(( وما نيل المطالب بالتمني .. وإنما تؤخذ الدنيا غُلابا)) على سطوح البيوت يتأملون حالة البلد.. من "الطيرمانه" .. يحلمون بيمنً جديد.. وهم يمضغون القات، جالسون في أماكنهم كالأمراء لساعات طويلة بدون حركه أو يعملوا شيء.. لسان حالهم يقول: متى يرحل هذا الكابوس عنا؟.. الكل يائس، الكل يلعن الفساد ويلعن الحكومة.. ولا يلعن القات!! وليس بيدهم شيء سوى التمني بأن تعود خيرات اليمن على صحنً من ذهب (ببلاش)..!! يأملون أن ترضى السلطة بالقسمة معهم على الغنيمة!! 22 مليون يمني ينتظرون أن تقوم يمن جديد وهم جالسون في أماكنهم كالأمراء، لا يشكون ولا يغضبون إلا بالكلام.. ولا يبالون باليمن التي تحترق بالفساد.. لأنهم يمضغون القات..!! ولكنهم منتظرين.. ينتظرون من الرئيس وحكومته أن يأتي لهم بيمنً جديد على طبقٍ من ذهب! أو تأتي لهم على طرد مغلف من قصر الرئاسة إلى بيت كل واحد منهم!! ولست أدري.. كيف هي شكل يمن الجديد التي ينتظرونها اليمنيون..!! هل هي ميداليات تضع على طرف الثوب أو تدندن من الرقبة؟؟ أو هي حبه تمضغ مع القات أو تبلع بمفردها؟؟ أو وليمه كبيرة في قصر الرئاسة بعد طابور طويل من تقبيل الأيادي.. أو توزيع قصور وفللا لكل واحد!! وأخشى أن لا تكون يمن خاليه من السكان بعد أن يهاجر البقية زحفاً على الركب..!! ولست أدري كيف يبنى القات قصوراً من الأوهام في عقول المخزنين وهم منتظرين يمن الجديد.. فربما خٌيل لهم أن حضرة الرئيس يأتي بنفسه ليدق على بيت كل يمني يقول لهم بعد أن يٌقبل خدودهم: "اصح يا نائم.. أتيت لكم بيمن الجديد!!!".. ومن غير المعقول أن يحصل هذا.. هذا إذا ما افترضنا أن يمن الجديد توزع من جيب الرئيس، أن يوزع الرئيس بمفرده يمن الجديد ل22 مليون يمني!! فكل له طاقته المحدودة.. ولكن المعقول هو أن يذهب ال22 مليون يدقوا على باب قصر الرئاسة ليقولوا لحضرة الرئيس: خلااااص .. نحن نبدأ بصناعة يمن الجديد.. نحن نأتي بيمن الجديد!! وإذا ما حصل هذا.. فلا انصح أن يفعل اليمنيون مثلما فعل الفرنسيون عندما حملوا معهم السواطير والفؤوس والمكانس إلى قصر ملكتهم، ولا أظنهم يفعلون ذلك لأن الوضع يختلف بيننا وبينهم.. لأن حضرة الملكة أنطوانيت أطعمت شعبها كعك بدل الخبز، والشعب الفرنسي لم يحتمل مزيد من الجوع والذل ولم يكن لديهم قات ينسيهم كارثتهم بينما اليمنيون مازالوا راضون على الرغيف أبو شكل ريال الذي عجز أن يتحول حتى إلي كعك بسبب تأثير القات الذي يحول الظلام إلي نور ويحملهم إلى كوكب العزلة عن اليمن لمدة 12ساعة- أي يعيشون حقيقة مأساتهم نصف اليوم فقط (بارت تايم)والنصف الآخر غائبون مع مفعول القات.. بينما الفرنسيون عاشوا ال24 ساعة الجوع والذل (فل تايم) دون أن يكون هناك أي مؤثرات تخفف عنهم معاناتهم أو تنسيهم إياها.. وهنا الفرق بين الفرنسيين واليمنيين.. ولو أن القات موجود أيام الملكة أنطوانيت لاستوردته لتطعم به شعبها وبالتالي ما قامت ثورة فرنسية.. وهنا مربط الفرس عن سبب صمت اليمنيين عن وضعهم إلى الآن واللا مبالاة الموجودة فيهم، بالإضافة إلي تبلد المشاعر واستمرارهم في دائرة الاختيار السيء لقيادات لا تستحق الاختيار، وهو القات الذي تكمن فيه مأساتنا والفوضى التي نعيش فيها، وفساد بلا حدود، وبيع مصلحة الوطن من اجل عود القات!! وهي التي يمضغونها غالبية قدوة المجتمع المتعلمون والمثقفون، في الوقت الذي كان من المفترض أن يصبحوا قدوة لعامة الناس غير الواعين والمثقفين والأميين والجاهلين ليخرجوهم من دائرة الظلام ولعنة القات، ولكن مع الأسف بدلاً أن يتأثروا هؤلاء القدوة على البقية، تأثروا هم بعامة الناس.. فالمعادلة تنقلب مع نبتة القات اللعينة وتسير الأمور بالعكس.. الجاهل يكون في الصفوف الأولى والمتعلم في أخر الطابور.. لماذا؟؟ لان الإنسان المتعلم المثقف لم يستطع أن يصنع لنفسه كيانه المستقل وسلوك يتميز به عن الإنسان غير المتعلم أو الجاهل ليؤثر بهم، بل ذهب يجلس جنبا إلى جنب مع الجاهل، ويمضغ معه القات.. وصار هو يتأثر به بدل أن يؤثر هو به؛ وليس هذا وحسب بل أصبح المتعلم والمثقف يؤكد أن للقات فوائد، وانه مصدر للإلهام والطاقة ووسيلة لتقوية العلاقات الاجتماعية وخزعبلات لا تليق بمتعلم أن يرددها.. يعني المتعلمون زادوا الطين بله.. وبعد ذلك نضع علامة استفهام كبيرة: أين يمن الجديد ولماذا لا يتغير اليمنيون، ولماذا لم يحصل تأثير أو ردود أفعال عما يكتب في الصحف حتى الآن؟ ولماذا لا يؤثر المثقفون على بقية المجتمع؟ والجواب لا يحتاج إلى اختراع لأن القات أخذ عقول الناس وأخذ أوقاتهم التي من المفترض أن تكون للتثقيف وللقراءة بدون أن تصاحبها مؤثرات القات وللنهوض عما هم فيه.. حتى الذين يقرأون وهم يمضغون القات لا يكون لهم تأثير مع الآخرين لأنهم لم يطبقوا ما قرأوه على أنفسهم، فتجد أحاديثهم أثناء جلسات القات فيهم "المطننين" ومن يكون جسده حاضر وعقله غائب.. إذن ما الفائدة من القراءة والتعليم إذا لا تنعكس على المرء في سلوكه، وإذا لا يقوم بدوره الحقيقي.. التعليم والقراءة ليس للتظاهر باني قرأت كذا وكذا، ولكن الأهم ماذا استفدت مما قرأته وتعلمته، وماذا أفدت به غيرك!! ما الفائدة من الصندوق المخروم إذا ملأت فيه ما ملأت.. فكلها تتسرب إلي الهواء.. وهكذا هو حالنا مع القات.. "مخرومون" وننتظر يمن جديد!! حتى كثير من الزملاء الصحفيين الذين يعملون وهم يمضغون القات يكون هدف عملهم إلى أن ينشر الموضوع دون أن يهتموا إذا وصل المقال إلي شريحة اكبر وأثرت بهم أم لا!! وكيف تؤثر بهم ومفعول القات اقوي عما يكتب في الصحف..!! عرف الأستاذ احمد جابر العفيف، صاحب مؤسسة العفيف الثقافية، أين تكمن مأساتنا- هو القات.. ومن اجل هذا أسس صحيفة "يمن بلا قات"، بالإضافة إلى مؤسسته التي فتحها ليتثقف الناس بها. ومع الأسف تجد عدد الحضور قليل لأن وقت المؤسسة يصادف وقت القات، وهو سبب في عدم وجود حضور كبير مثلما قال لي الأستاذ عبد الباري طاهر وان القات هو حائل بين المثقف والمواطن!! فتخيلوا معي شكل يمن بلا قات.. هي يمن بلا فساد، وهي يمن الجديد الذي نحلم به، ويمن الذي تربط الإنسان اليمني بوطنه وبأرضه!! ويمن التي ستقوم منها ثورة ثقافية! مشكلتنا الأولى والأخيرة هي القات.. ويمن الجديد تأتي من مجهود اليمنيين أنفسهم بعد أن ينتصروا على القات.. وعندما كل فرد يحب اليمن مثلما يحب المال الذي في جيبه سيستطيعون أن ينتزعوا حقوقهم من السلطة التي همشتهم وداستهم... ولن يحتاجوا ثلاثين سنة أخرى في قيام يمن جديد.. فهل سيقدر اليمنيون من الانتصار على نبتة القات اللعينة؟؟ [email protected]