حضورها من خلال تمتعها بالتمويل العمومي وتشريكها في مختلف الاستشارات والحوارات الوطنية والاستئناس برأيها.
5. الفهم الصحيح للتداول على السلطة: أكد الرئيس بن علي في العديد من المناسبات أن التداول على السلطة هو نتيجة ما تفرزه صناديق الاقتراع ولا يمكن لأي حزب سياسي أن يترك مكانه لحزب آخر لمجرّد التداول على السلطة. ولم نسمع يوما في السويد مثلا الذي بقي فيها الحزب الاشتراكي الديمقراطي 78 سنة (1928-2006) في الحكم، أنه طلب منه التخلّي عن مكانه لفائدة حزب آخر لمجرّد الرغبة في التداول على السلطة. كما أن حزب العمال في بريطانيا الذي تكوّن سنة 1900 لم يستطع إحراز الأغلبية إلا سنة 1945 أي بعد 45 سنة من المشاركة في الانتخابات.
6. مزيد تفعيل دور النخب والشباب : إن مزيد تشريك النخبة في الأحزاب السياسية ضروري لتعميق المسار الديمقراطي. ووجود النخبة في أي حزب يقتضي تمكينها من هامش كبير من حرية الفكر والتعبير داخل الفضاء الذي تنشط فيه. فالنخبة لها رؤاها ولها تصوّراتها وقناعاتها. ولا يمكن لها أن تكون فاعلة إلا إذا وجدت الإطار الذي تستطيع فيه ممارسة حرية التعبير في شكلها الراقي. كما أن الشباب لا يقبل على الأحزاب إلا إذا وجد خطابا سياسيا مقنعا متجاوبا مع طموحاته ومتفاعلا مع تطلعاته المستقبلية.
7. ديمقراطية السلوك والمعتقد: إن من دور الأحزاب في السلطة وفي المعارضة ومن دور المجتمع المدني تربية الأفراد على السلوك الديمقراطي. فالديمقراطية ليست شعارا بل هي عقلية وسلوك يسمو على الاعتبارات الضيّقة فردية كانت أو حزبية.

لقد نجحت دولة التغيير في التأسيس للخيار الديمقراطي على قواعد صلبة، فلا مجال اليوم أمام الأحزاب السياسية ومختلف مكوّنات المجتمع المدني إلا العمل على مزيد ترسيخ هذا المسار لأنه قاعدة ومنطلق لرفع التحديات.
اقرأ على نبأ نيوز أيضاً:
تونس.. في عهد الاصلاح والتغيير والإنجاز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.