احتفلت تونس أمس السبت 25 جويلية - يوليو بالذكرى الثانية والخمسين 52 لإعلان الجمهورية وإلغاء الملكية (نظام البايات). ويقوم النظام الجمهوري على مبادئ الحرية والنظام والعدالة ويعدّ الإعلان عن قيامه حدثا وطنيا هاما في تاريخ تونس المعاصر لما يجسده من قيم ومبادئ سامية تكرس سيادة الشعب وتجسم معاني الحرية والاستقلال. ويعدّ إعلان الجمهورية المرجعية التي ارتكزت عليها الإصلاحات الكبرى التي شهدتها تونس إبان الاستقلال وفي مقدمتها إصدار الدستور التونسي في غرة جوان - يونيو 1959 فضلا عن جملة التشريعات التقدمية الهامة التي تم إقرارها في مجال النهوض بالمرأة والصحة والتعليم وناضلت من أجلها أجيال الحركة الوطنية من مصلحين ومقاومين بما وضع تونس على درب التحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي. شعار الجمهورية التونسية: نظام - حرية - عدالة وقد استند الفكر الجمهوري الجديد لتحول السابع من نوفمبر على قيم الحركة الوطنية. وجاءت التعديلات الدستورية التي أقرّها رئيس الدولة وخاصة منها الإصلاح الجوهري للدستور في 1 جوان 2002 الذي حظي بإجماع الشعب خلال أول استفتاء شعبي تم في 26 ماي 2002 ووضع أسس جمهورية الغد دعما لقيم ومبادئ الجمهورية من خلال الإصلاحات السياسية والقضائية المتلاحقة وإرساء دولة القانون والمؤسسات وترسيخ حقوق الإنسان والحريات الأساسية ودعم المسار الديمقراطي التعددي. ومثل إحداث المجلس الدستوري ودعم تركيبته واستقلاليته وتوسيع مشمولاته وإنشاء مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) الذي أثرى الحياة التشريعية في البلاد، وإقرار تعددية الأحزاب والتنظيمات الشعبية وإدراج مبادئ حقوق الإنسان والتضامن والولاء للوطن ضمن نص الدستور روافد إضافية لأسس جمهورية الغد، كما كرّس تنقيح المجلة الانتخابية في عدة مناسبات هذا التوجه، حيث مكن من تيسير تعددية الترشح لرئاسة الجمهورية. وجاء التنقيح الأخير ليسهم في دعم التعددية صلب المؤسسات الدستورية وتوسيع مجال المشاركة في الانتخابات العامة وتعزيز ضمانات شفافية العملية الانتخابية في جميع مراحلها، كما شمل التنقيح التخفيض في السن الدنيا للانتخاب من 20 سنة إلى 18 سنة مما سيمكن ما يزيد عن نصف مليون شاب من ممارسة حقهم الانتخابي ( 76% من التونسيين سيكون من حقهم التصويت في انتخابات أكتوبر 2009). وترسيخا لقيم وأسس النظام الجمهوري، تم إصدار جملة من النصوص القانونية والتشريعية الرامية إلى إقامة قاعدة متينة للديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والارتقاء بالعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على غرار إصدار قانون الأحزاب في 3 ماي 1988 وإقرار خمسة تعديلات على مجلة الصحافة والتنقيح الهام لمجلة الأحوال الشخصية في جويلية - يوليو 1993 في اتجاه دعم مكانة المرأة كشريك فاعل للرجل صلب الأسرة والمجتمع وفي الحياة العامة. وما انفك الرئيس زين العابدين بن علي يؤكد في مختلف المناسبات الوطنية على أنه لا مكان في تونس للفكر الواحد وللون الواحد وأن التعددية خيار لا رجعة فيه وأن الأحزاب السياسية في الحكم وفي المعارضة جزء لا يتجزأ من المعادلة الديمقراطية والتنافس النزيه ولا بد لها أن تكون في مستوى من الفاعلية يخول لها الاضطلاع بأدوارها علي أفضل الوجوه، وهو ما يؤكده إقرار سيادته لجملة من الإجراءات الهامة الرامية إلى تطوير الحياة السياسية ودعم مشاركة الأحزاب السياسية في الشأن العام. وتعدّ الاستحقاقات الانتخابية القادمة (الانتخابات الرئاسية والتشريعية) التي ستشهدها البلاد في أكتوبر 2009 موعدا يعبر فيه الشعب التونسي مجددا بكافة قواه الحية من أحزاب ومنظمات وطنية وجمعيات عن إرادته واختياره لمن يمثله في السلطة التشريعية ولمن يواصل قيادة المسيرة الإصلاحية والتنموية التي تعيشها تونس منذ أكثر من عقدين في كنف الشفافية والديمقراطية. تونس:الاستشراف نهج للحكم الرشيد حرصت تونس على اعتماد منهج في الإصلاح يستشرف المستقبل القريب والبعيد. وتم في هذا الإطار، إرساء تقاليد جديدة في صنع القرار الوطني والتأسيس لثقافة تعتمد التفكير الاستراتيجي الاستشرافي لتوضيح الملامح العامة والتوجهات المستقبلية الكبرى التي تهم المجتمع ومستقبل البلاد. وقد وضعت تونس إستراتيجية للنهوض بالسياحة في أفق سنة 2016 وإستراتيجية وطنية على المدى الطويل لتطوير الصناعة التونسية. كما أقرت إستراتيجية خاصة بالشباب. واعتمدت في ذلك على الاستشارة الآلية للمشاركة في صنع القرار من خلال تنظيم استشارات وطنية غطت مختلف مجالات التنمية (الشباب والفلاحة والتعليم والتكوين المهني والتجارة والتصدير والثقافة والوظيفة العمومية)، في إطار سياسة ثابتة لتشريك التونسيين والتونسيات بمختلف اتجاهاتهم وكفاءاتهم في كافة القضايا الكبرى. وفي إطار المقاربة الاستشرافية التي وضع أسسها سيادة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية، أقرت تونس خطة عشرية للتنمية (2007 – 2016). كما تم وضع دراسات إستراتيجية قطاعية يمتد التصور بالنسبة لبعضها إلى أفق 2050 وحتى 2100 بالنسبة إلى التوقعات الديمغرافية. وتتطلع تونس إلى الارتقاء بجودة حياة المواطن وبمستوى الرّفاه الاجتماعي واللحاق بمصاف البلدان ذات المؤشر الأعلى للتنمية البشرية في موفى السنة الجارية (المرور من 0,766 حاليا إلى 0,8 سنة 2009)، ومضاعفة الدّخل الفردي مرّتين ليبلغ ثمانية آلاف دينار ( 6000 دولار) سنة 2016 و 13500 دولار سنة 2030 (10 آلاف دولار للبلدان المتقدّمة حسب مؤشر البنك الدولي)، وتقليص نسبة البطالة إلى حدود %10,3 سنة 2016 و % 6 في أفق 2030 .