- بقلم: عوديد عيران وداليا ليندنشتراوس - في الاسابيع الاخيرة تتعاظم التقارير عن أن تركيا واسرائيل تقدمتا في الاتصالات نحو الوصول الى اتفاق لحل ازمة مرمرة. وقد سجل اغلب الظن تقدم هام بشكل خاص بالنسبة للاتفاق على مبلغ التعويضات الذي ستدفعه اسرائيل. وحسب الميل الايجابي، ورغم ان هذه مصلحة اسرائيلية هامة لاستئناف العلاقات السياسية مع تركيا، تجدر الاشارة الى عدة مخاوف بالنسبة للتوقيت الحالي، لا ينبغي لها أن تمنع اسرائيل من التقدم بل ان تتخذ فقط جانب الحذر. قضايا الفساد التي انكشفت في تركيا في منتصف كانون الاول 2013 أدخلت حزب العدالة والتنمية ولا سيما رئيسه، رئيس الحكومة التركية، رجب طيب اردوغان في موقف الدفاع عن النفس. وردا على ذلك، اتخذ اردوغان سلسلة من الخطوات الاشكالية كنقل مئات من افراد الشرطة والمحققين من مناصبهم، تعديلات دستورة تقيد استقلالية السلطة القضائية وتضع حدودا على التصفح الحر في شبكة الانترنت. واضافة الى ذلك، يتواصل المس بالصحفيين ذوي الموقف النقدي من السلطة. وحقيقة أن اردوغان وقف جبهويا ضد الزعيم الديني، فتح الله غولان، ممن له بضع ملايين المؤيدين في تركيا، هي الاخرى تمس بقسم من قاعدة الدعم لحزب العدالة والتنمية. وفي ضوء هذه التطورات وفي ضوء المصاعب الاقتصادية التي نشبت في اعقاب الهزة الداخلية في تركيا، نشأ الانطباع بان حزب العدالة والتنمية بحاجة الى انجازات ما على مستوى السياسة الخارجية لتوازن الصورة السلبية. انجاز واحد كهذا هو استئناف محادثات السلام حول مستقبل قبرص في بداية شباط 2014، مع ريح اسناد امريكية هامة أكثر من الماضي. انجاز آخر يمكن أن يكون الوصول الى اتفاق مع اسرائيل. واذا كان الاتفاق مع اسرائيل اعتبر في الماضي اتفاقا يمكنه أن يعرض اردوغان للخطر سياسية اكثر مما يجديه نفعا، يبدو أن الان يوجد تغيير في الفهم في حزب العدالة والتنمية. فضلا عن ذلك، فان تركيا تدخل في فترة حساسة أكثر بسب حقيقة أن ثلاث حملات انتخابية متوقعة في السنتين القريبتين. في 30 اذار 2014 ستجرى الانتخابات المحلية في تركيا. وتجدر الاشارة الى أنه في الحالات الانتخابية السابقة ايضا كانت صلة وثيقة بين حملة الانتخابات المحلية وحملة الانتخابات القطرية، وفي ضوء الاتهامات بالفساد تجاه حزب العدالة والتنمية، يبدو بالتأكيد بان هذه الانتخابات تشكل نوعا من الاختبار لحزب السلطة. وحسب نتائج الانتخابات المحلية سيقرر اردوغان ايضا اذا كان سيتنافس على منصب الرئاسة (في الانتخابات المباشرة التي ستعقد في صيف 2014)، ام يغير الدستور الداخلي لحزبه كي يتمكن من أن يتنافس للمرة الرابعة في الانتخابات البرلمانية للعام 2015 (وربما تقديم موعدها لمنع تعزز المعارضة). من هذه الناحية يبدو ان الانتخابات القريبة ذات مغزى وليس لاسرائيل مصلحة (اذا كان يوجد لها على الاطلاق تأثير في هذا السياق) في تعزيز اردوغان قبيلها. ومن جهة اخرى، في ضوء أنه في الاستطلاعات التي اجريت في تركيا منذ الكشف عن قضايا الفساد لا تزال نسب التأييد لحزب العدالة والتنمية عالية، فان الاحتمال لتغيير هام (ربما باستثناء رئيس بلدية اسطنبول) لا يزال يبدو طفيفا. ورغم قضايا الفساد يبدو أن نسبة هامة من الجمهور التركي لا تزال تعتقد بان البدائل القائمة اليوم لحزب العدالة والتنمية اسوأ منه. الوضع الذي علق فيه رئيس الوزراء التركي – اهتزاز حكمه والانتقاد المتنامي، الداخلي والخارجي – يثير الخوف من أن تنفيذ كل شروطه لانهاء قضية مرمرة سيكون موضع استغلال من جانبه لاغراض سياسية داخلية. ولما كان الصراع السياسي الداخلي من شأنه ان يستمر لاشهر طويلة، فان كل خطوة اسرائيلية، سواء أدت الى الانهاء الرسمي للقضية أو استمرار المداولات، ستستغل بشكل ساخر من جانب اردوغان. على جدول الاعمال، في شبكة العلاقات بين اسرائيل وتركيا توجد مواضيع ثقيلة الوزن ومسألة انهاء قضية مرمرة يجب أن توضع في ضوئها. لا ريب أن الحكم الذاتي الكردي في شمالي العراق ولاحقا ربما ايضا في شمالي سوريا هو عامل قديم – جديد في شبكة العلاقات الاسرائيلية – التركية. فالتعاون الكردي الاسرائيلي هو مصلحة اسرائيلية استراتيجية وهو من شأنه أن يكون على تناقض مع الاعتبارات التركية. الصورة الجديدة لسوريا، مثلما ستبلور في السنوات القريبة القادمة هي موضوع للتعاون الاسرائيلي – التركي على الاقل في كل ما يتعلق بمكافحة الارهاب، ولكن يمكن لها ان تتطور الى منافسة على مناطق النفوذ وبالتوازي الى منافسة على مناطق حرية العمل العسكري. كل مسألة تصدير الغاز الطبيعي من الارض الاقتصادية الاسرائيلية في البحر المتوسط ترتبط بالخطوات السياسية الاقتصادية لتركيا سواء حيال اسرائيل نفسها، ولكن ايضا حيال لاعبين آخرين كقبرص، روسيا والاتحاد الاوروبي. هذه مسألة ذات آثار اقتصادية وسياسية ثقيلة وبعيدة المدى على اسرائيل. من كل ما قيل أعلاه، يفهم انه مع أن على حكومة اسرائيل ان تواصل المفاوضات الهادئة مع الحكومة التركية، الا انه ينبغي لها أن تنتظر لترقب التطورات السياسية الداخلية في تركيا، في المحيط الفوري لاسرائيل وفي تركيا وفي الساحة الدولية. وهكذا مثلا فان لاستمرار المسيرة السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين أثرا على علاقات اسرائيل – تركيا. واتفاق فوري مع تركيا كفيل بان يخفف من احساس العزلة الدولية لاسرائيل ولكن هذا انجاز للمدى القصير، وعدم الوصول الى اتفاق مع الفلسطينيين سيطلق بلا ريب تصريحات تركية علنية ضد اسرائيل. وفي المسائل العملية ايضا كتصدير الغاز الى وعبر تركيا لا يزال ممكنا الانتظار، وذلك لانه حتى في هذا الموضوع جملة الاعتبارات جد مركبة وتخرج عن المسألة الضيقة لقبول كل شروط تركيا لانهاء قضية مرمرة، التي بعد عدة اسابيع ستسجل أربع سنوات على حدوثها.