من حق الإنسان اليمني أن يفخر باليمن وحضارتها وتاريخها العريق، ومن حقه أيضاً أن يُعَرِّف الآخرين ببلده بل هذا واجب عليه. لكن إذا كان الناس من حوله لا يعرفون بلده لأنهم لم يسمعون عن اليمن من قبل فماذا بوسعه أن يفعل!؟ هل يمر عليهم واحداً واحدا لتعريفهم بوطنه؟ سوف يفني عمره ولن يصل إلى هدفه ولن يغير ذلك شيء. هل يجب عليه تنظيم لقاءات وندوات؟ من الصعب أن يقوم بذلك شخص واحد وبمجهود فردي. وإذا كان من حوله يعرفون اليمن بسمعة سيئة فالمهمة ستكون أصعب بكثير. يجب أولاً محو تلك الصورة السيئة من عقول الناس ثم تعريفهم بالجوانب الإيجابية وهذا أمر يحتاج إلى جهود جبارة لأن الإعلام قد أثر كثيراً في زرع أفكار من الصعب محوها بجهود فردية وبدون دلائل واقعية تثبت عكس تلك الصورة. هذه هي إحدى المشكلات التي أواجهها ويواجهها كل يمني في بلدان الاغتراب. بالطبع سيفاجئ البعض من القراء- كما فوجئت أنا- من أنه يوجد ناس في المجتمع الأوروبي لا يعرفون أن هناك بلد اسمه اليمن. والمحزن أن هناك من الشباب من المغرب العربي سواء ممن ولدوا في أوروبا أو من أتوا من بلدانهم للدراسة يجهلون وجود بلد عربي اسمه اليمن، وبعضهم سمعوا عن اليمن لكنهم يجهلون أنه بلد عربي. فمنهم من يعتبره أنه من دول شرق أسيا ومنهم من يظن أنه تقع في أفريقيا وغيرها من الآراء. ومن قُدِّرَ له أن سمع عن اليمن لا يعرفها إلا بسمعتها السيئة التي نشرها الإعلام- سواء بحيادية أو بنية مغرضة- والتي ساهمت في خلقها عادتين سيئتين هما مضغ القات وحمل السلاح، ومشكلتين هما الإرهاب وخطف السواح الأجانب. منذ أن يغادر الإنسان اليمني بلده والسمعة السيئة تطارده أينما حل. المواقف كثيرة لكني سأكتفي بسرد البعض منها والتي حدثت لي في بلد إقامتي في فرنسا. في ديسمبر 2004 شهدت موقف مؤلم يلخص نظرة الأجنبي لليمن واليمنيين. حدث هذا الموقف بين صديق يمني وصاحب البيت المستأجر منه، وهو فرنسي طاعن في السن،. تصل رسائل المستأجِرين إلى صندوق بريد مالك البيت ثم يقوم بتوزيعها على الشقق. وفي أحد الأيام استلم صديقي طرد بريدي مفتوح، فسأل الشاب اليمني صاحب البيت عن الذي فتح ظرفه، فأجابه العجوز بأنه هو الذي فتحه. تعجب صديقي من ذلك الفعل وكان يظن أن الشيخوخة هي من ولَّدت لديه حب الإطلاع على محتوى الطرد. سأله عن سبب فتحه للطرد فأجاب الرجل: "تريد أن تعرف لماذا فتحت طردك؟ انتظرني سأعود". صعد الرجل إلى شقته وعاد وهو يحمل صفحة من جريدة فرنسية ثم قال: "خذ اقرأ هذا المقال عن بلدك اليمن وستعرف لماذا فتحت هذا الطرد". كنت حينها في زيارة لصديقي وشهدت ذلك الحوار. كان ذلك مقال قديم من عام 2002 يدور حول تفجير الهجمات الإرهابية ضد سفينة لامبيرج الفرنسية على سواحل ميناء الضبة في المكلا. لقد أُصبنا بالذهول من ذلك التصرف، لكن ماذا نقول لهذا العجوز؟ كيف يمكن إقناعه بأننا شباب نحب السلام وننبذ العنف والإرهاب وإن الإرهاب والإرهابيين موجودين في كل بلدان العالم؟ حاولنا أن نشرح له ذلك لكن لا نظنه اقتنع. في شهر سبتمبر 2006 التقيت بدكتورة فرنسية، وخلال الحوار سألتني عن جنسيتي فأجبتها بأني يمني. نظرت إلي باستغراب ثم لَزِمَت الصمت. سألتها ما إذا كانت تعرف اليمن، فأجابت: نعم. سألتها ما إذا سبق لها وأن زارت اليمن. قالت بأنها لم تزر اليمن ولن تفكر في ذلك لكنها تعرف اليمن بسبب قضايا الاختطافات وخاصة قضية اختطاف السواح الفرنسيين والتي كان حينها حديث الساعة. في حوار دار بين مجموعة من الطلاب سألتني فتاة جزائرية عن بلدي فقلت لها بأني يمني. وأضاف شاب مغربي: "إنه من بلد ملكة سبأ". أرادت تلك الفتاة أن تصحح معلومة ذلك الشاب المغربي وقالت له بأن ملكة سبأ هي حبشية ولم تسمع قط بأنها يمنية. لكني والشاب المغربي أقنعناها بالأدلة التاريخية بأن ملكة سبأ يمنية وأن مملكتها امتدت إلى الشواطئ الغربية للبحر الأحمر. وعلى إثر ذلك سألتني لماذا كانت تسمى اليمن ب"اليمن السعيد". فشرحت لها أسباب تسمية جنوب شبه الجزيرة العربية ب"العربية السعيدة" أو ب"اليمن السعيد". ثم سألتني لماذا لم تعد اليمن بلد " سعيد" في العصر الحالي. حينها لم أستطع أن أشرح لها ذلك فقلت لها والقلب يعتصر ألماً: "ماذا أقول لكِ!!؟ هذا السؤال يجب طرحه على الحكومة اليمنية...فلديها الجواب الشافي". وفي لقاء جمع بعض الشباب العرب من جنسيات مختلفة جاء ذكر اليمن على لسان أحدهم. حينها سألني أحدهم عن مفعول القات ولماذا يعد من المخدرات في بعض البلدان كدول الخليج وأوروبا. وقبل أن أشرح لهم ذلك بادر شاب مصري بالقول "ده أرف، تخيل شعب بحاله يأكل الأشجار من الظهر إلى المغرب كالماعز!". هذا الجواب سد أمامي باب الحوار، وإن كانت الطريقة التي رد بها غير لائقة إلا أن كلامه صحيح، فهو محق بأن هذه الشجرة عبئ على الوطن والمواطن، وهي أحد أهم أسباب تخلف اليمن عن مواكبة الحداثة وعدم النهوض. المواقف كثيرة، منها المحرجة، ومنها المخزية، ومنها المحزنة. ومما يزيد الطين بلة أنه في أي حوار عن اليمن يقوم بعض الشباب اليمنيين- بلا شك بدافع الوطنية- ب"فرد عضلاته" متحدثاً عن الحضارة اليمنية وتاريخ اليمن في حين أن الحوار يدور حول الوضع الحالي لهذا البلد، عن المستوى الاقتصاد والعلمي والثقافي والصحي. ولا يمل بعضهم من الحديث عن حضارة اليمن، "كانت اليمن، وكانت الحضارة اليمنية، وكانت سبأ، و...."، ويتحاشون الحديث عن الحالة التي وصلت إليها البلاد في الوقت الراهن. يتحاشون الحديث عن هذا المواطن المطحون لا لشيء سوى لأن الوضع الحالي لليمن لا يُشَرِّف أي يمني. فإلى متى سنظل نتغنى بماضي الأجداد والأسلاف ونقف متفرجين على العالم يبني حضارات جديدة؟ وهل حضارة الأجداد تعفينا عن مواكبة العصر وبناء اليمن الحديث الذي سيصبح بعد قرون حضارة تضاف إلى الحضارات اليمنية القديمة؟ وإلى متى سنظل نتهرب من الحديث عن اليمن أمام الأجانب؟ أسئلة تبحث عن جواب في برامج الإصلاح التي تبنتها الدولة ولدى كل فرد من أفراد الوطن. فالكل مسئول عن هذا البلد، والكل يجب أن يخاطب ضميره الحي ويكفينا معاناة في الداخل ونظرات تطاردنا في الخارج. لم يعد بمقدورنا أن نتحمل الكثير من نظرات الناس الحادة من حولنا وكفانا بكاء على أطلال "كان وأخواتها". ولتغيير صورة اليمن السيئة لابد من تغيير فعلي لواقع المجتمع اليمني ولن يتم ذلك من الخارج بل من داخل البيت اليمني نفسه، ولنبدأ أولاً بإصلاح أنفسنا من المواطن إلى المسئول. قال تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" صدق الله العظيم. * كاتب وباحث يمني