جنبا الى جنب مع تبادل الابتسامات والضحك في الاسبوع الماضي في القدس، كشف كل من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الاميركي باراك اوباما ايضا عن اختلاف في النظر بشأن القضية السورية، ففي المؤتمر الصحفي المشترك هاجم رئيس الولاياتالمتحدة بكلمات قاسية بشار الاسد وشدد على ان النظام السوري “يجب ان يرحل”، اما نتنياهو فقد اكتفى بذكر المذبحة في الدولة الجارة من غير ان يذكر أسماء المسؤولين ومن غير ان يقول كلمة واحدة عن تغيير سياسي في دمشق. ووفق صحيفة هاارتس الاسرائيلية فان نتنياهو اصبح في السنوات الثلاث الاخيرة حليفا صامتا للاسد، وفي الوقت الذي اصبح فيه النظام السوري غير مستقرا وانتهكت الحدود السورية، حفظت اسرائيل ظهر الطاغية في دمشق اذ انها امتنعت عن القيام باي تحركات عسكرية رادعة، ولم تعلن تأييدها للمعارضة السورية، كما انها لم تيتغل الفظاعات في سوريا في دعاية سخيفة مثل “العرب يقتلون العرب وهذا لا يهم العالم المنافق وهو ينددون بنا على أقل من ذلك بكثير”، بل اكتفى نتنياهو بكلام عام على “انشقاق سوريا” وبتحذيرات من وصول السلاح الكيميائي والصواريخ الى ايدي الارهابيين. واوضحت الصحيفة ان التحالفات بين الدول لا تتطلب عقد لقاءات بين الزعماء أو تبادل سفراء أو تصريحات تأييد وحب بل تكفي المصالح المتبادلة التي يدركها الأطراف ويتصرفون بحسبها. وقد كان لنتنياهو عدد من الدوافع للاقتراب من الاسد أولها ابعاد سوريا عن ايران على أمل ان تتنحى جانبا ولا تتدخل في حال وقوع هجوم اسرائيلي ضد المنشآت النووية الايرانية في نتناز وفوردو، والثاني أن فقدان اسرائيل حلفها مع تركيا ومع مصر بعد ذلك يضاعف المخاوف حول تدهور الوضع الامني في الجنوب مما حث اسرائيل على طلب الهدوء في الشمال، وثالث دافع كان اضعاف حزب الله، والرابع الخشية من ان يكون المتمردون السوريون هم في الحقيقة عناصر في تنظيم القاعدة وبالتالي الخشية من ان يؤدي سقوط النظام الى تحويل سوريا الى دولة جهاد معادية. واشارت الصحيفة الى ان خطوة نتنياهو الاولى كانت عبارة عن تفاوض غير مباشر مع الاسد، بوساطة الدبلوماسيين الاميركيين دنيس روس وفيرد هوف في نهاية 2010، وكانت الصفقة المقترحة تقتضي بانسحاب اسرائيل من الجولان مقابل سلام كامل وانفصال سوريا عن ايران، وقد اعتنى بالتفاوض في الجانب الاسرائيلي المحامي اسحق مولخو والعميد (احتياط) مايك هرتسوغ والمستشار السياسي عوزي أراد. واشرك نتنياهو فيه وزير الدفاع اهود باراك لكنه أبعد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. وبهدف ابعاد الاتصالات عن الكرياه وضباطها جاء روس وهوف لابلاغ محادثاتهما في سوريا في مكتب المحاميين شومرون وملخو بارسكي وشركائهما في برج البلاتينوم في شارع الاربعة في تل ابيب. وفي اوائل العام 2011 جاء روس وهوف الى اسرائيل من محادثة مع مسؤول رفيع المستوى من النظام السوري، وتحدثا هنا بحسب قول مصدر اميركي عن ان الاسد مستعد للتوجه الى الصفقة وحاولا اقناع نتنياهو بالموافقة، وفي هذا السياق قال المصدر: “كان ذلك قريبا جدا”، مشيرا الى ان المحادثات لم تصل الى مرحلة التباحث المفصل لمراحل الانسحاب وترسيم الحدود والترتيبات الامنية، وتوقفت الاتصالات مع بدأ الثورة الشعبية ضد الاسد. واوضحت الصحيفة ان هناك عدة اشياء قد تغيرت منذ ذلك الحين، اذ دفع الاسد مرة اخرى الى احضان ايران التي تدعمه بالسلاح والمال والتأييد السياسي، وغيّر الوسيط هوف منصبه اذ بات مسؤولا كبيرا في مركز رفيق الحريري للشرق الاوسط، وهو يدعو الآن الى زيادة التدخل الاميركي لاسقاط الاسد، واقتربت اسرائيل مرة اخرى من حليفتيها القديمتين الاردنوتركيا اللتين تسلحان معارضي الاسد وتتدخلان في السياسة الداخلية السورية، وكل واحدة منهما تؤيد فصيلا خصما من المعارضة، اضاة الى ذلك قامت اسرائيل بفتح “جدارا طيبا” وبدأت تعالج جرحى سوريين، ويحلم قائد منطقة الشمال يئير غولان بانشاء “شريط أمني” في الجولان تسيطر عليه عصابة مسلحة سورية موالية لاسرائيل تشبه جيش جنوبلبنان في حينه. واختتمت الصحيفة بالقول ان نتنياهو ما زال يحافظ على كرامة الاسد ويمتنع عن التحرش به الذي قد يجر اسرائيل الى الورطة السورية، وليس من الواضح عما اذا طلب اوباما، خلال الزيارة التي قام بها مؤخرا، من نتنياهو ان يتشدد في موقفه، ومن المثير ان نعلم اذا كان نتنياهو يستعد للحظة التي ستضطره فيها الظروف الى تغيير المواقع، واعتذاره للاتراك هو الخطوة الاولى في هذا الاتجاه.