أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    الإعلان عن حصيلة ضحايا العدوان على الحديدة وباجل    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    أكسيوس: ترامب غير مهتم بغزة خلال زيارته الخليجية    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    الامارات العربية تضمّد جراح عدن وتنير ظلامها    ودافة يا بن بريك    تغيير رئيس الحكومة دون تغيير الوزراء: هل هو حل أم استمرارية للفشل؟    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    إسرائيل لا تخفي أهدافها: تفكيك سوريا شرط لنهاية الحرب    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    إيران تكشف عن حجم الخسائر الأولية لانفجار ميناء رجائي    طيران العدوان الأمريكي يجدد استهداف صنعاء ورأس عيسى    الحذر من استغلال العليمي مبررات (إصلاح الخدمات) في ضرب خصومه وأبرزهم الانتقالي    أعنف هجوم إسرائيلي على اليمن يدمر ميناء الحديدة    قرار رقم 1 للعولقي بإيقاف فروع مصلحة الأراضي (وثيقة)    بعد فشل إطلاقه.. صاروخ حوثي يسقط بالقرب من مناطق سكنية في إب    "مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    وسائل اعلام اسرائيلية: هجوم اسرائيلي أمريكي شاركت فيه عشرات المقاتلات ضد اهداف في اليمن    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    عشرات الغارات استهدفت ثلاث محافظات    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    سوريا .. انفجار الوضع في السويداء بعد دخول اتفاق تهدئة حيز التنفيذ    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    مرض الفشل الكلوي (3)    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاولة لفهم إيران
نشر في نشوان نيوز يوم 15 - 03 - 2014

ما الذي تريده إيران وهي تنشط يمنة ويسرة، وتدفع من أجل ذلك كلفة باهظة يتحملها شعبها الذي يعاني مثل معظم الشعوب الإسلامية الفقر والمرض، على رغم النفط الهائل الذي يجري من حولها؟ إنها تخطط بجهد ودأب شديدين لتأكيد قوتها ونفوذها، مستعدة أن تقاتل في سورية، تتآمر في العراق، تخرب علاقاتها مع السعودية وبقية الجيران، تضغط على الغرب تارة وتخاتله تارة أخرى، فما الذي تريده من كل هذا وتحديداً خارج حدودها وتاريخها؟
من السهل الإجابة عن سؤال ما الذي أرادته بريطانيا من الهند؟ ذلك أنها كانت استثماراً رائعاً، واضحاً وجلياً، عاد على الخزانة والبلاط ورجال المال والسياسة الإنكليز بخير وفير، ما جعلهم يتمتعون بأسلوب حياة أرستقراطي ممتع، وبالسياق نفسه نفهم سبب احتلال بريطانيا لعدن، فبقية اليمن الجنوبي، ثم مشيخات الخليج، إلى مصر، كان كل ذلك لأجل الهند.
بالمنطق نفسه يمكن تفسير حماقة صدام حسين في غزوه الكويت، لقد رآها «خزانة مال» وبئر نفط هائلة يحل بها كل مشكلاته الاقتصادية التي تسبب فيها بحماقاته الأخرى مثل حربه مع إيران، وقبل ذلك تفكيك مجتمعه واقتصاد بلده الثري. ولكن لماذا أرسل عبدالناصر جيشه إلى اليمن في مغامرة أدت إلى تدمير الجيش والاقتصاد معاً؟ إذ لم تكن هناك مكاسب اقتصادية لمصر - أو لنقل لعبدالناصر - فمصر اختفت يومها في شخصه. لن أجد سبباً غير «ايغو» (ego) الزعيم، ذلك الشاب الذي يريد أن يقود الأمة العربية ويصنع مجداً شخصياً له. لم يكن هناك في جبال اليمن مكاسب اقتصادية ولا نفوذ استراتيجي لمصر.
الحال نفسها أراها عند محاولة الإجابة عن سؤال: ما أهمية سورية لإيران؟ لن يستقيم هنا التفسير الاقتصادي الاستعماري القديم، والذي على رغم «لا أخلاقيته» فإنه سبب أفضل للمواطن الإيراني، مما يقال له الآن لتبرير البلايين التي تهدرها حكومته بعيداً في بلاد الشام، فلا مكاسب اقتصادية لإيران في سورية ولا في لبنان ولا في اليمن.
حاول الباحث الأسترالي الجاد روجر شانا هان في ورقة نشرها مركز كارنيغي قبل أسابيع أن يجعل من «مقام السيدة زينب» سبباً للاهتمام الشيعي (العالمي) بسورية، وذلك في معرض إجابته عن سؤال جعله عنواناً لمقالته «ماذا تعني سورية لشيعة المنطقة؟»، فعجز عن تقديم إجابة أفضل من أن سورية «امتداد استراتيجي لنفوذ إيران في المنطقة، وضرورية لضمان خط إمداد لحزب الله في لبنان، الذي يعد أقوى تجليات الثورة الإسلامية».
ولكن هذه «أهداف سياسية»، ولا تبرر الكلفة الباهظة التي يتحملها الاقتصاد الإيراني، ودفاعه المستميت عن نظام بشار الأسد، ولا تبرر أيضاً تدخلاتها في اليمن. العراق وحده يوفر حافزاً اقتصادياً للتوغل الإيراني فيه، فهو ثري يدر مكاسب هائلة لبعض رجال الحكم في طهران، وذلك بالشراكة مع رجال حكومة نوري المالكي الذين تحولوا إلى مجرد تابعين لإيران، ولكنه بالتأكيد ليس بالمال الحلال ولا المستدام، فهو فساد وظلم فاحش يدفع ثمنه الشعب العراقي فقراً وجهلاً وتردياً هائلاً في أبسط الخدمات.
هل تسعى إيران إلى فتح أسواق لها ولمنتجاتها وشركاتها في تلك الدول؟ نعم إنها تفعل ذلك، ولكن على طريقة الاتحاد السوفياتي والدول التي كانت تدور في فلكه الشيوعي، ولكن حتى لو كان ذلك مبرراً اقتصادياً فإنها لا تحتاج إلى تأسيس أحزاب ميليشياوية صلبة مدربة وصعبة المراس مثل «حزب الله» في لبنان، ولا أن تموّل وتسلح تياراً عقائدياً مثل الحوثيين، كما أن تهريب أسلحة إلى نيجيريا لا يصب في سياسة فتح الأسواق. في المقابل نجد أن السعودية وتركيا مثلاً تفتحان أسواقاً في بلدان الشرق الأوسط، ولكن لم تحتاجا يوماً إلى تشكيل ميليشيات.
ماذا لو كان محرّكها نشر المذهب الشيعي في المنطقة والعالم الإسلامي؟ هذه حقيقة، وهي مستعدة لتحمل تبعاتها، فهي تعلم أن ذلك محل ضيق كثير من الدول، وجلب عليها احتجاجات من ماليزيا حتى المغرب، إلا أن من الممكن تبرير ذلك بأنه واجب أي دولة عقائدية، ولكنها لا تحتاج ميليشيات وتدريباً وشبكات سرية لذلك. السعودية تصرف على الكثير من المدارس والمساجد حول العالم بكل شفافية ووضوح، وكذلك تفعل مصر وأزهرها، ولكن من دون ميليشيات وحسابات سرية.
إذاً ما الذي يحرك إيران ويحفز شهيتها ل «الهيمنة»؟ سيقول قائل: هذا دأب إيران منذ زمن الشاه الذي أراد يوماً أن يكون شرطي الخليج، وإنها نزعة شرقية قديمة مثلما فعل عبدالناصر وصدام حسين وغيرهما. كل المؤدلجين يريدون «الهيمنة»، ولكن إيران الحالية دولة براغماتية، والهيمنة وفق قواعد الزمن الاستعماري باتت فكرة بالية، وقد تغيّر الزمن ولم يعد الخليج في حاجة إلى شرطي بعدما حضر الشرطي الأميركي، والأفضل للإيرانيين بما عندهم من أيدٍ عاملة ماهرة تبحث عن عمل، ومصانع تبحث عن أسواق، أن يتبنوا النموذج التركي الذي يمارس «الأعمال» لا الهيمنة، وبها مد نفوذه في المنطقة، ولكن الإيرانيين يبحثون عن شيء آخر. فما هو؟
وجدت بعضاً من الإجابات في ما جمعه الدكتور حمد العيسى في كتابه «زمن الفتنة: شيعة ضد سنّة.. وسنّة ضد شيعة» من ترجمات لباحثين حول هذه المسألة الشائكة، وانتهيت إلى أن «الأصولية» هي ما يحرك آيات الله هناك. إنه حلم ببناء الدولة الإسلامية التي تستعد لاستقبال «مهدي منتظر»، إنهم يريدون تسهيل مهمته، لا ينتظرونه حتى يقيم دولة الخلافة ويقيم العدل بين الناس ويمنع الظلم كما يفعل عوام المسلمين من سنّة وشيعة، ولكنهم يأخذون زمام المبادرة مثلما يفعل أصوليون مثلهم مهووسون بالخلافة مثل حزب التحرير، وبعض «الإخوان» والسلفيين. الفرق أن هؤلاء لم يتمكنوا من دولة ولا يزالون في أطوار التكوين. تخيّل لو وصل زعيم «حزب التحرير» إلى الحكم في بلد سني ثري بالنفط، سيفعل بالتأكيد مثلما يفعلون في طهران.
عندما تنشط الأصولية السنية في محيطها الطبيعي، مثل «إخوان» مصر أو تونس، يكون صدامها مع من يخالفها سياسياً أو فكرياً وليس «طائفياً». ولكن عندما نشطت «الأصولية الشيعية» خارج محيطها، فلا بد من أن يكون صدامها «طائفياً» إذ هو شيعي ضد سنّي أو العكس.
مشكلة الأصولية الإيرانية أو الشيعية، أنها لم تكتفِ بالنصر الذي حققته بالوصول إلى السلطة في إيران حيث محيطها الطبيعي، وإنما مضت تنشط خارجه، حيث الغالبية الساحقة التي تختلف عنها، ولكنه ضعف الآخرين أو تفرقهم الذي أغراها أن الزمن زمانها، وتحقيق أهدافها «الأصولية» بتصحيح ما تراه تاريخاً إسلامياً عمره 1400 عام. ظلم أهل البيت وشيعتهم في معاندة للفكر الشيعي التقليدي الذي ترك هذه المهمة ل «زمن المهدي» ولم يكن ذلك فقهاً منه فقط، ولكن إدراكاً لواقع جيو - سياسي، فالسعي لإقامة دولة الشيعة الكبرى في ظل الواقع القائم يعني أن تواجه الأقلية الشيعية غالبية إسلامية تفوقها تعداداً أضعاف المرات.
في خارج إيران كل العالم الإسلامي نقاط تماس للأصولية الشيعية، حتى العراق، الذي يستعجل البعض بجعله كتلة شيعية. نعم ثمة غالبية شيعية إذا ما استبعد الأكراد، إلا أنها ليست كافية أن تجعل منه شيعياً. المنطق والعقل والتاريخ يقول إن «العلمانية» هي الأفضل للعراق، وهي التي ستحفظ حقوق الشيعي والسني، أما إذا أصرّ أحدهم على غير ذلك فإنه يدفع العراق إلى التقسيم، وذلك ما هو حاصل حالياً.
سورية لم تكن يوماً شيعية لتحارب إيران فيها بكل هذه الشراسة. إنها تحارب للدفاع عن نظام أقلية ديكتاتوري لا يمكن أن ينتصر إلا بالقوة، ولن يحكم إلا بالقوة أيضاً، إنها حال غير مستدامة، إلا إذا اعتقد الأصوليون الإيرانيون أنهم قادرون على تشييع غالبية الشعب السوري المتعصب لسنيته، والذي ازداد تعصباً لها خلال أعوام الحرب ضد بشار.
هذا الحلم بتشييع سورية من أهم أسباب الفتنة الطائفية التي نعيشها، ولكن طهران تتعامل مع سورية وكأنها ضاحيتها الخلفية، تستميت في الدفاع عن بشار الأسد ونظامه، بل تشارك في القتال بخبراء ومتطوعين فاق تعدادهم بمراحل المقاتلين السنّة من غير السوريين الذين سلطت عليهم الأضواء أكثر.
حتى حجة مواجهة التكفيريين في سورية غير مقنعة، فهؤلاء مشكلة الغالبية السنّية في سورية قبل أن تكون مشكلة للشيعة، وقتلَ التكفيريون من السنّة أكثر مما قتلوا من الشيعة والعلويين.
لدينا نحن المسلمين - سنة وشيعة - من المشكلات والتحديات ما يكفينا، نعاني جميعاً التخلف والجهل والمرض والتعصب والاستبداد. كلنا دول عالم ثالث متخلّف، ولو توقف الصراع بيننا فلن تبتسم لنا الحياة، ولن تشرق شمسنا، ولا يزدهر ربيعنا. كل ما سيحصل أننا سنستطيع حينها أن نواجه حقيقتنا المظلمة كما هي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.