كان تعيسا للغاية في ذلك اليوم كان يعتقد انه أتعس إنسان على وجه الأرض وبأنه أكثرهم هما ومشاكل .. اسودت الدنيا في وجهه حتى أصيب باكتئاب حاد قرر على أثره انه بحاجة إلى "تخزينه جامدة" مع الأصدقاء.. تخزينة يبث خلالها همه وأحزانه، وبالفعل قضى طوال فترة المساء وهو مخزن في بيت احد أصدقائه وان كان جالسا طوال الوقت مهموما و "مطننا" مما جعله مثار ضحكات ومزاح أصدقائه وضرباتهم المباغتة على ركبته مع صياح مزعج"يايييي يا مطنن". خرج من بيت صديقه وهو مستمر في مضغ القات رافضا أن يبصقه خارج فمه ..كان بيت صديقه في منطقة نائية نوعا ما بعيدة عن المواصلات يضطر أن يمشي مسافة قبل أن يصل للخط العام.. مشى مسافة في الطريق المقفر المظلم ظل يفكر في مشاكله وهمومه أحس بان الطريق طال على غير المعتاد فزفر في ضيق وصاح في غيظ أين أنتي يا ارض الهنا والسرور؟؟ وبعد خطوتين فوجئ بكشك صغير في وسط الطريق وكأنه خرج من الفراغ.. فزع واستغرب فهو يعرف الطريق ويعرف أن هذا الكشك لم يكن موجودا اليوم عندما جاء.. اقترب أكثر من الكشك المضيء وسط ظلام المنطقة.. ولدهشته الشديدة وجد لافتة كبيرة كتب عليها بحروف كبيرة و واضحة " أهلا بكم في ارض الهنا والسرور". فزع كثيرا واستغرب .. فكر في العودة إلى بيت صديقة وكاد أن يلتفت بالفعل عائدا أدراجه ولكنه سمع من الكشك صوتا عجوزا يقول له: هيه.. أنت لو سمحت تعال لحظة" التفت وقلبه يدق بسرعة واضطراب فوجد عند شباك الكشك رجلا عجوزا اطمأن قليلا عندما وجده مبتسما ذا سحنة طيبة هادئة.. منعه جفاف ريقه ورعبه من الإجابة فقال له العجوز في رفق" أهلا ..يبدو انك أضعت الطريق" ثم أردف وهو يشير إلى بوابة ضخمة وراء الكشك "ارض الهنا والسرور"..الكثيرون بحثوا عنها وأنت وجدتها صدفة يبدو انك محظوظ حقيقي" نكأت كلمة محظوظ جرحه فانفجرت ذكريات همومه ومشاكله في قلبه مرة أخرى. استمر العجوز في الكلام"انك هنا في ارض الهنا والسرور وأنا الحارس على هذه الأرض مهمتي أن استقبل من يرسلون إلى هنا لقضاء بعض الساعات من السعادة ومهمتي أن استلم منهم همومهم ومشاكلهم قبل أن يدخلوا واسلم كل منهم وصل بالاستلام وارد إليه همومه بعد أن يخرج" زفر في إرهاق ثم استطرد"إنها مسئولية..عليك أن تبحث لكل منهم عن كيس ينسجم مع حجم مشاكله ثم عليك أن لا تضيعها والاهم أن لا تخلطها ببعض. نظر إليه الفتى غير فاهم لشيء فابتسم العجوز في وجهه وقال له اسمع..سأعرض عليك عرضا، سأسمح لك بالدخول إلى ارض الهنا و السرور مقابل أن تقوم بخدمة لي.. الليلة عرس ابن أخي وسوف يأتي بعض الزبائن إلى هنا ..أريدك أن تساعدني في استقبالهم"هز الفتى رأسه في تبلد لا يفهم منه لا الرفض و لا القبول فقال له العجوز مشجعا"لا تخف المسألة سهله افتح لكل منهم كيس بحجم مشاكله واحتفظ به حتى يخرج "ثم خرج من الكشك وامسك بيد الفتى واستطرد " فقط لا تخلط هموم الناس..ساعة أو اثنتان وأعود إليك واسمح لك بالدخول إلى ارض الهنا والسرور". ادخله إلى الكشك وهو يبتسم ويشير إلى شخص يقترب في الظلام قائلا له:هاك أول زبون..الأكياس على يمينك لا تقلق المهمة سهلة استودعك الله" اختفى في الظلام وفي نفس الوقت ظهرت امرأة في الثلاثينات من عمرها وقفت أمامه فلم يحرك ساكنا فابتسمت له متفهمه وقالت له"كيس من الحجم الكبير لو سمحت" فخرج من جموده تحرك وفكر لأول مرة" هذا جنون ولكن لا بأس لعله يدخلني فعلا إلى ارض الهنا والسرور" فتح لها الكيس فأدخلت يدها إلى قلبها وأخرجت همومها إلى داخل الكيس..نظر إلى داخل الكيس بعد أن ذهبت المرأة عبر البوابة..نظر لثوان ثم أشاح بوجهه في الم وحزن فقد رأى طفلة صغيرة تصرخ ورجل في معطف ابيض يقول للمرأة "ثقب في القلب..لن تعيش طفلتك طويلا". ثم رأى شخصا يبدو عليه السكر يضرب المرأة وهي تصيح في هلع وفزع..ثم رآها وهي تجلس أمام امرأة عجوز تقول لها"يا بنتي:انه زوجك ويحق له أن يضربك ويكسر رأسك"..ثم رآها تجلس أمام رجل وتقول له باكية:يا أخي أنت أكلت كل حقوقي في ميراث أبينا على الأقل أعطني من عندك سلفه صغيرة أعالج بها ابنتي"، أغلق الكيس فورا ووضعه في زاوية الغرفة وهو مذهول من الماسي التي رآها. وجد عند الشباك شابا من عمره ابتسم له سائلا هذه المرة عن حجم الكيس الذي يريده قال له بثقة :كيسين من الحجم الكبير..استغرب الفتى وانتظر حتى ذهب الشاب إلى البوابة فنظر في الكيس فوجد جنودا أجانب يعيثون في الأرض فسادا يطردون الناس من بيوتهم الجميلة على النهر ويحرقونها..ورجال شقر يتحدثون عن الدين بسخرية وشباب يسكرون في الشوارع وهذا الشاب ينصحهم فيضربونه..وضع كيساه جانبا وهو يشعر بالاحترام لهذا الشاب والألم عليه. دق شباك الكشك رجل عجوز وجهه مليء بالتجاعيد ابتسم له وقال" كيس من الحجم الصغير يا بني" فتح له كيس من الحجم الصغير وهو مندهش وعندما ذهب العجوز وعبر البوابة نظر إلى داخل الكيس ليجد عبارة واحدة تملا قلب الرجل العجوز ولا تترك مكانا لا لهم ولا لمشكلة في قلبه..كانت عبارة "الحمد لله" تملا كل الفراغ..وضع كيسه جانبا وهو مندهش من قلب هذا العجوز. التفت ليجد عند الشباك فتى صغير في العاشرة من عمره فقال له في سخرية: كيس من الحجم الصغير طبعا؟؟قال له في ضيق بل من الحجم الكبير جدا لو سمحت، ذهل وفتح له الكيس ونظر فيه فوجد الولد الصغير وهو مرمي على الأرض يئن من الألم ورجلا ضخما يضربه وهو يصيح "أوقع رجال ودخل زلط للبيت"..رآه وهو يجوب الشوارع وسط الحر والشمس وهو حافي ممسكا بكيس من الليمون يتوسل لأحدهم أن يشتري منه فيرفع في وجهه زجاج السيارة..رآه محبطا خائفا والكيس في يده دون أن يبيع منه شيء فيشحت من الناس ويتحمل إهاناتهم..رآه وهو يتلقى ضربات الأولاد الآخرين ويصيح دون أن ينجده احد. طرح كيسه جانبا وهو يشعر بحزن واستغراب بعد أن رأى هموم هؤلاء الأشخاص..دخل عليه الحارس العجوز وصاح في وجهه "مرحى ها قد رجعت إليك" ثم وهو ينظر إلى الأكياس"يبدو أن الأعمال تسير بشكل جيد ويبدو انك قمت بعملك جيدا..الآن يحق لك أن تدخل معهم ارض الهنا والسرور..أي كيس افتح لك كي تضع همومك قبل الدخول" وضع الفتى يده على صدره في خوف وحرج وهو يقول :لا.. شكرا لا أريد، أريد فقط أن ارجع للطريق وارجع بيتي. رفع العجوز حاجبه دهشة: هل أنت متأكد؟؟ إنها فرصة.. أجابه الولد وهو يتصبب عرقا وبصوت متوتر أشكرك كثيرا ولكن لي سؤال..ثم أشار إلى مجموعة الأشخاص وهم واقفون عند البوابة يتبادلون الحديث"لماذا لم يتجاوز هؤلاء البوابة ويدخلوا ارض الهنا والسرور؟ " قال له العجوز" يا بني..إن تتخلص من همومك هو أعظم هنا واكبر سرور" ودعه ومضى في طريقه وهو مستغرق في التفكير. ماذا لو كان العجوز رأى همومه..احمر وجهه خجلا وهو يتذكر هموم الناس خصوصا هم الشاب الذي من عمره وتذكر همه هو الذي خجل أن يراه العجوز..كان حزنه وهمه أن أباه لم يستطع هذا الشهر أن يفي بوعده ويشتري له الموبايل الذي وعده به وزاد من همه وأصابه بالاكتئاب إن هجرته حبيبته في نفس الشهر فكان هذا هو همه الذي يملا قلبه. عبس في ضيق واستحى حتى من نفسه وهو يتذكر هم ذلك الطفل.. التفت خلفه ورأى الكشك والبوابة من بعيد تكاد أن تختفي ولاحظ للمرة الأولى عبارة مكتوبة على البوابة بحروف كبيرة وواضحة"إن الله يطلع على هموم العباد.. فانظروا إلى همومكم يرحمكم الله". [email protected]