علي عبدالله صالح يخطب في ميدان السبعين ويدعو أحزاب المشترك لمنع الاختلاط في شارع الجامعة على حد تعبيره، والحزب الأمني لفخامته – أي الإصلاح في توصيف أحد المحللين السياسيين له- يستجيب لدعوته مُعززاً بأفراد من الفرقة الأولى مدرع ويقوم ب"لبج" الصحفيات والناشطات الحقوقيات المتبرجات، ومصادرة أدواتهن الصحفية والشخصية، كما وركلهن ودهسهن بالبيادات العسكرية. الثورة تمضي في مسارها الصحيح إذاً. ثورة الإنعتاق والتحرر من الاستبداد السياسي والاجتماعي تسير وفق تصور من خرجوا إلى الساحات مطالبين بإسقاط النظام، وبناء الدولة المدنية الحديثة. لا شيء يعكر مزاج دعاة الحرية، إنهم بحاجة للصبر، وتحمل ما سيجود به أعضاء الإصلاح وأفراد الفرقة الحامية للساحة من ضرب وتهم، اصمتوا من أجل الثورة، فأناتكن تحت البيادات وأعقاب البنادق تشق صف الثورة..! هؤلاء حماة الثورة، ومن السُخف الكتابة عن ممارساتهم أو إصدار بيان يندد بالاعتداءات المتتالية على رائدات الفعل النسوي والحقوقي في اليمن، فقد تعرضت في البداية هدى العطاس لإعتداء من مرافقي الشيخ الزنداني قدس الله سره، وحين كتبن عن الأمر قالوا أنتم تشقون صف الثورة، وهذه مهمة كلفكم بها الأمن القومي، وحين جاءت غادة العبسي لتوزع استمارات على الشباب في الساحة اعتقلوها تحت مبرر أنها جاسوسة وتم الاعتداء عليها وعلى الزميل محمد العلائي الذي جاء لنجدتها، ويوم أمس الأول جاء الاعتداء مكثفاً وفائضاً بالقبح والخسة على أروى عثمان، وهدى العطاس، وجميلة علي رجاء، ووداد البدوي.. وحين كتبت الأخيرة عبارات تشرح فيها ما تعرضت له في الساحة على حائطها بالفيس بوك، انبرى لها أعضاء من الإصلاح واتهموها بشكل مباشر بكونها مدسوسة، ورسائلها أصبحت مفضوحة، إضافة إلى تحميلها رسالة لعمار محمد عبد الله صالح رئيس جهاز الأمن القومي يقول صاحبها "قولي لها بأن أيامه أصبحت معدودة، وعليك يا وداد أن تقرري الانضمام لشباب ساحة التغيير بدلاً من البقاء مع الأمن القومي"، إنه يتحدث بثقة عالية، كعادة الأغبياء تماماً. إنهم يتحدثون بثقة يحسدون عليها. طبعاً صاحب الرسالة السابقة "ماجد دهيم" وهو مذيع ونجم قناة سهيل، هذا الشخص الذي يكتفي بالهندام والظهور بشكل باعث للاشمئزاز على شاشة "سهيل" لم أراه في الساحة، فيما وداد البدوي التي تواجدت منذ اليوم الأول، وقبلها كانت تجوب الشوارع في المسيرات، وتحضر الاعتصامات التضامنية مع الزملاء الصحفيين غدت ببساطة عميلة للأمن القومي، وأروى عبده عثمان التي نشرت صورتها ذات مرة على حائطي بالفيس بوك وذيلتها بتعليق "الرئيسة القادمة لليمن الكاتبة والمناضلة أروى عبده عثمان"، لأتفاجأ برسالتها لي، تطلب حذف الصورة، وترجتني ألا أسبق اسمها بأي لقب إن كنت أحترمها، وقالت بالحرف"أنا لستُ مناضلة، ولو أنني أشتي مناصب لكنت قد حصلت عليها من زمان".. هذه المرأة العظيمة والكاتبة التي نقبت عن الموروث الشعبي اليمني وأعادته إلى الواجهة يأتي أحد الجهلة ليعتدي عليها، ويتهمها بالجاسوسية، أما هدى العطاس صاحبة شعار "فرقنا النظام..وحدنا النضال" الذي هتفت به مساء اليوم السابق للاعتصام من أمام جامعة صنعاء، تتعرض للإهانات المتتالية من أصحاب اللحى، والقلوب السوداء ووصموها بالعمالة أيضاً، وإن كانوا في المرة الأولى حاولوا الاعتداء عليها، هذه المرة انهالوا عليها بالضرب إلى جانب صديقاتها. الدبلوماسية والإعلامية والحقوقية جميلة علي رجاء التي استقالت من منصبها في وزارة الخارجية وانضمت لثورة الشباب هي الأخرى لم تسلم من قبح التهم المسلوقة والجاهزة للرجم. ما حدث يوم أمسٍ الأول لم يكن جديداً، وإنما امتدادا لفكرٍ يحاول تيار الإصلاح السلفي دعك الثورة به، وتلوينها بلون شبع موتاً، فقبل أيام تعرضت أروى عثمان وأمل الباشا وأخريات لمحاولة اعتداء داخل خيمة "شباب الفيس بوك" وآخر أمام الخيمة، كما تعرضت الحقوقية سامية الأغبري لمحاولة اعتداء من بعض أفراد قالوا بأنهم من اللجنة الأمنية، وحاولوا أخذها إلى خيمة اللجنة لإطلاعها على نتائج التحقيقات مع البلاطجة الذين قتلوا الشباب في جمعة الكرامة، بعد أن كانت قد طالبت بنشر التحقيقات وإطلاع الرأي العام عليها. وحتى لا يتهمن بشق صف الثورة، فضلن الصمت، ليجيء الاعتداء هذه المرة بشكل واضح وعلني، وتحديداً بعد دعوة صالح، والنساء يشاركن في مسيرة نسائية - كان من المفترض أن تكون مختلطة- منددة بخطابه المسيء لنساء اليمن، ولساحات الحرية والتغيير في كل البلاد. هؤلاء يشقون صف الثورة، ويسيئون للساحات أكثر من علي عبدالله صالح، ويعملون على تحييد معركتنا مع النظام إلى معركة معاهم، ومع كل ذلك يصرون على أنهم على حق. الاعتداء الجديد يجعل الصورة أكثر وضوحاً، ويكشف ما يخبئه هؤلاء تحت ملامحهم البريئة، ويدعونا للتفكير جدياً لتصحيح مسار الثورة الشبابية، التي جاءت لتعيد الكرامة للنساء والرجال، والشراكة الحقيقية لأفراد المجتمع في الحياة، إلى جانب كونها ثورة من أجل العدالة والحرية السياسية والاجتماعية. "نيوزيمن"