لجأت إلى مشكلة اليمن الطبية لأسألها عن وضعنا فأخبرتني بعدم الجدوى كون المشكلة لم تولد بعد! ، نعم المشكلة لم تولد بعد لأنها "المشكلة" من المفترض أن تظهر كناتج نجاحات متعددة وفشل يتخلل تلك النجاحات إلا أن لدينا في اليمن صيغ الفشل في الجانب الصحي طاغية إلى حد مهول وبالتالي من الجرم أن نسميها مشكلة طبية فاستبدلتها بجريمة طبية فلو ذهبنا باتجاه الجريمة الطبية لنسألها بعد أن نعرف معناها جيداً فسنجد لديها كل الترحيب والجواب الكامل كونها لم تعدم وجود المشاكل فقط بل خلقت عاهات مستديمة وأموات أحياء .. في مصر مثلاً كثيرين هم وبلا عدد محدود أو ثابت أستطيع ذكره القادمين من اليمن لغرض العلاج، تنظر إليهم فترسم على محياك صورة لن تكون حسنة بالتأكيد عن اليمن واليمنيين فالمريض بطبيعة الحال لن يدخل هذه البلد أو تلك وعلى صدره وردة أو ابتسامه لأنه قادما وبداخله كل الخوف، الخوف من مرضه الذي وُصف في اليمن في الأغلب بأنه خطير ومميت "لزحلقة المريض بعد الفشل في التشخيص أو لسبب آخر" والخوف من المجهول أيضا كون الكثير منهم في أول زيارة جوية خارج قريته أو محافظته أو بصورة اشمل خارج بلده. لذا علامات التجهم والخوف هي العلامات الواضحة جدا والتي تزيد الشكوك!، وكثيرون هم من اضطروا لبيع الكثير من الممتلكات لسد متطلبات السفر وتكاليف العلاج أيضا لأنهم لا يملكون بقرة صفراء أو حمراء أو من أي لون!، لذا بطبيعة الحال لن تهمهم الكماليات كحسن المظهر ورتابة الشكل كمتطلبات سفر بل سيعتبرونها جريمة بجانب معاناتهم التي لا تتيح لهم مطلقا التفكير في تلك الأشياء الضرورية جدا لدى الآخرين. وبالضرورة هذا يعكس منظر عام وصورة عنّا كيمنيين في الداخل قبل الخارج وبالتالي بإمكاننا سماع تلك الهمهمات البعيدة بكل وضوح والناطقة بأن اليمنيين "وبشكل عام" لا يهتمون بالنظافة أو الملبس بعكس طبيعتنا تماماً وهذا يمثل جانبا اجتماعيا أكثر من كونه صحياً لذا التوعية بالجوانب الهامشية (البسيطة جدا تكلفة والضرورية إلى ابعد الحدود في تحسين فكرة ونقل صورة حسنة عن اليمنيين، فالمريض الذي يحمل خمسة آلاف دولار لن يضيره أن يصرف مائتين دولار- كحد أقصى- لحسن المظهر) اضطرارية جدا لدى أوساط اليمنيين "الأمراض" المغادرين للعلاج في حال تسليمنا بأن هذه المشكلة ستستمر وربما ستتزايد مستقبلاً لفترة ما تملك الحكومة مفتاح قصرها أو طولها.. أين تكمن المشاكل وأين تذهب حلول وزارة الصحة في هذا الجانب الذي يمثل أحد الشرايين الضرورية لحياة المجتمع؟! ألا تدرك تلك الوزارة والحكومة أيضا أن هذا يمثل جانب من الجوانب الداعية للتخلف الاقتصادي والاجتماعي إضافة إلى العنوان الكبير الصحي ، فلو افترضنا انه ( 500 مريض فقط) أسبوعيا يغادرون اليمن رغم أن الخطوط الجوية اليمنية وبعض الخطوط الأخرى تكاد تكون مزدحمة وطوال أيام الأسبوع تقريبا ولكن حسب الافتراض السابق وان متوسط ما يحمله المريض خمسة ألف دولار أمريكي فبامكانك بكل بساطة أن تستنتج أن ( 2.500.000 دولار) اثنان مليون وخمسمائة ألف دولار أمريكي من العملة الصعبة تخرج خارج اليمن خلال أسبوع أو أسبوعين في أفضل الأحوال ومن الطبيعي أن بأثر ذلك على مستوى توفر العملة الصعبة في السوق المحلية اليمنية بكل تأكيد. وفي نفس الوقت رغم ضخامة المشكلة على كل الجوانب إلا أن الحلول ما تزال غائبة تماماً!!، فلو استثمرت وزارة الصحة "إذا كانت مصرة على ألاّ تقوم بدورها بالشكل الصحيح في خدمة المجتمع" مستشفى كبير لعلاج الحالات المرضية بمختلف أنواعها وخصوصا الذي يكثر من اجلها السفر للخارج- وان اختلطت الأمور حاليا فلم نعد ندري ما دور المستشفيات أو الحالات التي تعالجها بنجاح داخل اليمن إذا كانت هذه الأعداد تتوافد على المطار- مع توفير المعامل والمختبرات الدقيقة وعلى إشراف أخصائيين حقيقيين وليس مزيفين إضافة إلى وضع قسم كبير للحالات الخاصة أو المستعصية كحالات مرض السرطان التي تصل إلى 20 ألف حالة سنويا تقريبا وحسب تصريح سابق للمدير التنفيذي في المؤسسة اليمنية الخيرية لدعم مراكز مرضى السرطان "علي الخولاني"، فالبالتأكيد هذا المستشفى سيحقق عائدا اقتصاديا ضخما أظنه سيكون قريبا جدا من مجموع العائدات السياحية كاملة !! .. خلاصة المشكلة ربما تكمن في عدم وجود المختبرات الصحية والمضمونة النتائج والمعامل ومراكز الأشعة الناجحة، إضافة إلى غياب الأجهزة الحديثة للتشخيص والعلاج وغياب المراكز الحكومية المتخصصة في علاج الحالات الصعبة وغياب المستشفيات التي تلبي ازدياد عدد السكان وانتشار الأمراض مع انتشار الملوثات مع تطورات العصر وعدم وجود الكادر المؤهل أيضا من أطباء واختصاصين في شتى التخصصات ، إضافة إلى عامل مهم وهو سوء العلاقة أو الفكرة لدى المريض عن الطبيب اليمني وبالتالي هي تحتاج إلى إعادة تشكيل وتصحيح .. أخيرا .. نحن لا ننكر وجود أطباء أكفاء يمنيين ويشار إليهم بالبنان داخل اليمن، إلا أن هناك وفي الجانب الآخر شبه أطباء وليس أطباء بالمعنى المعروف، ولكن حتى الطبيب الكفء لن يستطيع عمل شيء إذا كانت كل نتائج الفحوصات والمختبرات كاذبة، ولن نستطيع تلخيص المشكلة في مقال فهي تحتاج إلى دراسة واسعة وجدية جدا وسريعة في نفس الوقت لكل تلك المشاكل والجوانب المتعلقة بها من أجل إنهائها وليس لدراستها فقط كما تعودنا، كونها مشكلة صحية اقتصادية اجتماعية والأمر يتطلب تعاون الجميع في إنهائها ووزارة الصحة مع الحكومة هما المسئول الأول والأخير بالتأكيد عن هذا التدهور الحاصل في الجانب الصحي فهلا تنتبه إليه وتعمل من اجله ليس من اجل مصلحة المرضى والمجتمع اليمني فقط بل من اجل مصلحة الاقتصاد اليمني أيضاً.