ربما بحكم ميولي الأدبية وربما بحكم تخصصي في علم الاجتماع انحاز لرؤية الأشياء من زاويتي الخاصة وأتأمل الأحداث والحقائق بعين أكثر شمولية لتصبح المواضيع التي تمثل حدث أو ظاهرة ما من وجهة نظري قضية اجتماعية تستحق الدراسة والبحث.. موضوع كتاب (وباء الحاجز) الذي كتب عنه الكاتب والإعلامي نزار عابدين في جريدة الوطن عدد الأحد 28ديسمبر ، كتابا مثير للجدل والاهتمام كما يستحق أن نلبي دعوة صاحب المقال بترجمته إلى جميع اللغات الحية الرئيسية في العالم، هذا الكتاب الذي يصور التدهور الأخلاقي وفقدان المشاعر الإنسانية للجنود على الحواجز العسكرية باعتراف أحد الجنود الإسرائيليين بالحوادث التي شارك فيها وشهدها على الحاجز العسكري خلال سنوات خدمته العسكرية الثلاث وهي اعترافات خطيرة تعكس وحشية التعامل مع الشعب الفلسطيني .. اعترافات قد تقوده إلى السجن المؤبد لما فيها من أحداث تقشعر لها الأبدان لكن هذا الجندي لسبب ما قرر مواجهة حقيقة تلك الأفعال بل وصرح بأنه مستعد لدفع ثمنها . أهتم المقال بالكتاب كوثيقة تسجل الممارسات الصهيونية السادية اللاإنسانية لكنه تركني أمام تصور أكبر وأوسع لهذه الظاهرة التي تشمل كل أنواع الاحتلال حتى لتصبح كما سماها" ليران رون – فيررر" وباء الحاجز فهي وباء ينتشر ليصيب بعدواه كل الجنود الذين يصبحون وحوشا ليس مع أعدائهم أو خصومهم فقط إنما مع ذويهم وآباءهم وهو ما حدث مع الجنود العراقيين الذين تحولوا إلى وحوش في ممارساتهم على شعب شقيق فور دخولهم الكويت لاحتلالها وما حدث في الحروب الأهلية من مجازر على مر التاريخ تشهد على توحش المجندين من مختلف الطوائف والأحزاب ، إذن الظاهرة أوسع وأخطر وأكثر عمقا من أن نحصرها في ممارسات الصهيونية فقط . نعم نحن بحاجة إلى إعلام مسلح يستطيع رد التشويه الذي تتعرض له قضيتنا لكن من منظور آخر فان ظاهرة الوحشية التي تصيب الجنود للقوات المحتلة أو المعتدية الذين يتحولون من أبناء عائلات سويين إلى وحوش آدمية فتتدهور أخلاقهم ويفقدون مشاعرهم الإنسانية ظاهرة اجتماعية تستحق الدراسة للوقوف على سيكولوجية هذا التغيير الخطير في الطبيعة الإنسانية .. هذا الوحش المجند هل هو وجه الإنسان خارج سياج القانون أم حقيقة مشوهه لإنسان العصر بعد أن لعبت فيه أصابع الحضارة فتغيرت ملامح فطرته الإنسانية ليظهر بهذه البشاعة والإجرام .. أي شجاعة تلك .. أو فجاجة .. أو وقاحة ليقف هذا الجندي الإسرائيلي أمام المرآة فيواجه بشاعته كحقيقة .. بل ويدعو إلى التمعن فيما يحدث ! لا أدري .. ولكن ليتنا نملك الكثير من هذه الاعترافات الصريحة جدا.. من هذه الوثائق التاريخية الحية .. فلو حدث لربما تخلينا عن الحرب الإعلامية الخفية ... وما جدواها والشمس ساطعة.