انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    مليشيا الحوثي تنظم رحلات لطلاب المراكز الصيفية إلى مواقع عسكرية    بعد أيام فقط من غرق أربع فتيات .. وفاة طفل غرقا بأحد الآبار اليدوية في مفرق حبيش بمحافظة إب    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي عبد الله صالح.. والبناء المؤسسي للدولة
نشر في نبأ نيوز يوم 16 - 07 - 2006


رجل الدولة علي عبد الله صالح
(1980.. 1990)
حتى نهاية العام 1979م وإشراق عقد الثمانينات، لم يكن بمقدور أحد الحديث عن أي تقييم لعهد الرئيس علي عبد الله صالح باستثناء وصف أدوات حكمه، وخياراته السياسية، بالذكية والموزونة. فمهما تعاظم الجهد المبذول في تنظيم شئون الحكم وإعادة ترتيب أوراق القضايا السياسة المختلفة التي كانت مطروحة على طاولة السلطة في تلك الفترة، فإنها لم تكن في نظر الرئيس علي عبد الله صالح سوى مرحلة إعداد وتأسيس دقيق للهياكل والبنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمشروع الدولة اليمنية الحديثة.
فالرئيس علي عبد الله صالح يبدو طوال العام 1980م ومرحلة الثمانينيات بشكل عام أكثر ثقة واطمئناناً على وسائله السياسية في الحكم أولاً، وإلى الالتفاف الجماهيري حول قيادته ثانياً.. ومما يرجح الاعتقاد بذلك هو السلوك الذي ترجمه في تناول المسائل الوطنية من خلال العمل أو الانفتاح على ثلاثة محاور أساسية في آن واحد، وهذه المحاور هي:
أولاً: العلاقات مع شطر الوطن الجنوبي.
ثانياً: وحدة الفكر والأداة وتنمية التجارب السياسية.
ثالثاً: التنمية الوطنية الشاملة.

المحور الأول: العلاقات مع شطر الوطن الجنوبي:
شهد عقد الثمانينات، ومنذ عامه الأول، تحولات كبيرة جداً على صعيد العلاقة بين شطري اليمن. فقد جمع الرئيس علي عبد الله صالح بين لغة الحوار ولغة القوة في استعادة الأمن الداخلي وفرض الحالة السلمية في (مناطق الأطراف) المحاذية لمناطق نفوذ الشطر الجنوبي خلال الربع الأول من عقد الثمانينات.
واستهل عام 1980م بحوار إيجابي مع قيادات الجبهة الوطنية الديمقراطية، وصفه زعيم الجبهة سلطان أحمد عمر باعتباره " نقطة تحول هامة في النضال السياسي للحركة الوطنية اليمنية"، وتمت تسوية الكثير من الخلافات القائمة، وأبدى الرئيس صالح أقصى درجات المرونة السياسية والتسامح مع عناصر الجبهة أملاً في تهدئة الاضطرابات في الساحة الداخلية وتحقيق قدر معقول من الاستقرار قد يتيح المزيد من فرص إنماء البنى الاقتصادية والتنمية للمجتمع اليمني.
لكن بمجرد أن نكثت الجبهة عهودها، وعادت إلى الخيار العسكري وحروب العصابات منساقة خلف الاعتقاد بالحوار السلمي الذي يتقدم خيارات الرئيس صالح كحالة صادرة عن موقف ضعيف.. لم يتوان الرئيس صالح لحظة في إدارة معارك دفاعية واسعة النطاق قوامها الضرب بكل قوة وبكل ما هو متاح على يد من يحاول زعزعة استقرار الدولة ونظام الحكم، وتعطيل المسيرة الثورية الوطنية – على غرار ما حدث في ربيع عام 1981م حين شنت الجبهة أعنف هجومها وأشاعت القتل والتنكيل بأهالي المناطق الوسطى، فما كان من الرئيس علي عبد الله صالح إلاّ أن استنفر قواته وقواعده الشعبية لمواجهات ضارية تكبدت أثنائها الجبهة أفدح الخسائر، وأنكر الهزائم التي قضت على وجودها نهائياً في الخامس من أغسطس 1982م، إذ أُعلن عن حلها بعد هذا التاريخ بأسابيع قليلة جداً.
وفي الحقيقة، أن من أبرز سمات الساحة اليمنية هو تداخل أحداثها مع بعض، وانتظامها بحلقات ترابطية يستحيل فصل إحداها عن تأثير البقية. فانتهاء نفوذ الجبهة الديمقراطية فتح الطريق على امتداده لمناخات العلاقات الإيجابية المطردة بين نظامي الشطرين، والتي انتهت بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
وبالمقابل كان الحدث برمته انعكاساً لظروف تطورات أخرى سابقة للنتائج التي خلص إليها الأمر. فمن جهة، كان لسياسة تحديث القوات المسلحة وتعزيز إمكانياتها الدفاعية مادياً وبشريا منذ العام الأول من حكم الرئيس علي عبد الله صالح عاملاً مهماً في تحقيق النصر – خصوصاً وقد تم تأكيد ذلك بالتفاف جماهيري شعبي واسع حول قيادته، وتأييدهم ودعم دولي أيضا، جناها كلها الرئيس صالح بفضل سياسته المرنة المتوازنة، وحنكته في إدارة ملفات القضايا المختلفة سواء الداخلية أم الخارجية.
ومن جهة ثانية كانت استقالة الرئيس عبد الفتاح إسماعيل ووصول الرئيس علي ناصر محمد إلى سدة الحكم في (14 أبريل 1980) ، تعد بارقة الانفراج في علاقات نظامي الشطرين، نظراً لما عرف عن عبد الفتاح إسماعيل من تطرف ماركسي شديد يقوم على خيارات المواجهة المسلحة في التغيير لحكم الشطر الشمالي وإقامة دولة يمنية موحدة تُدار على الطريقة الماركسية. بينما كان علي ناصر محمد يمتاز بالاعتدال السياسي ويتمتع بشخصية وطنية متزنة وحادة الذكاء. الأمر الذي يجعل الحوار معها ميسراً سهلاً، وإمكانية التقريب الوحدوي بين الشطرين متاحاً بقدر أفضل بكثير.. وذلك الاتجاه أكد فرضياته مبكراً بقمة ثنائية في "صنعاء" جمعت رئيسي الشطرين علي عبد الله صالح، وعلي ناصر محمد في الفترة (9-13 يونيو 1980م)، سبقها لقاء بين عبد العزيز عبد الغني وعلي ناصر محمد بتاريخ (6 مايو 1980م)- أي بعد ثلاثة أسابيع فقط من استقالة عبد الفتاح إسماعيل.
وعلى هذا الأساس توالت لقاءات واتفاقيات قيادتي الشطرين وتنامت المشاريع والمصالح المشتركة، بدءً بافتتاح أول شركة للسياحة بين صنعاء، وعدن في مارس 1981م إلى ما سواها، وأسهمت الرغبة المشتركة عند الطرفين بالعمل الصادق على طريق الوحدة، بإيجاد تعاون سياسي نوعي من أجل الاستقرار والأمن الوطني عزم فيه رئيسا الشطرين على التخلص من بؤر التوتر والصراع (الجبهة الوطنية الديمقراطية)، فاتفقا بتاريخ (10 سبتمبر 1981م) على قطع الدعم عن الجبهة،، مما سهل مهمة صنعاء في إحراز تفوق عسكري كبير على مليشيات الجبهة، ومن ثم تصفيتها وتفكيكها وإغلاق ملفها بعد اتفاق أبرمه الرئيس علي عبد الله صالح والرئيس علي ناصر محمد على ذلك الأمر بتاريخ (20 أغسطس 1982م).
إن ذلك التطور السياسي في نظام حكم الشطر الجنوبي، والعلاقة (الأخوية) الحميمة التي تنامت بين قيادتي الشطرين، وإن كانت ساعدت على قطع الجزء الأعظم من طريق الوحدة اليمنية، إلاّ إنها ظلت محتفظة بخصوصيات وضعها التشطيري داخل المؤسسة الحاكمة في كل شطر على حدة، بحيث أن الأحداث التي تأججت على ساحة الشطر الجنوبي في (13 يناير 1986م) أكدت وجود تلك الخصوصيات السياسية وهامش الحذر في العلاقات، الذي لا ينبغي تجاوزه قبل استكمال بقية الترتيبات المتعلقة بالوحدة الاندماجية.
ومن الواضح أن الرئيس علي عبد الله صالح كان يعي تلك الحقيقة بالكامل.. فهو عندما انفجر الوضع داخل المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني بعدن في الثالث عشر من شهر يناير عام 1986م، ودارت رحى معارك ضارية تلتهم بنيرانها اليابس والأخضر، تجنب الرئيس صالح الدخول طرفاً في الصراع الدموي لصالح أي طرف كان.. بل انتقل إلى مدينة (تعز) يراقب التطورات عن كثب. وفي اليوم الثاني للحرب وجّه خطاباً سياسياً يناشد فيه الطرفين بالكف عن الاقتتال وبضرورة وقف إطلاق النار فوراً، ثم الاحتكام إلى طاولة المفاوضات والمباحثات في حل مشاكلهم وخلافاتهم الداخلية. وتضمن الخطاب أيضاً تحذيراً من مغبة تدخل أي طرف خارجي في الصراع الدائر كون ذلك سيؤجج سعير الحرب ويوسع دائرتها إقليميا وبشكل خطير( ).
وفي يوم (15 يناير 1986م) استقبل السفير السوفيتي بمقر إقامته في تعز، وتسلم منه رسالة رسمية تؤكد فيها موسكو براءة السوفيت مما يدور في عدن، وتحذر صنعاء " ننصحكم بقوة بعدم التدخل في شئون الجنوب الداخلية" .. وكانت قد بعثت برسالة مماثلة للولايات المتحدة الأمريكية، تحذر فيها من استغلال الصراع والتدخل لصالح أحد طرفيه.
تولدت القناعات عند الرئيس صالح بأن موسكو قد رفعت أيديها عن علي ناصر محمد، وأن أية محاولة لتدعيم جبهة ما تستدعي مواجهة السوفيت من جهة، وستوسع رقعة الحرب وتجعلها قيداً لرهانات خارجية دولية لا يمكن التكهن بمخرجاتها بأي حال من الأحوال. وهذا الاستدراك المعرفي بخيوط اللعبة السياسية المعقدة حذا بالرئيس علي عبد الله صالح إلى رفض الاستجابة لطلب الرئيس علي ناصر محمد، الذي تقهقرت قواته بعد ثلاثة أيام من الحرب الأهلية، وتراجعت بعيداً عن مدينة عدن، فاستنجد بالرئيس علي عبد الله صالح في اليوم السادس من المواجهات الدائرة.
ومما يرويه الرئيس صالح بهذا الخصوص: " .. قال تدخّل وسأعلن الوحدة معك فوراً. لكني رفضت، وبعد لجوئه إلى صنعاء طلب مني إعلان الوحدة. قلت له: كان المفروض أن يتم ذلك وأنت في السلطة وتمتلك الشرعية.".
فالرئيس صالح رجل ذكي، ويتمتع بحس استقرائي بعيد النظر إلى حدٍ كبير، وما كان لينزلق على مجرى ذلك المأزق بسهولة. فهو وإن كانت الوحدة حلمه الجميل وفي مقدمة أمانيه الوطنية، وكانت إمكانية كسب المعركة لصالح قوات علي ناصر محمد أمراً مسلّم به عسكرياً إذا ما أسندته قوات الرئيس صالح
لكن بغض النظر عن العواقب يمكن إرجاع الأمر إلى معايير أخلاقية ومبادئ سياسية تضع الحوار الإيجابي المتكافئ في مقدمة أولويات العمل السياسي عند الرئيس صالح، الذي لم يكن راضياً على مبادرة الرئيس علي ناصر محمد بإضرام فتيل التصفيات الجسدية بخصومه في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي، والتي سرعان ما تخطت أبواب المكتب إلى الشوارع وامتد العنف إلى داخل الأزقة والبيوت، أزهقت خلالها ما يناهز الأربعة آلاف نفس بشرية من أبناء الشعب اليمني.. وكل ذلك نتيجة لتغييب الحكمة من مناهج الإدارة السياسية، والتي كان على الرئيس علي ناصر أن يتحمل مسئوليات قراره، ويواجه عواقبه، مهما كانت جسامتها..
ومن جهة أخرى، فإن الرئيس علي عبد الله صالح لم يتخلّ عن (صديقه) تماماً، فقد سمح للرئيس علي ناصر وأفراد قوته بالانسحاب إلى داخل مناطق الشطر الشمالي حفاظاً على سلامتهم، وفتح لهم المعسكرات (كلاجئين) في منطقة (السوادية) بالقرب من مدينة (رداع) .
إلاّ أن وجود علي ناصر محمد بالجوار ما لبث أن أصبح مصدر قلق وإزعاج لنظام خلفه علي سالم البيض حيث أن أعضاءً قياديين بالمكتب السياسي للحزب الاشتراكي أخذوا يشترطون على صنعاء طرد علي ناصر محمد منها. ليتسنى لهم حضور اجتماعات لجان الوحدة التي تعقد في العاصمة صنعاء، وكاد هذا الموقف يحرج الرئيس صالح كثيراً قبيل قمة الرابع من مايو 1988م، لو لا ما كان يمتاز به من أسلوب إقناع.. لم يتخلّ الاشتراكيون عن تعلقهم بهذه الحجج حتى أضطر علي ناصر محمد مع بعض قواده إلى التضحية بوجودهم على أرض الوطن درءً لتعكير مسار الوحدة اليمنية، فغادروا في أوائل عام 1989م إلى سوريا التي أصبحت مقر إقامتهم الدائمة..ولكن من غير أن يخسر علي ناصر مثقال ذرة من رصيده الكبير من العمل الوحدوي الذي لم يشهد انفراجاً ملموساً إلاّ في عهده. وهو الأمر الذي ظل محط تقدير الرئيس صالح، ودفعه إلى طلبه لأكثر من مرة في عهد دولة الوحدة للمشاركة في الحكم.
وعلى كل حال، فإن العلاقة بين الشطرين دخلت بعد أحداث 13 يناير 1986م طوراً من السبات والجمود المرحلي كانعكاس طبيعي لقوة الصدمة التي لحقت بمؤسسة حكم الشطر الجنوبي واختلال رؤى القيادة السياسية الجديدة لمتغيرات الساحة الوطنية، وتعلقها بذرائع المعسكرات والإذاعة والصحيفة لجماعة علي ناصر، التي يقول عنها علي سالم البيض: "لماذا يجمع هؤلاء، ولماذا تفتح لهم صحيفة ولماذا يدربون؟ لدينا مثل يمني يقول. أن جمعت المياه في مكان واحد فإنها ستشق طريقها.." .
وفي خريف عام 1986م تبنى الزعيم الليبي معمر القذافي مبادرة لإصلاح ذات البين وإذابة جليد العلاقات، فعقد قمة حضرها الرئيس علي عبد الله صالح وحيدر أبو بكر العطاس في طرابلس عقب القصف الأمريكي لمنزله في صيف 1986م، لكن القمة لم تسفر عن التوصل إلى أي نتائج محددة واستمر الجمود.
ولم تعد المياه إلى الطريق الوحدوي إلاّ في (17 أبريل 1988م) الذي تم فيه التوقيع على اتفاق استكمال الجهود الوحدوية بين الشطرين. ويدخل هذا التطور في العلاقات ضمن سياق متغيرات دولية أخرى، وإيحاءات سوفيتية للأمين العام للحزب الاشتراكي علي سالم البيض الذي التقى الزعيم السوفيتي " ميخائيل غور باتشوف" أول عام 1988م،وسمع منه ".. نحن نعتبر المنطقة التي تعيشون فيها منطقة نفوذ أمريكية، لأن مصالح أمريكا مكثفة فيها، والشعب يرضى عنكم إذا أصلحتم أموركم، مع جيرانكم في اليمن الشمالي، سواءً تم ذلك بالتنسيق أو بالوحدة، ونحن لن نعارض ذلك ولن نتدخل لمنع هذا الإجراء.
لم يكن ذلك السبب الوحيد للعودة لخيار الوحدة، بل إن الخراب الذي نجم عن أحداث 13 يناير والجيش المحطم لم يجد ما يعلل به مصيره غير مأزق آخر يصفه قرار موسكو بحجب المساعدات عن "اليمن الجنوبي".
وأمام المشاكل السياسية لنظام البيض، والأزمة الاقتصادية الحادة، واشتداد العزلة الدولية، والضغط الشعبي لتحقيق الوحدة لم يبق لنظام علي سالم البيض أي خيار غير الهروب إلى الأمام، والارتماء في أحضان صنعاء، ورأى في ذلك مناسبة لبقائه في السلطة يجب استغلالها سريعا حتى لا تتجاوز الإرادة الشعبية.
ورغم أن أوراق المشروع الوحدوي اليمني قد عادت للانتظام بيد الرئيس علي الله صالح الذي أخذ يطالعها الواحدة تلو الأخرى بفارغ الصبر باعتباره الطرف الأقوى في المعادلة، إلاّ أنه حرص على عدم الدخول للوحدة بمعادلة مختلة الأبعاد، وشراكة غير متكافئة الحقوق، بل عمل بمبدأ الشراكة المتكافئة من خلال فتح خيارات أسلوب العمل السياسي المفترض لدولة الوحدة.
وفي الحقيقة ، اتسمت هذه الفترة بالجديّة والحذر في آن واحد، فصنعاء تفضل العمل السياسي من خلال تنظيم جماهيري موحد لكافة القوى الوطنية، في حين ترى عدن أن بمقدورها ابتلاع الساحة إذا ما احتفظت بنموذجها الحزبي خلال التعددية.. ومع هذا الاختلاف في التصورات كانت العلاقة تضيق وتأخذ أطواراً معقدة للغاية تكاد أن تبلغ من الوصف بالطريق المسدود.
فكان أن بذلت العراق جهوداً كبيرة في التوفيق بين الزعيمين، حيث تدخل الرئيس العراقي صدام حسين في هذه الأشكال والتقى في بغداد بالرئيس علي سالم البيض قبيل إعلان الوحدة بأيام، وفي نفس الوقت اتصل بالرئيس علي عبد الله صالح، واقنع الطرفين بالأخذ بمبدأ الأفضلية في تجارب الطرفين. وهو الأمر الذي جعل عودة علي سالم البيض من بغداد إلى صنعاء في نفس الوقت الذي كانت رموزه القيادية قد وصلت صنعاء وحسمت الأمور.. وما زال ينظر إلى العراق باعتبارها الدولة التي قدمت أكبر دعماً للوحدة اليمنية.

المحور الثاني: وحدة الفكر والأداة وتنمية التجارب السياسية:
عندما تسلم الرئيس علي عبد الله صالح مقاليد الحكم في 17 يوليو 1978م، لم تكن هناك مشكلة واحدة فقط تقض مضاجع القوى الوطنية اليمنية، بل تعددت الملفات واحتدمت من الأزمات،وصار على الرئيس "الجديد" أن يعمل من واقع فهم متكامل، ومنفتح لكل فصول وجزيئيات الأزمة الوطنية اليمنية وبخلاف ذلك فإن إخفاق السلطة وانهيارها سيأتي مباغتاً من أي فصيل أو محور قد تتجاهله القيادة اليمنية.
وبناءً على ذلك الرأي بدا الرئيس علي عبد الله صالح مدركاً لحقيقة عمل معادلة محاور سياسية متوازنة ومتكافئة، ومتكاملة، فإذا ما كانت الساحة السياسية اليمنية تعاني من تفشي ثقافة العنف والاغتيالات، ومن سقام تشطيري، ومن عجز مالي واقتصادي شديدين، فإنها أيضاً كانت تعاني من فراغ سياسي وتشتت فكري خطير أثقل عبء الوطنيين بحالة التداخل والخلط الفكري البغيض الذي تسببت به تيارات سياسية غربية لا تمت للواقع اليمني بأية صلة، وباتت تهدد بمسخ هويته الفكرية والحضارية على نحو لم تشهد له الساحة اليمنية مثيل – كما هو الحال مع استشراء الفكر الماركسي في جنوب الوطن اليمني، وتبني نظام عدن مهمة تصديره إلى بقية الأرجاء اليمنية.
هذه الحقيقة كانت حاضرة في رأس الرئيس علي عبد الله صالح وعبر عنها بقوله: "في الوقت الذي دخلت فيه الثورة مرحلة هموم ومشاكل أخرى، وبدأ شعبنا يعاني من آلام جديدة ومستجلبة غير تلك الآلام التي دفنها وتحرر منها وإلى الأبد.. آلام ارتبطت بالتيارات السياسية والفكرية الدخيلة، التي ظل يسيل لعابها لهثاً لاحتواء مسيرة الثورة واستلاب الإرادة اليمنية..".
بلا شك أن التفات الرئيس علي عبد الله صالح إلى وضع العلة الحقيقية التي تعصف بالبلاد وتجرها نحو منزلقات خطيرة، كان بمثابة نصف علاج المشكلة، ومحور العمل الآخر الذي سينهمك به الرئيس صالح في عقد الثمانينيات انطلاقاً من ضرورات حتمية أملتها تيارات "كانت تعشعش وتستشري في الخفاء وتحت رماد السرية، وهو الأمر الذي جعلنا جميعاً وكل الغيورين على الثورة والوحدة الوطنية على اقتناع تام بضرورة التحصن الفكري الكامل للثورة ومسيرتها، وأنه لا بد من مواجهة التيارات الفكرية الغازية والمتسربة من فكر يمني يواجهها.." وفقاً لما ذكره الرئيس علي عبد الله صالح.
إن هذا المحور شكّل هماً حقيقياً للرئيس صالح منذ أول عهده ووصفه قائلاً: "لقد كان في طليعة همومي منذ الأيام الأولى لتحملي أمانة قيادة شعبنا المؤمن الصادق، أن أعثر على صيغة عملية تتفاعل مع مبادئه وقيمه، وأهداف ثورته..". وقد تبلورت فعلاً لديه تلك الصيغة بمشروع "الميثاق الوطني" الذي ولد بولادة عقد الثمانينات بصدور القرار الجمهوري رقم (5) لسنة 1980م، والذي أقر تشكيل لجنة حوار وطني لصياغة مشروع "الميثاق الوطني" الذي سيكون المنهج السياسي الوطني للدولة اليمنية في عهد الرئيس علي عبد الله صالح آنذاك.
لقد أفتتح الرئيس صالح عقد الثمانينات بمشروع الميثاق الوطني كصيغة ذكية للغاية في بناء وحدة فكر الجماهير اليمنية، والتي تعني أيضاً القاعدة الصلبة التي يمكن أن ترتفع فوقها وحدة القوى الوطنية بجميع فصائلها، وتوجهاتها السياسية والفكرية. ولأهمية ذلك في حسابات الرئيس علي عبد الله صالح للحركة الثورية اليمنية، فقد أمضى الفترة الممتدة من مايو 1980م، وحتى 24-29 أغسطس 1980م. ليس فقط في بناء وحدة الفكر الوطني بل وأداته السياسية العملية التي ستتولى تطبيق الميثاق الوطني والإشراف عليه، وهي "المؤتمر الشعبي العام"، الذي دخلت اليمن عبر بوابته عهداً من التحولات الاستراتيجية الكبرى في مختلف مجالات بناء الدولة.
لكن يجدر بنا عند تناول نشأة تنظيم المؤتمر الشعبي العام الوقوف عند مسألة في غاية الأهمية طالما ظلت موضع الانبهار بالفلسفة الفكرية للرئيس علي عبد الله صالح، والتي هي إقرار صيغة التدرج المرحلي في أسلوب العمل السياسي للمؤتمر الشعبي العام.
وتكمن أهمية التدرج المرحلي في كونه يمثل الخيار الأمثل والأصوب والأوحد لظروف الواقع اليمني آنذاك، ولا نظن بغيرها كانت الأمور ستستقيم للرئيس علي عبد الله صالح، حيث وأن هناك واقع سياسي يمني من أهم سماته:
1. لم يكن هناك ما يستحق وصفه بدولة مؤسسات، مما يعني وجود فراغ سياسي لا يؤهل أي من القوى السياسية الوطنية لممارسة سياسية مفتوحة تحت سقيفة التعددية الحزبية والديمقراطية.
2. عدم امتلاك القوى الوطنية اليمنية أي تجارب أو خيارات سابقة في العمل الحزبي المنظم مما قد ينجم عن أي تعددية حزبية إنزلاقات إلى خارج المسار الديمقراطي الصحيح واتساع هوة الفرقة.
3. وجود التيار الماركسي في الساحة بهياكله المنظمة وكوادره المدربة على العمل السياسي قد يجعله الأقوى على ابتلاع الساحة، خصوصاً مع استشراء جيوب ذلك التيار وتعاظم تأثيرها – بحسب وصف الرئيس صالح للحالة التي أشرنا إليه فيما سبق.
4. إن أية تعددية حزبية في تلك الفترة كانت ستعني تكريس المزيد من الانقسام والتجزئة في بيئة متعددة الولاءات والانتماءات والأفكار، ولم تتحرر بعد من تأثير التدخلات الخارجية أو مراكز الاستقطاب.
إذن بتلك الفلسفة البعيدة النظر تعدّى الرئيس علي عبد الله صالح واحداً من أشق المطبات التي قد تتعرض لها الأنظمة الحديثة في مسار التحول الديمقراطي، ونجح في النفاذ بالساحة الوطنية إلى ميدان رحب لتأهيل التجارب السياسية الجماهيرية، وإنماء مؤسساتها الديمقراطية في الساحة حتى تبلغ الحجم الكفيل بسد الفراغ السياسي وتطوير العملية الديمقراطية من التعددية السياسية إلى التعددية الحزبية الكاملة.
ويشرح الرئيس علي عبد الله صالح سياسة التدرج المرحلي في أسلوب العمل السياسي على إنها ضرورة حتمية قائلاً: " كانت إقامة التعددية الحزبية مباشرة في تلك المرحلة خطأ فادحاً في بلد لا يوجد فيه تقليد ديمقراطي ولم يمارس فيه الانتخاب العام أبداً.. لم يكن ينبغي حرق المراحل بشكل غير مسئول، وإنما وقبل كل شيء تكوين كادرات، وتجميع مناضلين وإرساء أسس حياة عامة عصرية واعتماد المراحل المتتالية.
ثم يضيف الرئيس علي عبد الله صالح تبريرات أخرى للتدرج المرحلي المنطقي: " لم يكن أمراً مجدياً أن نقترح كما فعل البعض إقامة نظام الأحزاب فوراً، لأن ذلك كان سيؤدي إلى الانقسام والشلل والبلبلة.. كان يتوجب على عكس ذلك، تجميع القوى الحية اللازمة وبخاصة التشكيلات السياسية والنقابية داخل حركة واسعة الانفتاح تستطيع أن تختبر أول شكل للانتخاب العام، وهذا ما فعلناه بتأسيس المؤتمر الشعبي العام..".
إذن فالمؤتمر الشعبي العام مثَّل طوال عقد الثمانينات أسلوباً لتطوير التجربة الديمقراطية اليمنية وتفعيل حركة التحول الثورية على أرض الواقع. حيث تمكنت الجماهير اليمنية من خلال ممارسة الانتخابات الحرة المباشرة لأول مرة، وتمرست من خلاله أيضاً على العمل النقابي والجمعيات والاتحادات المختلفة، إضافة إلى توسيع مشاركته السياسية عبر فروع المؤتمر الشعبي العام والمجالس المحلية على مستوى أصغر التقسيمات الإدارية وأخيراً خلال مجلس الشورى الذي شهدت اليمن من أجل تأسيسه أوسع انتخابات جماهيرية عامة حرة ومباشرة في يوليو 1988م( ) وهو ما سنأتي على ذكره في الفصول اللاحقة.

المحور الثالث: التنمية الوطنية الشاملة.
احتل هذا المحور أهمية متميزة في برامج عمل الرئيس علي عبد الله صالح،إذ تناول المشاريع التنموية السياسية والاقتصادية على إنها الديناميكية الآلية التي تحرك عجلة المحاور الأخرى على قاعدة متينة من الارتباطات والمصالح المشتركة،وطبقاً لفكر الرئيس علي عبد الله صالح فإن اليمن عاجزة عن أداء أي دور استراتيجي من غير نهضة تنموية شاملة. .
فأهداف الثورة السبتمبرية تكاد أن تكون جميعها رهناً لذلك الأمر، سواء من حيث إزالة مخلفات الاستبداد وإلغاء الفوارق الطبقية، أو حماية الثورة ومكتسباتها.، ورفع مستوى الشعب اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، ثم إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل، أو الوحدة الوطنية في نطاقاً الوحدة العربية الشاملة. فهذه الأهداف كلها ترتكز إلى ضرورات إيجاد واقع تنموي ناهض يكفل القضاء على مظاهر التخلف، ويؤمن للقيادة اليمنية موارد مستقلة لا تخضع للشروط والتدخلات الخارجية، وبناء اقتصاد واعد يقضي على البطالة ويرفع القدرة الشرائية للمواطن ويقدم له الكثير من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية. وهو أيضاً ما سيمهد طريق الوحدة اليمنية، ويمنح الدولة اليمنية فرصة الانفتاح على إقليمها الجغرافي، وتوثيق أواصر علاقات ومصالح متشابكة مع دوله بالقدر الذي يرسخ ثقافة السلام والاستقرار ويفتح آفاق مشاريع عصرية كبرى – في مقدمتها الوحدة العربية.
ومع أننا تحدثنا عن حجم المشاريع التنموية التي أسسها الرئيس علي عبد الله صالح خلال العام 1979م، إلا أن عقد الثمانينيات – وإن كان يمثل استكمالاً مبرمجاً لمشروع إنمائي تكاملي تواءم مع رئاسة العقيد علي عبد الله صالح- شهد تفجيراً مدوياً لكل الطاقات الوطنية الكامنة على طريق بناء أسس دولة يمنية حديثة تستنهض كل الهمم والإمكانيات،وتسخر جهود عظيمة لانتشال الوطن اليمني من واقعه المؤلم.

أولاً: التنمية السياسية:
لقد عمل الرئيس علي عبد الله صالح منذ بداية عقد الثمانينيات على الانتقال بمؤسسات الحكم إلى صيغة فاعلة، ومدروسة بعناية بما يمنحها القدرة على التكيف مع متطلبات المرحلة القادمة المرسومة لهذه الفترة. حيث أن الرئيس صالح واصل اتباع سياسة المشروع التكاملي للدولة ضمن خطوط العمل المتشابكة، فعمد إلى ربط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحلقات التنمية السياسية للسلطة التنفيذية التي ستتولى مسئوليات المرحلة.
ففي 18 مارس أصدر رئيس الجمهورية قراراً يقضي بإعادة إنشاء وتنظيم وزارة الإدارة المحلية لتحل محل مكتب شئون المحافظات والنواحي الذي تم إلغاؤه. وفي القانون الجديد رقم (35) لسنة 1980م نصت المادة (4) على تنظيم الإدارة المحلية بحيث يكون لكل لواء محافظ بدرجة وزير يصدر بتعيينه قراراً جمهورياً بناءً على عرض رئيس مجلس الوزراء. كما نصت المادة (5) من القانون على أن يعتبر المحافظ هو المسئول الأول في اللواء ويمثل السلطة التنفيذية في إدارة شئون اللواء، وتصدر التوجيهات المركزية من كل المستويات باسم المحافظ.
ويضطلع المحافظ بمهام ومسئوليات ذات طبيعة مزدوجة،فهو من ناحية يعد ممثلاً للسلطة المركزية في اللواء، وهو من ناحية أخرى يقوم بأعمال ذات طبيعة محلية كالإشراف على اللوائح والقرارات والقوانين، والمحافظة على النظام والأمن والاستقرار في اللواء، والتقدم بالاقتراحات ومشروعات الخطط والبرامج التي تستهدف النهوض باللواء اقتصادياً واجتماعياً، إضافة إلى متابعة تنفيذ السياسيات والخطط والبرامج التنموية التي تقرها الدولة، ومتابعة نشاط مكاتب فروع الوزارات والمصالح الحكومية والمؤسسات والهيئات العامة والمختلطة العاملة باللواء.
وما يجدر ذكره أن الفترة 1980م- 1989م رغم أنها شهدت توسعاً لنفوذ المحافظين واستقلالية نسبية في الإدارة والتخطيط للمشاريع التنموية بما يتوافق وحاجة كل لواء، لكنها شهدت تطوراً أخراً لا يقل أهمية عن سابقه وهو أن الدولة كانت عازمة خلال هذه الفترة على إتباع سياسة أكثر حزماً وضبطاً في إدارة شئون المحافظات المتخمة بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية ومن خلال سلطان المحافظين وهو الأمر الذي جعل ما نسبته 35.2% من المحافظين من العسكريين، في حين بلغ نصيب العناصر القادمة من مؤسسات الدولة المدنية 43.2% من إجمالي نخبة المحافظين ، ويليهم في ذلك ذوي الخلفية الدبلوماسية بنسبة 10.8 % ، ثم القادمون من مجلس الشعب التأسيسي بنسبة 8.1 % ،وأخيراً فئة التجار بنسبة 2.7%.( ).
وعلى صعيد آخر امتدت جهود الرئيس علي عبد الله صالح في إعادة تنظيم البيت اليمني إلى مجلس الوزراء أيضاً، ففي (15 أكتوبر 1980م) أجرى رئيس الجمهورية أكبر تغيير وزاري في مرحلة ما قبل الوحدة، ويمكن اعتباره الأهم مرحلياً لسببين هما:
أولاً: تشكلت الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور عبد الكريم الإرياني، وضمت إلى جانبه عدداً من الوجوه الشبابية من ذوي الكفاءات والمؤهلات العلمية ممن لم يسبق لهم الاشتراك في الحكم، وكان ذلك التحول نحو تجديد النخبة الحاكمة يتماشى مع فكر السلطة (القيادة) ومشروعاتها التحديثية للدولة اليمنية التي سبق الحديث عنها.
ثانياً: مثلت هذه الحكومة خروجاً غير مسبوق على التقليد الذي كان معمولاً به والذي يحتل فيه العسكريون صدارة رموز النخبة الحاكمة. حيث شكل الجناح المدني من جهاز الدولة الرافد الأول للنخبة الوزارية الجديدة بنسبة (83.6%) في حين جاء العسكريون بالمرتبة الثانية من حيث مساهمتهم في تكوين النخبة الوزارية، وبفارق كبير جداً بينهم وبين المدنيين، إذ لم تتجاوز نسبتهم (10.9%)( ). وهو الأمر الذي يمكن تفسيره على عدة معاني، بدءً بحاجة النظام إلى خبرات علمية حديثة ومتخصصة تقود الحركة التنموية، ثم بكونه تعبير عن استقرار دائرة الحكم أمنياً، وعن توجه سلمي يواكب الفلسفة السياسية للدولة، وأخيراً تأكيداً لشعارات التنمية الوطنية الثورية الشاملة التي أعلن عنها الرئيس علي عبد الله صالح في مختلف خطاباته السياسة.
وبناءً على الرؤى السابقة جاء قرار رئيس الجمهورية رقم (121) لسنة 1980م الذي انتظمت فيه التشكيلية الوزارية الجديدة لحكومة الدكتور عبد الكريم الإرياني على النحو التالي( ):
1- د. حسن محمد مكي نائباً لرئيس الوزراء للشئون الاقتصادية
2- المقدم/ مجاهد يحيى أبو شوارب نائباً لرئيس الوزراء للشئون الداخلية
3- المهندس عبد الله حسين الكرشمي وزيراً للأشغال
4- حسين علي الحبيشي المستشار القانوني وزيراً للدولة
5- المهندس/ محمد أحمد الجنيد وزيراً للكهرباء والمياه والمجاري
6- المقدم/ لطف حسين الكلابي وزيراً للدولة لشئون مجلس الوزراء
7- علي لطف الثور وزيراً للخارجية
8- أحمد محمد الشجني وزيراً للدولة لشئون مجلس الشعب التأسيسي
9- القاضي/ علي بن علي السمان وزيراً للأوقاف والإرشاد
10- محمد حمود خميس وزيراً للإدارة المحلية
11- أحمد صالح الرعيني وزيراً للشئون الاجتماعية والعمل والشباب
12- د. أحمد علي الهمداني وزيراً للزراعة والثروات السمكية
13- إسماعيل أحمد الوزير وزيراً للخدمة المدنية والإصلاح الإداري
14- د. أحمد عبد الملك الأصبحي وزيراً للتربية والتعليم
15- المهندس/ أحمد محمد الآنسي وزيراً للمواصلات والنقل البري والجوي
16- محمد حزام الشوحطي وزيراً للاقتصاد والصناعة
17- محسن محمد العلفي وزيراً للعدل
18- حسن أحمد اللوزي وزيراً للإعلام والثقافة
19- أحمد محمد لقمان وزيراً للبلديات والإسكان
20- د. محمد يحيى العاضي وزيراً للمالية
21- علي عبد الرحمن البحر وزير الدولة ورئيساً لمؤسسة النفط والثروات المعدنية
22- د. حسين عبد الخالق الجلال وزيراً للتموين والتجارة
23- المقدم/ علي محمد عثرب وزيراً للداخلية
24- فؤاد قائد محمد وزيراً للتنمية ورئيساً للجهاز المركزي للتخطيط
25- د. محمد أحمد الكباب وزيراً للصحة
وفي (22 إبريل 1981م) صدر القرار الجمهوري رقم(60) والقاضي بتعيين كلاً من:
المقدم/ لطف حسين الكلابي وزيراً للإدارة المحلية
أحمد محمد لقمان وزيراً للدولة وأميناً عاماً للمجلس الأعلى للشباب والرياضة
المهندس/ محمد حسين جغمان وزيراً للبلديات والإسكان
وبدا واضحاً أن الرئيس علي عبد الله صالح ما لبث أن اكتشف الفراغ الذي خلفته شخصية السياسي المخضرم عبد العزيز عبد الغني والذي كان يمثل وجهاً اقتصادياً بارزاً أيضاً، وأحد حلقات التوازن مع القوى الوطنية الأخرى، فكان أن أصدر الرئيس القرار الجمهوري رقم (90) بتاريخ (12 نوفمبر 1983م) الذي يشكل فيه حكومة (جديدة) برئاسة عبد العزيز عبد الغني وعضوية معظم الرموز السابقة مع بعض الوجوه الجديدة. وفي (24 نوفمبر 1984م) تم تعيين الدكتور عبد الكريم الإرياني نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية بموجب القرار الجمهوري رقم (63).
وواصلت هذه الحكومة أعمالها في ظل عدد من التعديلات في التشكيلة الوزارية خلال عامي 1985م و1986م، لينتهي بها المطاف في (30يوليو 1988م)، حيث تم حلها، وتشكلت بعدها بتاريخ (31 يوليو 1988م) آخر حكومة في تاريخ الجمهورية العربية اليمنية بموجب القرار الجمهوري رقم (41) وتولى رئاستها عبد العزيز عبد الغني أيضاً حتى قيام دولة الوحدة.
ومما يلاحظ على متغيرات السلطة التنفيذية فيما يخص مجلس الوزراء أن هناك تداخل واضح بين النخبة السياسية والنخبة العلمية، وإن الرئيس علي عبد الله صالح أولى عناية خاصة ومتميزة لمسيرة التنمية بشكل عام، والتنمية الاقتصادية بصفة خاصة، حيث أن حوالي (3.4%) من جملة وزراء تلك الفترة هم من خريجي الاقتصاد، ويحملون أعلى الدرجات العلمية. ويأتي بالمرتبة الثانية من بعد الاقتصاديين خريجي القانون، إذ بلغت نسبتهم (17.4%).
وفي الحقيقة تكشف الدراسات الإحصائية أن الرئيس علي عبدالله صالح أحدث تطوراً نوعياً في مؤسسة الحكم على نحو ملفت للنظر، فبعد أن كانت نسبة الوزراء الذين يحملون مستوى تعليمي (يقرأ ويكتب) في التشكيلة الوزارية الأولى في حكمه عام 1978م تقدر (19.4%) تقلصت هذه النسبة إلى (10.3%) في التشكيلة الوزارية الثانية عام 1980م، ثم أصبحت هذه النسبة (صفراً) في التشكيلة الأخيرة عام 1988م- مع العلم أن ما نسبته (30.9%) من إجمالي النخبة الوزارية هم ممن يحمل مستوى تعليمي (دراسات عليا)، ونسبة (41.8%) يحملون (دراسات جامعية)( ). وهذا يعني أن النخبة الوزارية اليمنية تحظى بمستوى تعليمي متميز يؤهلها لأداء مهامها ومسئولياتها الكبيرة من واقع دراية علمية وخبرات أكاديمية واسعة.. وهو ما يمكن اعتباره بداية حقبة التخطيط والبناء المنهجي للدولة اليمنية.
وإلى جانب ما سبق ذكره، فإن الحديث عن التنمية السياسية في عهد الرئيس علي عبد الله صالح – وإن ظل تناوله ضيقاً للغاية في معرض الكتابات اليمنية المعاصرة عند تناولها لمنجزات الرئيس- إلا أنها كانت تمثل منهجاً راقياً جداً في أسلوب التنمية الشاملة للدولة، وتستحق الكثير من الدراسة والتحليل والتقييم، كونها أعطت العمل السياسي أسباب نجاحه، ومقومات تطوره وانتقاله إلى مراحل أخرى أكثر اكتمالاً وأقوى تفاعلاً مع عناصر البناء الوطني الثوري للدولة اليمنية الحديثة.
وما يمكن إضافته أيضاً إلى ذلك البناء النوعي للسلطة.. أسلوب التوافق المرحلي بين الرمز السياسي ومقتضيات الظرف الآتي والغاية المرحلية التي يراد التحول إلى مربعها.
فالرئيس علي عبد الله صالح يعتمد سياسة التدرج المنطقي في العمل التنموي أسوة بالعمل السياسي. ويحرص على انتقاء رموزه السياسية (وزراء) على أساس قدراتهم الفنية في ترجمة مفردات غايات مرحلية محددة. فمثلما يحشد للمشروع الاقتصادي كبار الأكاديميين المتخصصين، فإنه يراعي أيضاً أن تظم حكومة بلاده المحاورين المحنكين عندما يتعلق الظرف بمشروع تصفية خلافات حدودية مع دول الجوار، أو مباحثات وحدودية مع الشطر الآخر.. وللسياسات الانفتاحية الخارجية أشخاصها كذلك.. وهكذا يجري الأمر مع كل انتقالة، وهو الأمر الذي يفسر التعديلات الوزارية التي كانت تشهدها الحكومات اليمنية من حين لآخر. ولعل خير الأمثلة على هذا النهج هو ما كان من إقالة (الأصنج وباسندوة) في 21 مارس 1979م اللذين كانا يقفان عقبة في طريق أي تقارب مع نظام الشطر الجنوبي أولاً، ولأنهما يمثلان نفوذاً خليجياً في دولته( ) المتطلعة إلى التحرر من أي تأثيرات سياسية خارجية.
وفي مرحلة أخرى كان المقدم مجاهد أبو شوارب وآخرين يمثلون جسر التواصل مع بغداد الذي تمر عليه ليس الدعومات الاقتصادية وحدها، بل وحتى مناورة الموازنة الإقليمية لدول المنطقة( ). ومن المؤكد أن سلطة المشائخ لم تعد تصلح وجهاً سياسياً لدولة تتطلع للحداثة، وإن القيادات الكلاسيكية المخضرمة التي رسمت ملامح حقبة الثمانينات بكل منجزاتها العظيمة لن تكون الأصلح عند الوقوف على أعتاب الألفية الثالثة، وسيضطر الرئيس صالح إلى تعزيز ساحته بالدماء الشابة الجديدة القادرة على مواكبة عالم الحداثة وعصر العولمة.
وبلا شك أن أسلوب التوافق المرحلي سيمثل موضع انبهار جديد بوسائل الرئيس صالح في الإصلاح السياسي والبناء التنموي للدولة اليمنية.

ثانياً: برامج التحولات الثورية
دخلت اليمن في عقد الثمانينيات مرحلة نهضوية فريدة، تعد الأولى من نوعها وحجمها في تاريخ الثورة الذي مثلت له انبعاثاً حقيقياً أعطى الثورة السبتمبرية مدلولاتها الحركية وتراجمها العملية. وللوقوف على طبيعة وحجم الحركة التنموية التي قادها الرئيس علي عبدالله صالح خلال هذه الحقبة ارتأينا متابعة ذلك على أساس خطط ومشاريع كل عام على حدة، رغم إن الكثير منها تتداخل ضمن برامج أكثر من عام.
نحن إذ نستعرضها هنا فهو من باب الشواهد التاريخية التي تعيننا على تقييم هذه المرحلة من عهد الرئيس صالح، وليست من باب الحصر لتلك المنجزات، حيث أن هناك الكثير من المشاريع التي لم نأت على ذكرها لأسباب تتعلق بمساحة دراستنا هذه.

من مفكرة العام 1980م:
• عكفت القيادة اليمنية خلال هذا العام على وضع دراسات ومراجعات اقتصادية بهدف تحقيق غايتين: الأولى رفع ومضاعفة حجم ومعدلات الإنتاج من خلال إعطاء الأولوية في الخطة الخمسية الثالثة لقطاع الإنتاج والجاري الإعداد لها للنشاط الصناعي الزراعي بهدف التقليل من الاعتماد على الاستيراد. أما الغاية الثانية فهي وضع حد لموجة التصاعد المستمر في أسعار السلع الاستهلاكية من خلال إيجاد صيغة مناسبة لتثبيت الأسعار وضمان استقرارها.
• وصول أسلحة ومعدات عسكرية جديدة لليمن، والحكومة اليمنية تتعاقد مع خبراء أجانب وعراقيين لتدريب الجيش اليمني، وتزامن ذلك مع التحاق آلاف الشباب بالخدمة العسكرية استجابة لقانون خدمة الدفاع الوطني الصادر في الثامن من شهر سبتمبر 1979م. وهذه الجهود تصب في خدمة وتحديث وتطوير القوات المسلحة.
• رئيس الجمهورية يوجه نداءً تاريخياً للعمال بتشكيل نقاباتهم.
• رئيس الجمهورية يصدر قانون الانتخابات رقم (29) لسنة 1980م،ولأول مرة في التاريخ اليمني تمنح المرأة حق المشاركة السياسية ( حق الانتخاب والتصويت).
• رئيس الجمهورية يصدر قانون رعاية أسر الشهداء والعسكريين.
• إنشاء كلية الطيران والدفاع الجوي في شهر سبتمبر.
• رئيس الجمهورية يصدر قانون التقاعد العسكري في شهر أكتوبر.
• تأسيس الشركة اليمنية للنقل البحري بين الشطرين.
من مفكرة العام 1981م:
• الخطة الخمسية تحقق نمو سنوي يزيد على 7%، وذلك الرقم العالي يعود إلى حجم الإنفاق الحكومي الكلي الذي تم صرفه في مختلف القطاعات والذي كان على النحو التالي:
في قطاع المواصلات والنقل تم إنفاق ( مليارين وأربعمائة وثمانية وثلاثين مليون ريال)، وفي قطاع البناء والتشييد ( ملياراً ومائتين وسبعين مليون ريال)، وفي مجال الكهرباء والمياه ( مليار وثلاثمائة وثلاثين مليون ريال)، وفي قطاع الصناعة (مليار وثمانية عشر مليون ريال)، وفي قطاعي التربية والتعليم والصحة ( مليار ومائتين وأربعة وتسعين مليون ريال)، وفي قطاع الزراعة ( ستمائة وأربعين مليون ريال).
• انعقاد أول مؤتمر للسفراء اليمنيين في صنعاء في الثاني عشر من شهر يناير.
• المباشرة بأول حملة وطنية لمحو الأمنية والرئيس يعتبر العام 1982م هو (المدخل الفاصل للقضاء على مشكلة الأمية).
• افتتاح أول شركة للسياحة بين صنعاء وعدن.
• تأسيس اتحاد طلاب اليمن.
• إنشاء أول مؤسسة للاتصالات السلكية واللاسلكية في شهر مايو.
• إنشاء وزارة الكهرباء والمياه.
• إنشاء المعهد العالي للقضاء بموجب القانون رقم (6) لسنة 1981م، بتاريخ 3 أكتوبر 1980م.
• التوقيع على اتفاقية المشاركة في الإنتاج مع شركة "هنت" الأمريكية للاستثمارات النفطية لحفر آبار منطقة مأرب/ الجوف، وهي أول اتفاقية استثمارات بترولية في التاريخ اليمني وكان ذلك في 3 سبتمبر 1980م.
• الحكومة اليمنية تستنفر كل الهمم الرسمية والشعبية لمواجهة كارثة الزلزال الذي ضرب مدينة (العدين)،وتسبب بدمار هائل وضحايا بالمئات،وكان ذلك أواخر شهر ديسمبر من هذا العام.
من مفكرة العام 1982م:
• أصبحت القوات المسلحة في هذا العام تمتلك من العتاد ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، وبنفس القدر أيضاً ارتفع مخزون الدولة من الأسلحة الحديثة عما كانت تمتلكه من الأسلحة التقليدية، وأصبح في صفوف القوات المسلحة والأمن عدداً كبيراً جداً من الكوادر الفنية المؤهلة في الخارج لدى العراق ومصر وسوريا وبعض الدول الصديقة التي فتحت أبوابها للبعثات العسكرية اليمنية يحثها على ذلك وضوح ومرونة وصدق سياسية اليمن الخارجية.
• وضع حجر الأساس لمصنع إسمنت (المفرق) بطاقة إنتاجية تقدر ب(500) ألف طن سنوياً.
• وضع حجر الأساس لمشروع الطاقة الكهربائية بمدينة "المخا" لتأمين الطاقة لمحافظة تعز بنواحيها واقضينها ومحافظة إب وجزء من محافظة البيضاء وذمار.
• وضع حجر الأساس لنصب الجندي المجهول بتاريخ 21 يوليو.
• لأول مرة – تسمية شوارع صنعاء ومدنها والمحافظات الأخرى رسمياً في 23 يوليو.
• انعقاد المؤتمر العام الثاني للمغتربين برعاية رئيس الجمهورية في الفترة (16-20 مايو 1982م).
• إنشاء بنك التسليف التعاوني الزراعي بموجب القرار رقم (9) لسنة 1982م.
• توقيع اتفاق مبادئ لتطبيع العلاقات مع سلطنة (عمان) بوساطة كويتية- إماراتية في 27 أكتوبر، ويبدأ سريان الاتفاق في 15 نوفمبر من العام نفسه.
• تأسيس المؤتمر الشعبي العام في الفترة 24-29 أغسطس، ويعتبر الحدث الأعظم خلال العام 1982م.
• رئيس الجمهورية يعلن هذا العام عاماً وطنياً للقضاء على الأمية.
من مفكرة العام 1983م:
• جهود حكومية كبيرة لزيادة الإيرادات الوطنية والحد من الاستيراد الخارجي، والأجهزة الحكومية تبدأ العمل بسياسة التقشف وشد للأحزمة على البطون، لمواجهة الأضرار الفادحة التي تسببت بها كارثة الزلزال أولاً، ولتعرض اليمن لمشكلة الجفاف للعام الثاني على التوالي.
• رئيس الجمهورية يقود حملة إعادة أعمار المناطق المتضررة بالزلزال، وبناء مساكن للأسر التي شردتها الكارثة.
• إجراء انتخابات المجالس البلدية في شهر نوفمبر، ورئيس الجمهورية يؤدي اليمين الدستورية للمرّة الثانية في 23 نوفمبر.
• توسيع عضوية المؤتمر الشعبي العام وتشكيل فروعه في المحافظات.
• الرئيس يصدر قرار عفو عام عن المساجين والمغرر بهم في صفوف الجبهة الديمقراطية.
• إنشاء الكلية الحربية في شهر أكتوبر.
• تأسيس الشركة اليمنية للأدوية.
• شق أول طريق بين مدينتي تعز وعدن في 14 أكتوبر.
من مفكرة العام 1984م:
• رئيس الجمهورية يعلن هذا العام عاماً للتنمية الزراعية، ويوجه جهوداً حكومية كبيرة جداً لخدمة هذا الغرض،ويدعم بنك التسليف الزراعي بأموال طائلة من أجل تقديمها للجمعيات التعاونية الزراعية ومشاريع إصلاح التربة.
• التوقيع على اتفاقية استثمار الموارد الطبيعية المشتركة مع الشطر الجنوبي.
• تدشين أول بئر نفطية إنتاجياً من حوض مأرب/ الجوف، وبدء عمليات التنقيب في تهامة والمياه الإقليمية، وذلك في التاسع من شهر يوليو.
• البدء بحملة دولية لحماية مدينة صنعاء القديمة وترميمها كواحدة من أبرز المعالم السياحية والأثرية في اليمن.
• افتتاح مدينة الثورة الرياضية، كذلك إقامة المهرجان الأول لعروض الشباب.
• وضع حجر الأساس لمشروع إعادة أعمار سد مأرب التاريخي، والرئيس يؤدي زيارة لتركيا في شهر أكتوبر ويبرم اتفاقاً مع شركة تركية لمباشرة عمل إعادة أعمار سد مأرب.
• القوات المسلحة اليمنية تبدأ باستصلاح الأراضي وبناء المزارع النموذجية وعلى نطاق واسع كأول مشروع لاستثمار الجيش مدنياً ضمن الأطر التنموية الوطنية.
اليمن تشهد أول انتخابات طلابية منذ تأسيس الاتحاد الطلابي في عام 1981م وجرت ا لانتخابات في الفترة 8-14 ديسمبر.
صنعاء تستضيف مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في شهر ديسمبر.
• انعقاد الدورة الاعتيادية الثانية للمؤتمر الشعبي العام.
من مفكرة العام 1985م:
• إنشاء المجلس الأعلى للنفط في الثالث والعشرين من شهر فبراير.
• وضع حجر الأساس لمصفاة تكرير المواد البترولية.
• البدء بتنفيذ مشروع الضخ من حوض مأرب/ الجوف إلى المواني اليمنية على ساحل البحر الأحمر.
• إنشاء كلية القيادة والأركان بموجب القانون رقم (14) لسنة 1985م.
• إنشاء معهد الشهيد الثلايا لتدريب وتأهيل القادة بموجب القرار رقم (27) لسنة 1985م، ليحل محل المركز الحربي.
• لأول مرة – إنشاء اتحاد الحقوقيين اليمنيين في الثامن من شهر سبتمبر.
• إصدار قانون المجالس المحلية رقم (12) لسنة 1985م وإجراء انتخابات المجالس المحلية في الفترة 5-7 أكتوبر.
• البدء بمشروع تحديث المناهج العلمية للكليات العسكرية بهدف التواكب مع تطورات العصر وتحديث المؤسسة العسكرية.

مراجعة وتقييم:
من خلال المراجعات الأولية للخطوط العامة لمسيرة البناء والتحولات التنموية التي قادها الرئيس علي عبد الله صالح في النصف الأول من عقد الثمانينيات، بإمكاننا الوقوف على بعض الأرقام التي بمقدورها إعطاءنا تقييماً عاماً للمرحلة، ولطبيعة الخطط والبرامج التي كانت معتمدة لها.
1. في قطاع التربية والتعليم – تم إنشاء الكثير من المدارس ومعاهد المعلمين والمعاهد الفنية المتخصصة، والتي بلغ عددها (5251) خمسة آلاف ومائتان وإحدى وخمسون مدرسة، وبلغ عدد الطلاب المسجلين للعام الدراسي 1985/1986 (1.039.000) مليوناً وتسعة وثلاثين ألف طالب وطالبة، مبلغ متوسط الإنفاق السنوي على التعليم خلال الخطة الخمسية الثانية ( ملياراً ومائتين وخمسين مليون ريالاً سنوياً).
2. في مجال الصحة- وصل عدد المستشفيات والمراكز الصحية في العام 1985م إلى أكثر من (33) ثلاثة وثلاثين مستشفى و(235) مائتان وخمسة وثلاثين مستوصفاً ومركزاً صحياً. وبلغ إجمالي الإنفاق على خدمة الصحة ما يزيد عن "أربعمائة مليون ريالاً سنوياً".
3. مشاريع المياه- تم تنفيذ (721) سبعمائة وواحد وعشرين مشروعاً من مشاريع مياه الريف. وبلغ إجمالي الإنفاق الحكومي في هذا المجال خلال الخطتين الخمسيتين الأول والثانية ( مليار وتسعمائة وأربعة وثمانين مليون ريال). وقامت التعاونيات بدعم من الدولة بإنجاز ثلاثة آلاف ومائتين وثلاثة وتسعين مشروع مياه بتكلفة (254) مليون ريال.
4. الطرق والمواصلات- تم رصف آلاف الكيلومترات من الطرقات بالإسفلت فارتفعت من (924) كم عام 1976م إلى (2774) كم عام 1985م. أما الطرق الترابية المعبدة فقد وصلت إلى أكثر من (27) ألف كم. وقد بلغ متوسط الإنفاق السنوي على مشاريع الطرق والمواصلات والنقل (674) مليون ريال.
5. الأوقاف- شيدت الدولة آلاف المساجد حتى بلغ عددها (6251) مسجداً، بلغ إجمالي الإنفاق عليها ( ملياران وسبعمائة وخمسين مليوناً وستين ألف ريال)، بالإضافة إلى ما تم إنفاقه لإقامة مدراس تحفيظ القران الكريم وإصلاح، وترميم المساجد القائمة وتحسينها.
6. الكهرباء- ارتفعت الطاقة الكهربائية من (15) ميجاوات عام 1975م، إلى (413) ميجاوات عام 1985م، وبلغ مجموع الإنفاق الحكومي على مشاريع الكهرباء (أربعة مليارات وأربعمائة وخمسة وتسعين مليون ريال).
7. الصناعة- ظلت الاستثمارات الصناعية في حالة تصاعد مستمر لتصل في نهاية العام 1984م إلى (671) مليون ريال موزعة على (77) مشروعاً، وقد تجاوزت أرقام النمو في المشاريع الاستثمارية الصناعية الأرقام المخصصة لها في الخطة الخمسية الثانية.
من مفكرة العام 1986م:
• احتفلت اليمن في الثاني عشر من أبريل بافتتاح أول مصفاة لتكرير النفط.
• احتفلت اليمن في الحادي والعشرين من شهر ديسمبر بافتتاح سد مأرب التاريخي، وشارك (تورغوت آوزال) رئيس وزراء تركيا في حفل تدشين إعادة بناء سد مأرب.
• البدء بمشروع مد أنابيب ضخ النفط من مواقع الإنتاج إلى مواني التصدير، بتكلفة (300) مليون دولار.
• أجرت اليمن في فبراير التعداد العام للسكان وأعلن عن مجموع نفوس سكان اليمن (9.274.173) نسمة.
• إنشاء مركز التدريب الفني للقوات الجوية، والدفاع الجوي بهدف إعداد كوادر مؤهلة ومتخصصة.
• عقد المؤتمر الشعبي العام دورته الثالثة في مدينة تعز في الفترة 25-30 أغسطس.
• ولأول مرة تم في شهر ديسمبر من هذا العام طباعة دستور دولة الوحدة بنصه الكامل.
• أقيمت دورات الإعداد والتأهيل المتكاملة لمديري النواحي الذين تسلموا مسئولياتهم هذا العام.
• بدء الحفر في حقل (معين) و(ريدان) ، وتواصل التنقيب في حقلي (ظفار) و(حمير).
من مفكرة العام 1987م:
• رئيس الجمهورية يعلن هذا العام عاماً للتحول والاعتماد على الذات.
• إنشاء المؤسسة العامة للتجارة الخارجية والحبوب بموجب القرار رقم (1) لسنة 1987م.
• البدء بتصدير النفط، وتدشين خط الأنبوب بأول شحنة نفط من الخزان العام (صافر) من حقول مأرب في 17 نوفمبر.
• إنشاء محطة جديد لتعبئة الغاز في صنعاء، وتحسين محطة الحديدة.
• بدء خطوات تنفيذية لإقامة المنشآت الحقيقية لاستخلاص الغاز الطبيعي.
• صدور عدد من التشريعات وفي مقدمتها (القانون المدني) وكذلك عدد من القوانين المنظمة لأعمال الوزارات والمؤسسات والمصالح والهيئات الحكومية الشعبية.
• رئيس الجمهورية يقود دور فاعل ومثمر في المصالحة العربية وإعادة مصر إلى الصف العربي بعد مقاطعتها الطويلة إثر توقيعها على اتفاقية "كامب ديفيد" -سيئة الصيت – عام 1978م.
من مفكرة العام 1988م:
• رئيس الجمهورية يطلق على هذا العام عام البناء والتغيير في الحاضر والمستقبل، وعام المعسكرات الصيفية.
• إقامة المعسكرات الصيفية لشباب (الثورة والميثاق) التي احتضنتها وأشرفت عليها القيادة العامة للقوات المسلحة، واللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام.
• الإعلان عن اكتشاف حقلي (الشورى) و(أسعد الكامل) التي رفعت معدل احتياطي النفط اليمني.
• البدء في حفر أول بئر استكشافية في المنطقة المغمورة الواقعة بين (المخا والحوطة) أواخر هذا العام.
• توقيع اتفاقية مع شطر الوطن الجنوبي على إقامة مشروع استثماري نفطي مشترك على حدود الشطرين.
• إجراء الانتخابات العامة الحرة المباشرة لمجلس الشورى في الخامس من شهر يوليو.
• الإعلان عن قيام مجلس التعاون العربي بين اليمن، والعراق، ومصر، والأردن.
• انعقاد الدورة الرابعة للمؤتمر الشعبي العام في صنعاء في الفترة 12-15 نوفمبر بحضور وفود عربية وأجنبية غفيرة.
من مفكرة العام 1989م:
• رئيس الجمهورية يفتتح معرض الكتاب الأول للطفل في السابع والعشرين من شهر يوليو.
صنعاء تحتضن مجلس التعاون العربي بحضور الرؤساء صدام حسين وحسين مبارك والملك الحسين بن طلال في شهر سبتمبر.
• صدور قرار جمهوري بتشكيل المجلس الاستشاري.
• منح الرئيس علي عبد الله صالح درجة الماجستير الفخرية بالعلوم العسكرية.
• الإعلان تجارياً عن حقلي (الشورى) و(أسعد الكامل) في السابع من شهر أغسطس.
• توقيع اتفاقية الوحدة بين شطري اليمن في الثلاثين من شهر نوفمبر بمدينة عدن.
• رئيس الجمهورية يُصدر عفواً عاماً عن السياسيين في الرابع والعشرين من شهر ديسمبر.

من كتاب (علي عبد الله صالح .. تجارب السياسة وفلسفة الحكم)
تأليف : نزار خضير العبادي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.