الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    علي ناصر محمد يفجر مفاجأة مدوية: الحوثيون وافقوا على تسليم السلاح وقطع علاقتهم بإيران وحماية حدود السعودية! (فيديو)    شاهد الصور الأولية من الانفجارات التي هزت مارب.. هجوم بصواريخ باليستية وطيران مسير    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الربع ساعة الأخيرة!..
نشر في نشوان نيوز يوم 13 - 03 - 2011

التفسير السياسي والنفسي لكثرة المبادرات وإسهالها، في الربع ساعة الأخيرة، يُوْمِي عن إفلاسٍ في التفكير ،وفي الطرح المتأخِّر ؛ أولاً... و إلا فأين كانت تلك المبادرات ؟

وثانياً؛ يشير، بكل وضوح، إلى قوة ضغط الشارع، وتناميه؛ مما يُكَوِّن دفْعاً قوياً وزَخَماً هائلاً، باتجاه إرتفاع سقف المطالب عند الثوار، ليمنحَهم مِساحةً كبيرةً فوق الطاولة، لتضيق مِساحة المماطلات والمناورات والمبادرات عند الرئيس ليختنق في الدقائق الأخيرة؛ وَزِدْ عَليهِ أَنَّهُ يسمح لهم بقوةٍ بالتنفس، والتحرُّك مرَّةً أخرى بنَفَسٍ جديدٍ وطاقة جديدةٍ، وبتفاقمِ الإحساس عندهم بشرعيتهم، وشرعية ثورتهم، وشرعية المطالب نفسها؛ مما يزيدهم طاقةً فوق طاقة. تلكَ هيَ ثورةُ السَّلام والبحث عن حقيقة الشَّعب وبداية رحلة الحريَّة مِنْ صباحٍ جديد التي تسعى لتحقيق شروطها بنفسها، بهدوء، وعقلٍ، ورويَّة واثقةٍ، متمكنةِ الخطو؛ لتتضحَ معالمُها، التي تتكشَّفُ مع كل يومٍ جديد، وعند كل مبادرة يقوم بها الرئيس في الربع ساعة الأخير. وثالثاً فإنه يَنُمُّ عن خوآءٍ حقيقي في التَّفكير، وبلادةٍ مُفْرِطةٍ في قراءة الحدث، وَعِوَجٍ في تصوُّرات الوضع الحقيقي للثَّورةِ، وخطأٍ فادحٍ يرتكبه الرئيس وهو يُنهي الرُّبع السَّاعة الأخيرة من قراءة الحدث بالمقلوب من عهده الملعون.
ولحظة الإختناق التي يصل إليها الرَّجُلُ القابعُ في صنعاء عَيِي عبدالله فاسد، بحماية مأة ألفِ بندقيةٍ، قد دفعته لارتكابِ جرائمَ حماقاتٍ في قتل النَّاس والشباب المعتصم المسالم، برصاصِ عصاباته، وعِصِي بلاطجته؛ وقد رماهُ شيطانُه بإبداع الغاز السَّام ليرميه بين إبناء شعبه، فيُشلَّهم من قمة الرأسِ إِلْى أخمص القدم. والمناضلون الشرفاء يدركون أَنَّ التغيير تلزمهُ قيمة. وقيمة التغيير هي التضحية بالمال والنَّفس في جادَّة تحقيق غاياتهم، وفي سبيل ابتنآء أهدافهم التي يتوَّخى الثُّوَّارُ الوصول إليها.
والإيمانُ بالتغيير ومُرادات التغيير، وبالثورة وأهداف الثَّورة، يستلزمه شرط القبول بقيمة الوصول؛ و إلَّا نكون كمَنْ يرمي الأشيآء بغبآءٍ يستبيح الأشيآء حقيقتها؛ فتصبح الأشيآء بغير حاجةٍ إلى التبرير، ناهيك حتى عن الحديث عنها. والثُّوَّار هنا في ساحات إعتصامهم في حجِّهمُ الأكبر يُدركون ما هو أمامهم وخلف أَكَمَةِ القصر الجمهوري من النوايا الخبيثة. وكما قالَ عمر المختار.. ( نحن لا نستسلم! ننتصر أَو نموت )!
وما برح الرئيس يَسْلُتْ المبادرة تلوَ الأخرى وهو يعلم تماماً أنْ السَّلْتةَ كانت أحزاب المعارضة واللقاء المشترك قد سَلَتَها قبل أشهر. وحين يرد أولئك عليه أنْ قد تأخرَ بتقديم تلك السَّلْتة، وقد إنفض الجمع تعباً من كذبه وومماطلاته. والمماطلة نصف السرقة شرعاً!.. أَنْتَ لَاْ تدركُ مَنْ تقاتل يا عَيِي ولستَ علي ! إِنَّكَ تقاتل ناساً بُعِثُوا، فانتفضوا مِنْ قبورهم وقد إستمروا فيها هامدينَ على عهدكَ الملعون! أَفَتُرَاْهُم يرجعون إِليها بعد انعتاقهم من أجداثِ سجون عهدك! إِذِن فَأَنتَ لا تدركُ مَنْ تٌقاتل. شَعبٌ وهب نفسَه الحياةَ فلن يعود إلى الموت مرَّةً أُخرى.
وحين يشير المشترك والمعارضة والقبائل والشيوخ بأصابعهم إلى الشباب المعتصم في القرى والمدن اليمنية ، في كل مرة يَنْخُطُ فيها الرئيس، فأنَّ ذلك يشير بجلاء إلى عدد من القضايا. القضية الأولى هي أنَّ الشارع الآن هو الطرف المعني الأول والأخير في الثورة؛ وعلى الرئيس أنْ يتجاوب مع مطالب الثوار والثورة بدايةً إذا كان يريد حقيقة أنْ يثبتُ لنفسه حقاً وللناس قبولاً في البقاء في بلاده وبين أهله مُشرَّفاً وكريماً غير ذليل أو مهان. إِلَّاْ أَنَّ سقفَ مطالب الناس إِرتفعتْ واضحةً سقفها الآنَ بعدما إجترأ هذا القابع خلف الدَّبابة والمدفع على تقتيل شعبه! .. وقد عبَّروا عنها بالبيانات الصادرة عن مجلس قيادة الثورة أو مجلس تنسيق الثورة، كما عبَّروا عنها بالأغاني والشعارات والنكات والكاريكاتورات والمقالات. وعبَّر عنها الصغير والكبير والرجل والمرأة وكل شرائح المجتمع المدني بكل أنماطه وألوان أُفقه الإجتماعي والسياسي والمدني والمهني. ولم يبقَ للرئيس سوى شُذَّاذ الأفاق وحَمَلَة الأبواق وقُطَّاع الأرزاق وسراسرة الدَّجل والنفاق ومافيات الإرتزاق، فأمسى علي يذكرني ب ( علي بابا والأربعين حرامي )!.. مسكين هذا الرجل الذي هزته إمرأةٌ بألف رجل.
وحين تُحبس الناشطة ( توكل كرمان ) وترمى على بابها التُّهم التي أترفع - وغيري كثيرون - عن حتى الإيماء إليه، فماذا بقي لك من صفة أحرى أنْ يتصف بها رئيس لأربعة وعشرين مليوناً!.. بل ماذا يبقى لدينا عليك من العتاب سوى العقاب! ليتني أستطيع أنْ آتي إليك حتى أُنْزِلُ بك ما تستحق من العقاب أيها الضائع الذي كان كبيراً، فأضحى شيئاً لم نعد نرَ فيه شيئاً!..
فهد القرني يُحبس!؟..
لماذا؟! لأنه عبَّرَ عن إحساس مارد في قلوب وصدور الناس!.. لتحبسه! هل أنتَ رئيس دولة أم رئيس عصابة مارقة!.. ثم إذا بك تقتل أبناء شعبك في كل مكان! وبعد.. لا تريد أَنْ يثورَ الناس على فسادك؟ فلقد ملَّ الناس شخصك وعهدك ومماطلاتك ومناوراتك.. وأتصور حتى الزَّواج الذي يستمرُ هذه المدة يصبح مُمِلَّاً ! مللناكَ يا أخي فارحلْ بشرفٍ وكرامةٍ قبلَ أَنْ ترغمنا أَنْ نفعلَ ما لا نحب أَنْ نفعلَ فما زالتْ أخلاقنا اليمانية ليِّنةً، وقلوينا رقيقة فأينَ سهمك منها أَيُّها الرَّجُل!
كم هي رائعة هذه الثورة العربية التي كشفت عن عوراتكم في القوادة لا القيادة.. والتي عرَّفتِ الشعوب كم تكرهونهم كرهاً بلا هوادة يا شُذَّاذ الآفاق.. وتلك إحدى حسناتها!
وبعد!..
لستُ أدري ما أصنَّفُ مِن سوءآتك وسيئاتك وآثامك في حق هذا الشعب الطيب الصابر الصبر الجميل، وعبثك بأرواح الناس وقتلهم بغير ذنبٍ يُسأل عليه! إنَّ حجم قبحك عند قتل الناس، وشناعة سيئآتك في ظهورك لتتحدث كأنْ لم ترتكب قتلاً، ووقاحة حديثك في كذبك ومماطلاتك وسوءآتك، ودناءة أفعالك وبذاءة أقوالك.. فاقت كل طاقة لشيطان رجيم وإبليس لعين.. وبكتْ جهنمُ .. لم تعد تسهم في عقابك غير ألف نار لألف جهنم.!..
إنَّ الحديث عنك مُتْعةٌ عجيبة، تجعلني أنقب عن ألفاظ في قواميس اللغة بديعة في إبداعات اللفظ القاطع والحرف اللاذع التي - ربما - تقدر أو تستطيع أنْ تحتويك، ولكنها - هذه الألفاظ - أراها تتقاتل بينها وتتحارب لتبتعد عنك خوفاً من نفسك التي سحقت بذاءات كل لفظ وحرف وأعجز ألف حُطَيْئة!..
وبعد..
أتسمع من في الشارع أيها الأصم!..
أشك أنك لا تسمع.
فهل آنَ لك أنْ تفهم أنك لا تفهم! وهل آنَ لك أنْ تعرف أنك طقطقات وذبذبات عقارب الساعة في ربعها الأخير. أنَّ الثورة لا تتأخَّر إذ خرج الناس لإسقاط لا نظام فسادك، فلا تتأخر أنتْ في المبادرة الحقيقية التي تأذن بها تلك الربع الساعة الأخيرة!
إنَّ ما سيجعل الناس تحترم تلك الربع الساعة هو أنْ تنزعَ مِمَّنْ لا يُستَحقُّ أنْ يعطَ من بنيك وأخوانك وأقاربك وأُسْرتك وأهل قريتك من مراكزهم في مفاصل الجيش الذي تتقوَّى به وتهدد العباد والبلاد به؛ فأمسى جيشك وليس جيش الشعب!.. إفعل ذلك إذنْ حتى يصدِّقَكُ الناس أنْ لو حسنتْ نواياك.
ثم بعد ذلك أنْ تتنحى كريماً شريفاً غير ذليل. وأترك الباقي للثورة والثوار.
وبعد..
يقولون أنَّ الثورة قد تتأخر، ولكنها ألبتةَ لا تخمد جذوتُها، حال أذِنَ لها التاريخ، وقادها الجوع والبطالة والفقر والفاقة، وتحولتِ الشوارع إلى ساحات مقدسة بدم شهيد أو أنَّةِ جريح. والدم المسفوح في معركة الناس مع الليل يمسح على وجوه طلوع الفجر وردةً وطاقة وثورة فوق ثورة...
تَرَكْتَ وِلْدَاْنَنَاْ تَدْمِيْ نُحُوْرُهُمُ *** وَجِئتَ مُخْتَطِبَاً يَاْ ضَرْطَةَ الْجَمَلِ !
فماذا فعلتَ بالإنسان فيك!..لا أدري أي قلبٍ يمكن أنْ يحمل هذا الكره والحقد لناسه وأهله وصل بروحك مرداة الهَلَكَةِ ومهاوي الإنتحار!.. إنه الكره والحقد الذي يحرق الغمام والمطر والفجر والزهر والعطر الندي. فماذا بقي وماذا تركتَ!..
لا شيء أبداً!..
وإذا بقي لدينا شيء فهو كتابة قصيدة مرثاة في الربع ساعة الأخيرة من عهد ملعون لقبر قد يلقاك مشانقاً ومجالداً وقصاصا. ولن يعتبَ أحدٌ معذبيك. ولن يتعب معذبوك !..
أما بعد...
ماذا قدمت للإنسان ؟..
لا تقل منجزاتي.
أنا لا أتحدث عن الحجارة والبناء والقصور والطرقات والجسور والأنفاق وغيرها. فتلك قاعدة تحتية تخدم الإنسان.
أتحدث عن الإنسان. هل تسمعني!؟ الإنسان الذي يبني هذه الأشياء التي تسميها منجزات. لن ألومك فلقد قتلتَ الإنسان يوم تربعت الكرسي الذي تجلس عليه في آخر ربع ساعة.
الإنسان.. المدرسة في كل القرى والمدن؛
الإنسان.. اللقمة الطيبة؛
الإنسان... الكريم الطيب النقي؛
الإنسان.. المستشفى، والدوآء؛
الإنسان... التعليم، والثقافة، والمسرح، والفن؛
الإنسان.. الماء النقي؛
الإنسان.. النور في كل قرية؛
الإنسان الذي يبحث عن قصيدة يكتبها، أو إبداع ينتجه، أو قطعة فنية ينحتها لا لقمة يبحث عنها من أول صُلْحِه مع الصباح إلى آخر فوات يومه.
الإنسان.. الجيش الذي يزرع شجرة لا يقتل نفساً؛ ويهدي وردة لا رصاصةً.
الإنسان.. الذي يقف الإنسان فيه شريفاً كريماً عزيزاً يحضن نفسه، وجاره، وحارته، ومدينته، وقريته، ووطنه من أطرافه.
لقد أفسدتَ الحياة كلها، وسممتَ سماءها، ولوثتَ هواءها، وعثت بقداستها، وقسمتَ بنيها، وفرقت ناسها، وغرَّبت شعبها، بداخلها وفي أصقاع الأرض.
فماذا سنخسر من بعدك !؟ لا شيء. ولن تأتي الدنيا بمن هو أو ما هو أسوء منك!..
وحين كان عبدالناصر يبني مشروع السد العالي في مصر؛ إنتفض العالم مُعاذِراً عبدالناصر أنَّ معبد أبي سمبل سيغرق عند أنشاء بحيرة ناصر. وقيل لعبدالناصر آنئذٍ أنَّ ذلك المعبد مَعْلم حضاري يجب المحافظة عليه. إبتسم عبدالناصر كعادته في موقف كهذا وقال: " طاب والشعب اللي بنى المعبد مش لازم يعيش وهو اللي بنى المعبد "!..
فماذا فعلتَ للإنسان!
وماذا بعد ؟!..
نعم.. الكلام عنك يطول، ولا ينتهي، وأجدُ المتعة كلها في الحديث عنك. لا بأسَ إِذنْ .. فدعني أكتبُ ما أريد!.. فكيفَ يفعلُ الزعمآءُ لبني وطنهم؟ تابع معي إِنْ تفهم !
حِيْنَ يَرتبطُ قِصَّةُ حياة رئيسُ أَيِّ بلدٍ بِقِصَّةِ بلده، فثِقْ جَيِّداً أَنْ التَّاريخَ كَاْنَ هناك فِيْ زيارةٍ مفاجئة لذلكَ البلدِ، وذلكَ الرئيسِ، وتِلكَ الأرضِ، وذلِكَ الشَّعْبِ. والتَّاريخُ ما كذبَ أَوْ عفى، وإِنْ نَاْمَ أَوْ غفىْ.
وإذا إرتبطَتْ قصةُ حياة أَيِّ رئيسٍ بِقصةِ بلادهِ في زَمَنٍ ما، فَإِنَّ ذلك يعني أَنْ الرَّجُلَ أَصبحَ قضيَّةً وطنيَّةً لِلناسِ، والأرضِ، وسوف يكون يوماً ما، جزءاً يعتزُّ بهِ النَّاسُ مِنْ ثُراثِهِ، وفلكلوره،ِ وأحاسيس التَّاريخ الْجيَّاشَة التَّي تبعثُ في النُّفوسِ قضيَّةً ودروساً لنْ تُنسَ.
التَّاريخُ على دوراتهِ يستذكرُ صُنَّاعَهُ، ويَتَقَيَؤ ضُيَّاْعَهُ. هكذا تروي لنا أحداثُ النَّاسِ، وأيامُ التَّاريخِ، وتحكي لنا قصصُ الأَرضِ في كلِّ مكانٍ وعصْرٍ. فَأَنْ يُصْبِحَ الرَّجُلُ قَضِيَّةً يحملها النَّاسُ في الأجفانِ فيطبقوها عليها، وتاجاً تلبسه الأيامُ، وعُشباً يكسي الأرضَ عنفواناً أخضراً وسُندساً بهياً؛ فِإِنَّ ذلك معناهُ أَنَّ الوطنَ، والنَّاسَ، والأرضَ، كانوا بالنسبةِ للرئيسِ قضية لهُ قبلَ أَنْ يكونَ هوَ نفسهُ قضيَّة لهم . وهنا يأتي ناموسُ اللهِ الحاسمُ مؤَكداً تلكَ الحقيقةِ .. "مَاْ جَزَآءُ الإِحْسَاْنِ إِلَّاْ الْإِحْسَاْن". وَإِلَّاْ فَلِمَاْذَا يستذكرُ النَّاسُ إِبراهيمَ الحمدي، ويحسنونَ لذكراه؛ ليَحسُّوا بهِ في أوقاتنا هذهِ العصيبةِ والعصيَّةِ والشقيَّةِ. كُلَّما ذُكِرَ إِبْراهيم وَقَفْ الجميع والتَّاريخ مَعاً. ولهذا يقفُ التَّاريخُ لِغاندي، ومانديلا، وكثيرين غيرهم مِمَّن حملوا أُمَّتَهم بينَ أجفانهم، فأَطبقَ النَّاسُ، والتَّاريخُ، أجفانهم عليهم في حياتهم التي تدوم بعد رحيلهم عنَّا جسداً لا قَضيَّةً.
وينتقلُ التَّاريخُ بهم مِنْ طَورِ الْقَضْيَّةِ إلى طوْرِ الأسطورة؛ حينَ يرى الأقزامَ يجوبونَ شوارعه. غاندي أصبح أسطورة هندية وعالمية، يتغنَّى بها الإنسانُ العادي، كما يتغنَّى بها العالمُ والسياسي البارعُ. مانديلا دخل أُفُقَ التَّاريخِ كَأُسطورة. وعمَّا قليل سيدخلُ التَّاريخَ أُسطورتان. بائِعُ البطِّيخ، وماسِحُ الأحذيةِ.
أُردُغان بائعُ البطِّيخِ في طفولتهِ أَصبحَ قضَّيَّة ، ليسَ في تركيا الغالية بل في العالمِ كلِّهِ. وبلادهُ أصبحتْ قضيَّةٌ ينظر لها العالمُ والتَّاريخُ بوقارٍ. الرَّجُلُ الذي غادر قاعةِ دافوس أعتراضاً على عدمِ الإنصافِ!
وَ لُولا ماسحُ الأحذيةِ أَصبح قضيَّة. ليسَ في البرازيل فحسب، بل في العالم كُلَّهِ، وربما في التَّاريخِ الحديث. وقفَ لهُ العالمُ بِإجلالٍ، ووقارٍ، وتبجيلٍ؛ بلا نظائرَ.
لولا دي سيلفيا الرَّئيسُ البرازيلي أَخرجَ بلاده إِلى مصافِ الدول الدَّائنة للبنكِ الدَّولي 14 مليار دولار، بعد أَنْ سددَ كُلَّ الدِّيون التي كانتْ على بلادهِ، وأخرجَ ما تعدادهُ ثلاثين مليوناً مِنْ أبنآءِ شعبهِ مِنْ خطِّ الفقر!
فماذا فعلتَ أَنْتَ لثلاثة وثلاثين عاماً! سَلْ نفسكْ . أَوْ أَقُولُ لَك لَاْ لَاْ تسلْ .. فما بقي مِن الوقتِ شيئاً! فماذا ستفعل في 15 دقيقة.. إِذا كنتَ لم تفعل شيئاً في 17,344,800 دقيقة ثلاث وثلاثين عاماً! عفواً .. فلقد تعدَّيْتَ آخر خطٍ أحمر قتلتَ شعبكَ، فلم يعدْ سقف المطالب ( الشَّعب يريد اللانظام )، بل زِيْدَ عليه (والشَّعب يريد محاكمة الرئيس وأذياله وزبانيته وجلاوزته)!
وَاكْتبْ على قبرك أَنك عشتَ خمس عشرة دقيقة!
أَمَّاْ بَعْد
فَهَذِهِ أغنية الرَّحِيْل!
" لَاْ لَنْ أَتَنَحَّ "
" لَاْ لَنْ أَرْحَلْ!"
مَاْذَاْ سَمِعْتُ ؟
أَنْتَ عَمِيٌّ.. خَرِفٌ ( أَهْبَلْ )!
هَذَاْ الشَّاْرِعُ يَهْتِفُ ( إِرْحَلْ ).
إِنَّ الظَّالْمَ عَدْلَاً يُسْحَلْ !
أَوَلَمْ تَقْرَأ لُغَةَ الدُّنْيَاْ.. كُلُّ الدُّنْيَاْ صَرَخَتْ ( إِرْحَلْ )!
خَلَعَ النَّاْسُ الزَّمَنَ الْأَرْذَلْ !
" لَاْ لَنْ أَرْحَلْ " .. تَبْدُوْ قَزَمَاً، تَبْدُوْ أَجْهَلْ .
مَزِّقْ..
دَمِّرْ ..
مُرْ بِجُنُوْدكَ فَوْقَ صًدًوْرٍ رَفَضَتْ إِلَّاْ أَنَّكَ تَرْحَلْ !
قَبْلُكَ فَعَلُواْ مَاْ قَدْ تَفْعَلْ
هَذَاْ شَبَاْبٌ الأُمَّةِ يَسْعَىْ.. يَكْتُبُ فَجْرَ شُمُوْسٍ تُذْهِلْ!
ثَوْرَةُ شَعْبٍ جَعَلُواْ الْفَجْرَ الْقَاْدِمَ مَنْهَلْ
عَشِقُواْ الْمَوْتَ نَدِيَّاً أَخْضَلْ!
شَرِبُواْ رَصَاْصَكَ مَاءَاً أَخْطَلْ!
هَنِئُواْ الْوَطَنَ الْغَاْلِيَ دُنْيَاْ تَرْحَلُ فَوْقَ شِفَاْهٍ مَعْسَلْ
تَرِبَتْ يَدُهُمْ إِذْ أَطْلَقْتَ الْغَدْرِ لَصَدْرٍ أَعْزَلْ !
هُمْ قَدْ فَطِنُواْ أَنَّكَ وَغْدٌ
فِيْكَ خَلَاْقُ الْوَغْدِ وَأَرْذَلْ.
رَقْصُكَ أَفْعَىْ. حَرْفُكَ كِذْبٌ..
تَخْرُجُ
تَخْطُبُ عَقْرَبَ فِيْنَاْ تَبْدُو كَأَنَّكَ سُمٌّ يَقْتُلْ !
حَرْبُكَ ضِدَّ الشَّعْبِ سَتَفْشَلْ !
حَظُّ بَقَآئِكَ بِيْنَنَاْ يَنْحَلْ !
فَضْلُ الثَّوْرَةِ فِيْ سَاْحَاْتِ الْقَصْرِ سَيَأْتِيْ حَشَّةُ مِنْجِلْ!
فَوْقَ فَسَاْدِ الرَّأْسِ الْأَجْهَلْ.
خَفْقُ فُؤَآدِكَ كُلُّهُ كُرْهٌ..
نَبْضُ دِمَآئِكَ حِقْدٌ فِيْهِ يُطْفئُ مُزْنَاً ..
مَطَرَاً يَهْطُلْ!
بَطَلٌ أَنْتَ .. شَهَمٌ أَنْتَ ..هَيَّاْ تَقَدَّمَ
شَعْبَكَ فَاقْتُلْ !
إِمَّاْ نَمُوْتُ أَوْ نَنْتَصِرُ أَوْ أَنْ تَرْحَلْ !
أَضْحَكُ دَوْمَاً حِيْنَ أَرَآكَ تُبَاْدِرُ خُطَبَاً
يَرْجِفُ فِيْ شَفَتِيْكَ الْكِذْبُ وَأَدْجَلْ !
لَاْ لَنْ تَحْكُمَ شَعْبَاً أَفْتَىْ أَنَّكَ تَرْحَلُ أَوْ سَتُرَحَّلْ !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.