هل أعداء الجنوب يلبسون طاقية الإخفاء    مقتل عريس في صنعاء بعد أيام من اختطافه    البحسني يكشف عن مشروع صندوق حضرموت الإنمائي    الأرصاد يتوقع هطول امطار على بعض المرتفعات ورياح شديدة على سقطرى ويحذر من الاجواء الحارة    مليشيا درع الوطن تنهب المسافرين بالوديعة    شبكة حقوقية تدين إحراق مليشيا الحوثي مزارع مواطنين شمال الضالع    ترحيب حكومي بالعقوبات الأمريكية الجديدة على شبكة تمويل وتهريب تابعة للمليشيا    هجوم إيراني فجر السبت والنيران تتصاعد في موقع وسط تل أبيب    بوتين: روسيا تبني لإيران مفاعلين نوويين إضافيين في بوشهر    علي ناصر يؤكد دوام تآمره على الجنوب    نكبة الجنوب بدأت من "جهل السياسيين" ومطامع "علي ناصر" برئاسة اليمن الكبير    العميد بن عامر يعلق على طلب الكيان من الخليج بدفع فاتورة الحرب    نجاح الموجة ال 18 من عملية الوعد الصادق داخل الكيان    الأحوال الجوية تعطل 4 مواجهات مونديالية    الترجي يهدي العرب الفرحة الأولى موندياليا    بقيادة كين وأوليسيه.. البايرن يحلق إلى ثمن النهائي    هذا أنا .. وفي اليمن روحي    صنعاء .. موظفو اليمنية يكشفون عن فساد في الشركة ويطالبون بتشكيل لجنة تحقيق ومحاسبة جحاف    إخماد حريق نشب بمنزل بمنطقة حدة    مقتل عريس في صنعاء بعد أيام من اختطافه    «أبو الحب» يعيد بسمة إلى الغناء    قبل أن يتجاوزنا الآخرون    عقوبات أميركية جديد على 12 كياناً و4 أفراد وسفينتين على صلة ب"أنصار الله"    بين ملحمة "الرجل الحوت" وشذرات "من أول رائحة"    علي ناصر محمد أمدّ الله في عمره ليفضح نفسه بلسانه    الأمم المتحدة تقلّص خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن وسط تراجع كبير في التمويل    قصة من الارض الموسومة زورا بالحكمة    العثور على جثة شاب مختطف بصنعاء بعد أكثر من أسبوع على اختفائه    اختتام ورشة إعداد خطة العام 1447ه ضمن برنامج سلاسل القيمة في 51 مديرية نموذجية    كارثة كهرباء عدن مستمرة.. وعود حكومية تبخرّت مع ارتفاع درجة الحرارة    اعمال شغب خلال مواجهة الاهلي المصري مع بالميراس واعتقال مشجع أهلاوي    الذهب في طريقه لتكبد خسائر أسبوعية    المبرّر حرب ايران وإسرائيل.. ارتفاع أسعار الوقود في عدن    خسائر معهد "وايزمان" نحو اثنين مليار شيكل جراء القصف الإيراني    بوتافوجو يفجر كبرى مفاجآت المونديال بإسقاط سان جيرمان    ميسي يهدد عرش رونالدو العالمي    ديدان "سامّة" تغزو ولاية أمريكية وتثير ذعر السكان    نجاح أول عملية زرع قلب دون الحاجة إلى شق الصدر أو كسر عظم القص    في ظروف غامضة    عن العلاقة الجدلية بين مفهوم الوطن والمواطنة    فريق الرايات البيضاء يكشف عن اخر مستجدات إعادة فتح طريق رئيسي يربط بين جنوب ووسط اليمن    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    نتائج الصف التاسع..!    قضاة يشكون تعسف وزير المالية إلى رئيس المجلس السياسي الأعلى    مراجعات جذرية لا تصريحات آنية    كأس العالم للاندية : ميسي يقود انتر ميامي لفوز ثمين على بورتو    "مسام" ينتزع نصف مليون لغم حوثي خلال 7 أعوام    خيانة عظمى.. علي ناصر محمد يتباهى بمنع انضمام الجنوب لمجلس التعاون الخليجي    فعاليتان للإصلاحية المركزية ومركز الحجز الاحتياطي بإب بيوم الولاية    جماعة الإخوان الوجه الحقيقي للفوضى والتطرف.. مقاولو خراب وتشييد مقابر    صنعاء .. اعلان نتيجة اختبارات الشهادة الأساسية    كيف تواجه الأمة الإسلامية واقعها اليوم (2)    الخطوط الجوية اليمنية... شريان وطن لا يحتمل الخلاف    الصبر مختبر العظمة    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروعية تدخل الأمم المتحدة لحماية المدنيين في ليبيا
نشر في نشوان نيوز يوم 24 - 03 - 2011

القرآن الكريم يجيز التدخل السياسي والعسكري من الأنظمة السياسية والدول الأخرى لنصرة المستضعفين ولحماية المدنيين من الرجال والنساء والولدان إقامة للعدل ومقارعة للطاغوت..

بحيث يكون ميزان القوى تابعاً لميزان العدل ولا يكون ميزان القوى والمصالح هو المهيمن على العلاقات الإنسانية الدولية فتطغى الدول الكبرى على الدول الصغرى وتطغى الأنظمة والدول على مجتمعاتها وشعوبها كما هو الحال الذي درجت عليه الأمم المتحدة في أغلب مواقفها وقراراتها السياسية منذ تأسيسها ودرجت عليه الدول والأنظمة إزاء شعوبها باستثناء رياح التغيير التي شهدناها هذه الأيام، حيث انتفضت الشعوب العربية على أنظمتها السياسية الطاغوتية والموقف المتميز لمجلس الأمن الذي تدخل لصالح الشعب الليبي ضد طاغية ليبيا.
وفي هذا الصدد سأورد مجموعة من الأدلة القرآنية التي تبيح تدخل ميزان القوى العالمي لمقاومة الطاغوت والظلم السياسي ولنصرة المستضعفين من المدنيين الذين يُقَاتَلون على النحو التالي:-
1- ميزان العدل وميزان القوى في المنظور القرآني :
المتدبر للقرآن الكريم سيدرك أنه قد أكد بأن كافة الأديان السماوية إنما تنزلت لتحقيق مقصد رئيسي وهدف أساسي هو إقامة ميزان العدالة كإطار ناظم للعلاقات الإنسانية والدولية لا ميزان القوى والمصالح واعتبار ميزان القوى تابعاً لميزان العدل حامياً له لا العكس، ولنقرأ قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} الحديد25.
فقوله تعالى (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) أي ليقوم الناس بالعدل لأن القسط هو العدل، فالعدل يقيم حياة الناس ولا يقعدها ويسقطها، وقد ذكر الميزان إلى جوار العدل لأن الميزان له كفتان، والعدل في حياة الناس له كفتان أيضاً: (كفة الواجبات وكفة الحقوق) وميزان العدل يقوم عندما يتساوى الناس جميعاً في الحقوق والواجبات ويسقط عندما تستأثر فئة أو مجموعة بالحقوق إحتكاراً للسلطة السياسية والثروة والمعرفة ولا تقوم بالمقابل بالواجبات إلا بما يحفظ هذه الحقوق ويكلف السواد الأعظم من الأمة بالواجبات المرهقة ويحرمون من حقوقهم السياسية والاجتماعية.
وقوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) إشارة قرآنية إلى ميزان القوى وإلى أهمية أن يكون تابعاً للعدل، وعبّر القرآن عن ميزان القوى بالحديد ثم جاء التأكيد على ذلك بقوله تعالى (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) وإلى منافع الحديد في أمور سلمية لا حربية بقوله (وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ).
وميزان القوى والبأس الشديد إرتبط بالحديد عبر التاريخ إبتداء من السيوف والدروع وانتهاء بصناعة الدبابات والطائرات والسفن، ثم أكدت الآية القرآنية أن النصرة من الناس يجب أن تقوم وفق هذا المعيار (ميزان العدل) بقوله تعالى (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
2- القرآن يؤكد مشروعية القتال من أجل المدنيين المستضعفين من الرجال والنساء والولدان حماية لهم من أنظمتهم الظالمة بقوله تعالى {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً }النساء75.
3- سنة التدافع في القرآن:-
قوله تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ) البقرة251.
هذه الآية كشفت لنا سنة من سنن وجود النصرة الإلهية للمستضعفين وهي سنة التدافع وهي ما يمكن تسميته بقانون توازن القوى حيث يتحقق من خلال هذا التوازن في القوى هامش حرية للمستضعفين ضد الظالمين بأن يدفع الله ميزان قوة الظالم بميزان قوة مضاد له يشكّل ردع أو جبر على الظالم للحيلولة دون وقوع ظلمه.
وسنة التدافع في القرآن سنة عامة تشمل الناس كافة (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) ولم يأتي في التعبير القرآني تخصيص لميزان التدافع – دفع الكافرين بالمؤمنين – تأكيداً بأن سنة التدافع الإلهية يجب أن يستفيد منها كافة البشر بغض النظر عن أجناسهم وأديانهم كما أكدت الآية السالفة بأن ميزان العدل والنصرة للناس جميعاً وليس للمؤمنين فقط (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) بما يؤكد أن هذه القيم السماوية (العدل – التدافع – نصرة المستضعفين) هي قيم إنسانية مكفولة للجميع.
ويتعزز هذا الفهم بمنهجية تفسير القرآن بالقرآن بقوله تعالى: {38} أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ{39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{40} الحج.
فهذه الآية بينت الإذن الشرعي الإلهي بقتال الظالمين نصرة للمظلومين واعتبر القرآن سنة التدافع هي قاعدة هذه النصرة الإلهية أي تدخل ميزان قوى لدفع ظلم ميزان قوى ظالم وأنه لولا هذه السنة الإلهية (سنة التدافع) لما حفظت حقوق وحريات وأديان الشعوب المختلفة (لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
والصوامع كما يقول أهل التفسير هي المنارات التي يتخذها علماء المسيحية أماكن للرهبنة والتعبد خارج المدن ، والبيع هي الكنائس ، والصلوات هي أماكن عبادة اليهود ، والمساجد هي أماكن عبادة المسلمين.
ويمكننا إدراك العلاقة الموضوعية بين الآيات السالفة التي استشهدت بها باشتراك تلك الآيات في الحديث عن النصرة حيث ذكرت الآية التي تحدثت عن ميزان العدل وميزان القوى موضوع النصرة في قوله تعالى (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)، ثم في الآية التي تليها جاء البيان القرآني لمن يستحق هذه النصرة بأنهم المدنيين المستضعفين من الرجال والنساء والولدان في قوله تعالى (وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً).
ثم بينت آيات التدافع كيفية الإستجابة الإلهية لنصرة المستضعفين الذين يقاتلون ظلماً بالإذن الإلهي بدفع ميزان قوى بميزان قوى آخر، وفي سياق آيات التدافع وردت الإشارة لموضوع النصرة في قوله تعالى (لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
وبهذا يتضح لنا أن هناك إذناً إلهياً قرآنياً عبر سنة التدافع الإلهية لتدخل ميزان قوى معين ضد ميزان قوى آخر لكفه عن ظلمه وطغيانه شريطة أن يكون هذا الدفع الإلهي منضبطاً بهذه القواعد القرآنية الناظمة للعلاقات الدولية أي أن يكون معيار التدخل هو ميزان العدل لا ميزان المصالح والقوى وأن يكون هذا التدخل لصالح المظلومين لا الظالمين ونصرة للمدنيين المستضعفين من الرجال والنساء والولدان وبما يضمن مساواة جميع الناس في الحقوق والواجبات وحرية المعتقد والتبليغ.
عندها يصدق على الأمم المتحدة قوله تعالى (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)، أما عندما يصبح معيار التدخل الدولي هو ميزان القوى والمصالح بغض النظر عن ميزان العدل كما درجت على ذلك الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن وحق الفيتو فالتدخل الدولي عندئذ يكون عملاً طاغوتياً إستعمارياً غير مقبول شرعاً وغير مقبول عقلاً ويصدق عليه قوله تعالى (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
ومن هذه الزاوية أرى مشروعية التدخل الحالي في ليبيا لدفع ميزان قوى طاغوت ليبيا معمر القذافي بهدف حماية المدنيين ودعماً للثوار لاسترداد حقوقهم السياسية والاجتماعية التي إفتئت عليها طاغوت ليبيا، وهذا التدخل سيكون مشروعاً وإنسانياً إذا ما إقتصر على هذه الأهداف الإنسانية وسيتجلى ذلك عملياً إذا إقتصر هذا التدخل في الحظر الجوي والتدخل الجوي لضرب مرتزقة القذافي جواً أو براً أو بحراً دون التدخل البري.
وعبر دعم الثوار بالأسلحة لاسيما المضادة للدروع بما يعينهم على الإنتقال بنظامهم السياسي من النظام السياسي الطاغوتي إلى النظام السياسي الشوروي الديمقراطي (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) ليخرج الشعب الليبي من عبودية النظام السياسي الطاغوتي إلى نور النظام السياسي الإلهي الديمقراطي الشوروي مصداقاً لقوله تعالى {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}البقرة257.
أما إذا تبع التدخل الجوي تدخلاً برياً فسيكون هذا التدخل بمثابة الإعتداء الاستعماري على الشعب الليبي ومصالحه، عندها ستتجه البنادق الليبية من أحفاد عمر المختار نحو المطامع الإستعمارية للقوى الغازية وستغرق هذه القوى في رمال الصحراء الليبية كما غرقت من قبل في العراق وفي أفغانستان وفي فيتنام.
وهذا التأصيل الشرعي مني منزّل على الواقع الليبي بصورة خاصة لأن الفتوى كما يقول علماء الأصول تقدر زماناً ومكاناً وشخصاً بسبب نرجسية طاغوت ليبيا وأنانيته وانتهازيته ومكره وخداعه الذي تعامل مع ليبيا شعباً وثروة وسلطة وكأنها مزرعة أو شركة خاصة ورثها من أبيه أو أمه، والذي لا يتردد في إبادة شعبه في سبيل بقائه في السلطة.
وأحذر بعض العلماء من التسرع في إصدار فتاوى تحرم مثل هذا التدخل في ليبيا لأن القرآن الكريم قد إعتبر قتل النفس الواحدة بمثابة قتل الناس جميعاً {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}المائدة32، فكيف بهذا الطاغية القذافي الذي لا يقتل نفساً واحدة وإنما يقتل شعباً بأسره.
ومن المعلوم أن العالم المدرك للشريعة أصولاً وفروعاً محكماً ومتشابهاً يتوجب عليه عند تنزيل الأحكام الشرعية على الواقع أن يراعي عنصر المفسدة والمصلحة فيقدم درء المفسدة على جلب المصلحة، وفي إطار المفاسد والأضرار عليه مراعاة الضرر الأعلى والضرر الأدنى فيقبل بالضرر الأدنى دفعاً لضرر أعلى وفي الحالة الليبية يواجه الشعب الليبي مفسدة الإبادة الجماعية من الطاغية في نفوسهم وأموالهم وأعراضهم وهذا الضرر الأعلى يستوجب تدخل ميزان القوى لمنع هذا الطاغية من إلحاق هذا الضرر بشعبه ولو ترتب على هذا التدخل ضرر أدنى في أسوأ الإحتمالات مع أنني لا أتوقع ذلك إذا سارت الأمور وفق الضوابط التي أشرت إليها ولا يجوز السكوت عن ضرر أعلى واقع خوفاً من حدوث ضرر أدنى متوقع لاسيما إذا كان الأمر يتعلق بقتل النفس البشرية التي هي بمثابة النفوس جميعاً، فكيف بطاغية ليبيا الذي يقتل النفوس جميعاً، ومن المعلوم أن حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ المال وحفظ النسل من أهم مقاصد الإسلام، وفي إطار الموازنة بين هذه المقاصد فحفظ النفس مقدم على حفظ المال، وطاغية ليبيا يشكل خطراً على نفوس شعبه إلى جوار سرقته لأموالهم من قبل وإذا إفترضنا جدلاً بأن هناك خطراً على أموال ونفط الليبيين من جراء هذا التدخل فالميزان الشرعي يقدم حفظ النفس على حفظ المال.
وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أن أي فتاوى مستعجلة من بعض العلماء دون مراعاة لهذه الإعتبارات الشرعية (حرمة قتل النفس البشرية – والموازنة بين المفاسد والمصالح) فإن أي فتوى ستمنع سنة التدافع القرآنية بما يتيح لطاغية ليبيا إبادة شعبه فإن هؤلاء المفتين سيكونون أمام الله بمثابة شركاء للطاغية والقاتل في الجريمة، ولقد أعجبني موقف الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله الذي أعلنه عبر قناة الجزيرة رداً على طاغية ليبيا عندما أشار إلى أن هذا التدخل لا يعتبر حرب صليبية، بل إنني أعتبر هذا التداعي الدولي لحماية المدنيين في ليبيا بمثابة حلف فضول من دعي إليه وجب عليه الإجابة وكان الأولى بالأنظمة العربية المسارعة لنجدة إخوانهم، وإزاء هذا التخاذل والسكوت العربي لنجدة المظلوم فلا يجوز أن ترتفع الأصوات لمنع هذه النجدة من أجنبي وإن كان هذا الأجنبي يريد شيئاً من الغنيمة والمصلحة مقابل هذه النجدة، وعلى الثوار والأحرار من أبناء الشعب الليبي طمأنة هذه القوى بأن المصالح الغربية التي كانت موجودة في ظل طاغية ليبيا ستكفل وستكون الأولوية في ضمان هذه المصالح للدول المسارعة لكفكفة طاغوت ليبيا.
وإنني أستغرب كثيراً من الموقف الروسي والصيني الإنتهازي اللإنساني الذي انحاز لصالح الجلاد (طاغية ليبيا) ضد الضحية (الشعب الليبي) من أجل مصالح اقتصادية وكان الأولى بهم التدخل لنصرة الشعب الليبي في هذه المهمة الإنسانية وإذا لم يفعلوا كان الأولى بهم أن يتواروا خجلاً فضلاً عن أن يرفعوا أصواتهم بالتنديد والشجب لهذا التدخل ذا الطابع الإنساني من أجل مصالح أنانية انتهازية رخيصة وأدعو الشعب الروسي والشعب الصيني للخروج الشعبي المعبر عن استيائهم من قيادتهم التي تقف مع المجرم وهو يذبح شعبه دون أن تهتز لهم شعرة في رؤوسهم أو يرف لهم جفن.
وأقول لقيادات الدول المشاركة في حماية المدنيين من طاغوت ليبيا إنكم إذا التزمتم في تدخلكم هذا بأهدافكم المعلنة (حماية المدنيين) ذات الطابع الإنساني ستحققون مصلحة فورية لهذه الدول تفوق أي مصلحة اقتصادية وهذه المصلحة لا يمكن تقديرها بثمن وهي مصلحة تحسين صورة هذه الدول أمام الشعوب العربية والإسلامية التي تعودت أن يكون مثل هذا التدخل على حساب أمنها ومصالحها، وتحسين هذه الصورة مستقبلاً سينعكس إيجاباً عليكم على مستوى كافة الدول العربية..
بحيث لو وضعتم خطة إعلامية لتحسين علاقاتكم الخارجية مع الدول وأنفقتم عليها مئات المليارات لفشلت كل هذه الخطط الإعلامية والدبلوماسية، لكن هذه المهمة العسكرية في ليبيا إذا إلتزمت بطابعها الإنساني ستنجز لكم هذا الهدف السياسي على صعيد علاقتكم الخارجية، ولذلك أقترح عليكم أن تطلقوا على هذه المهمة العسكرية الإنسانية مصطلح (الدبلوماسية العسكرية) إن جاز التعبير وبالتالي يكون هذا الموقف الدولي من الأمم المتحدة والدول المشاركة بمثابة صفحة جديدة في ملف مجلس الأمن تظهر الهدف الإنساني وراء هذا القرار وتمحو الصورة السوداوية لقرارات مجلس الأمن التي كانت على الدوام متحيزة وظالمة لاسيما إزاء الدول العربية والإسلامية.
كما أن هذه الثورات الشعبية بإذن الله هي صفحة جديدة في تاريخ هذه الأمة المعاصر تطوى من خلالها صفحة أنظمتها السياسية الطاغوتية الاستبدادية الظالمة وتفتح صفحة الانعتاق والتحرر لهذه الشعوب عبر إرساء أنظمة سياسية شوروية ديمقراطية تجسد مصالح هذه الشعوب لا مصالح الحكام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.