لا يدرك الحوثيون بالضبط هل ما يعيشونه هو الربيع أم الخريف، وهل توسعهم وتصعيدهم المسلح في محافظة صعدة وما جاورها من المحافظات شمالي اليمن هو لإكمال البناء، أم هو بداية الذوبان، فهم يتوسعون بقوة الحديد والنار، لكنه توسع الفراغ، فليس لديهم ما يقنعون به الشعب، وهم يثورون لبناء دكتاتوريتهم الخاصة الملبسة بالدين، لا كما يفعل الشعب الذي يثور ضد الفساد ومن أجل المزيد من الحرية.. وخلال 6 حروب مع الدولة كان الحوثيون يكبرون مع نهاية كل حرب، والشعب لا يثق بالنظام الذي يحارب هؤلاء المتمردين كما يجب، فاستمدوا قوتهم من ضعف مصداقية خصمهم، ولحساباته السياسية التي كانت تخدمهم، ما جعل ما يحدث في صعدة وما جاورها غامضاً لدى الكثيرين، لتمر الأيام وتتكشف أوراق التمرد والنظام تباعاً، وصولاً إلى وفد دماج، وما وفد تقصي الحقائق في دماج؟.. 14 ثائراً، بينهم إعلاميون وحقوقيون، وجلهم من المستقلين خرجوا على نظام الرئيس علي عبدالله صالح منذ 10 أشهر قضوها كأصعب لحظات التاريخ، لكن أصعبها في حياتهم كانت ثلاثة أيام في ضيافة المتمرد الحاكم الثائر، وهم يحاولون تقصي الأوضاع في المحافظة الحدودية التي أصبحت في قبضته بشكل تام، حيث تتعالى أصوات المواطنين لمطالبة العالم بإنقاذ الآلاف من النساء والأطفال الذين يعيشون تحت النار والحصار الحوثي الذي يقتل باسم الثورة.. وبحسب ما تأكد ل"نشوان نيوز" فإن الوفد الثائر تكون من 4 إعلامين، 2 من الحقوقيين، جمعتهم اللحظات الأخيرة قبل السفر إلى صعدة بمبادرة شخصية، بعضهم لم يعرف الآخر إلا خلال السفر، وربما ساعد استقلالهم على جعلهم غير مقيدين بأية حسابات سياسية، وإنما ذهبوا لتقصي الحقائق عما يجري في منطقة دماج، حيث يقطن معهد دار الحديث التابع للتيار السلفي المقرب من النظام، والذي يدرس فيه طلاب من مختلف مناطق اليمن والعالم.. ولا تبدوا تبريرات عبدالله أبوعلي الحاكم، القائد العسكري للحوثيين في صعدة للثوار لدى وصولهم بأن الحملة ضد السلفيين وأهالي دماج لأنهم يقفون فكرياً وعقدياً، ضد الثورة، إلا إدانة للثورة.. فمبدأ الثورة هي أن الاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية.. عندما انطلقوا كان الحوثيون في ساحة التغيير هم من نسق معهم، حيث ابلغهم علي العماد مسؤول الحوثيين في الساحة بأن لا صحة لوجود حصار على المواطنين في دماج، وعليهم التوجه، وعندما وصلوا كانوا شهوداً على الاتفاق الدي رعته القبائل ولم يتم له النجاح، وينص أحد بنود هذا الاتفاق على فك الحصار على دماج، وهو بداية تدحرج أمالهم، وعند وصولهم منطقة "حرف سفيان" بمحافظة عمران المجاورة لصعدة، أغلق سائق البيجو المسجلة التي تغني، فهناك وصلوا المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث "لا صوت يعلو غير صوت عبدالملك الحوثي"، ولا وجود للدولة المدنية هناك، بل إن ما هنالك هو ديكتاتورية بوليسية يحكم بها الحوثيين"، وذلك كما أكد عضو الوفد الصحفي حمود هزاع أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده الوفد في نقابة الصحفيين اليمنيين.. حيث أكدوا أن الحوثيين في صنعاء يختلفون تماماً عما شاهدوه هناك.. الحاكم .. حاكم صعدة الفعلي عبدالله أبوعلي الحاكم، هو الاسم الأبرز الذي يتردد بالوفد الإعلامي والشبابي والحقوقي، وهو القائد العسكري لعناصر الحوثي في صعدة، لكنهم أكدوا أنه الحاكم الفعلي لصعدة حسب ما بدا لهم من اللقاءات والتحركات التي وصفوها بجلسات التحقيق كما يؤكد عضو الوفد قايد السعيدي.. ومن لقائهم الأول به وترحيبه الحار إلى أن أصبح الذي سيضع الحوثي في موقف حرجٍ جداً، بسبب تعامله التعسفي مع وفد قادم من صنعاء يحمل أقلاماً وكاميرات تصوير، وليس من السهولة كسبه.. وقد زاد الوضع سوءاً عليهم المعاملة البوليسية والتهديدات واالمراقبة الحديدية.. للدرجة التي جعلتهم – بحسب أعضاء الوفد في المؤتمر الصحفي- يسجلون كل كلمة يقولها الشباب فيما بينهم، ويصورون كل لفتة يلتفتون بها الأمر الذي ضيق عليهم ووضعهم في لحظات صعبة.. دماج.. معاناة تحت النار والحصار أما دماج وأهلها المحاصرون والذين يصل عددهم إلى 14 ألف مواطن، نصفهم تقريباً من طلاب معهد دار الحديث للسلفيين وهم من جميع مناطق اليمن والعالم، وهي الهدف الذي تمكنوا من الوصول إليه لتقصي الوضع الإنساني، فقد بدت الفرحة على وجوه الأطفال والسكان فيها، الذين خرجوا من المنازل كما لو أنهم يخرجون لأول مرة منذ بداية الحصار قبل أكثر من 40 يوماً أملاً في الوفد القادم الذي يمكن أن يصنع شيئاً من الأمان.. حيث أصبح الناس هناك يتحركون عبر الأنفاق للنجاة من القناصة الحوثيين الذي يطلون بالمنطقة من جميع المداخل والجبال باستثناء جزء من جبل "البراقة" الذي يسعى الحوثيين للسيطرة عليه، كما تظهر الصور التي تمكن الوفد من تهريبها إلى صنعاء، وتظهر الصور أيضاً الذي اطلع عليها "نشوان نيوز" ضريحين لشهيدين من أبناء المنطقة قتلوا برصاص الحوثيين، ودفنوا في أحد البيوت حيث لا يستطيع المواطنون الخروج لتشييعهم.. أما المواد الغذائية فتكاد تكون معدومة تماماً، حيث تظهر الصور المحال التجارية لبيع المواد الغذائية خالية تماماً، وقد أكد أحد مرافقي الشيخ فارس مناع لأحد أعضاء الوفد أن في أحدى الزيارات السابقة للمحافظ من أجل الصلح لم يكن لدى أهالي دماج سوى الزبيب والماء في مائدة المحافظ الوسيط.. وبالنسبة للمستلزمات الطبية لم يعد هناك شيئاً لمعالجة المرضى والأطفال والجرحى، حيث توفى ثلاثة أطفال من بين 25 مولوداً منذ بداية الحصار بسبب انعدام الدواء، مؤكدين أن 26 شهيداً على الأقل نتيجة القصف الحوثي بمختلف الأسلحة الثقيلة، توفوا الكثير منهم لعدم وجود الإسعاف وكأن صعدة "تعيش خارج الكرة الأرضة" كما عبر عن ذلك أحد أعضاء الوفد.. أما عن أسباب الحصار والحملة على دماج، فقد كان التبرير المغري ل"الحاكم"، وهو يقابل وفداً من شباب الثورة، هو أنه قال لهم إن هؤلاء ليسوا مع الثورة، وأنهم أفتوا للنظام بقتل الشباب، لكنه في تبرير آخر يفصح أكثر ويقول: هؤلاء شوكة في الطريق، لابد من التخلص منها.. وفي تبرير ثالث يقول إن الأزمة والحرب على دماج لها علاقات بأطراف إقليمية ودولية.. والأخير ربما يكون الأصوب إلى المراقبين الذين يرون أن لا فائدة للحوثي من معركة كهذه توسع من دائرة الناقمين عليه، بينما تأتي هذه الحملة الحوثية ضمن توجيهات إيرانية في ظل احتدام الصراع العربي الإيراني.. الصحفي والناشط الحقوقي محمد الأحمدي، نائب رئيس تحرير صحيفة "الغد"، وممثل منظمة الكرامة الدولية في اليمن ، كان مصدر قلق للحاكم منذ أن عرف الأخير لاسمه، وقد ظل بحسب أعضاء الوفد تحت التركيز والمراقبة المضاعفة، وأوقفه الحوثيون أثناء عودته من دماج التي زارها الوفد لحوالي ساعة، مشترطين أن يسلم ذاكرة الكاميرا كشرط للإفراج عنه، فسلم الوفد ذاكرة الكاميراً تحت تهديد السلاح، حيث يؤكد مختار الرحبي "اتصل بي الزميل محمد الأحمدي أثناء وجودي مع الشباب في منزل المحافظ أبلغني باحتجازه وطلب منا تسليم الذاكرة للحوثيين، وبعد حوالى 5 دقائق وصل مسلحان إلى مجلس مناع، وبعد أخذ ورد، سلمناها لهم تحت تهديد القوة، وبدأنا نشعر بمرحلة جديدة من القلق، ولم نكن على ثقة بأننا سنعود، جراء التهديدات والمضايقة من قبلهم.. وبعد ساعات تم إبلاغهم بمكالمات هاتفية من الحوثيين بأن عليهم – أي الوفد – إبلاغ أهالي دماج بسرعة إخلاء المنطقة وخروج السكان قبل أن يتم اقتحامها.. ويؤكد محمد الأحمدي: كان الحوثيون يربطون بين عملنا وبين الوساطة، بالرغم من أننا أكدنا لهم مراراً، بأننا جئنا كوفد إعلامي وشبابي للوصول لدماج وتقصي الأوضاع الانسانية، وكذلك للمساعدة بإيصال القافلة الإغاثية التي يرفضون السماح لها بالدخول إلى دماج.. مأزق الوفد بعد كل ذلك، كان الحوثيون يزدادون يقيناً، بأن هذا الوفد والذي يرفض إلا أن يكون محايداً وبعد كل ما شاهده من مآس إنسانية يتعرض لها المواطنون في صعدة عامة، ودماج خاص، تحت القبضة البوليسية الحوثية، بالإضافة إلى مضايقة الوفد وتهديده وعرقلته بمختلف الوسائل.. لن يقدم تقريراً وردياً بل سيكشف القناع الحوثي المتلبس بالثورة والدولة المدنية، وبالتالي فقد كان الحوثيون يدركون أنهم أمام خطر لابد منه، فقد ظهر عليهم التخبط في الضغط والتهديد، حيث منعوهم من الخروج من صعدة، وحاولوا الضغط عليهم وتهديدهم لإصدار بيان يدين السلفيين في دماج وهي محاولة باءت بالفشل.. فالمزيد من التهديد والمعاملة السيئة يفضي إلى مزيد من الإدانة، ومحاولة الاستعطاف والسماح لهم بالعمل يفضي إلى حصولهم على مزيد من الوثائق أيضاً.. فالحوثيون في موقف حرج جداً في لحظات تاريخية حرجة، وفي نقطة إنسانية ووطنية مفصلية، فلا يدرون كيف يتخلصون من هذا الوفد.. استنفار حوثي للمؤتمر الصحفي بينما كان الوفد في طريقه إلى صنعاء، و الأنباء من صعدة غير مبشرة، فالأخبار تفيد بأن الوفد يتعرض للتهديد والاعتقال، وصولاً إلى منعه من العودة، ثم الوساطات لتأمين عودتهم، ثم العودة الآمنة، وفور وصوله إلى صنعاء، كان تصريحات أعضاء الوفد تفيد بأنهم لن يترددوا في كشف الحقائق للناس، فالشباب الذين يعلم الحوثيون كل العلم أنهم أغلبهم مستقلون عادوا وقد أصبح الحوثي بنظرهم مجرماً بل أخطر من "عصابات المخدرات" كما صرح بذلك أحدهم أثناء وصوله الساحة.. ومع الإعلان عن المؤتمر الصحفي، بدا كما لو أن الحوثيين على أبواب لحظة فارقة ستخلع قناعهم الثوري والمدني الذين حاولوا التلبس به منذ بداية الثورة، واكتشف الشباب بعد معرفة الحوثيين عن قرب أنه مزيف، هنالك ارتفع التخبط الحوثي إلى أعلى مستوياته، ووصل بهم إلى تهديد الأعضاء بأنه فيما لو تم عقد المؤتمر الصحفي فإنه سيتم إحراقهم وقطع "ألسنهم"، بينما كان الجناح السياسي والإعلامي للحوثيين في صنعاء باستنفار شديد، بين الاستعداد للإفشال، والضغط على نقابة الصحفيين لعدم عقد المؤتمر، بل وتهديدهم بالتصعيد داخل ساحة التغيير.. في مقابل اعتذارات واستنكارات من قبل محمد عبدالسلام تصل إلى هاتف الزميل والكاتب نبيل سبيع، تستنكر ما قام "الحاكم".. الخ.. المؤتمر الصحفي بدأ المؤتمر الصحفي، بعد ضغوط وجهود واسعة لإفشاله، حيث قام حوثيو صنعاء بالتواصل وأدخلوا أنصارهم إلى النقابة للتشويش على المؤتمر، وقد بدأ الأستاذ مروان دماج أمين عام النقابة، بالتأكيد على حق الصحفيين في الوصول إلى أي منطقة في الجمهورية، والتحذير من الفتنة الطائفية، وأبلغ بقيام الحوثيين بتقديم الاعتذار للنقابة عما حدث للصحفيين في صعدة، لكن محمد الأحمدي أكد أن التهديدات بالإحراق وقطع "الألسن" وصلت بعد الاعتذار الحوثي عبر نبيل سبيع أيضاً. والذي فاجأ الكثير في المؤتمر الصحفي، هو الشجاعة التي تحدث بها أعضاء الوفد ال14، وخصوصاً من شباب الثورة المستقلين، والذين تحدثوا دون أية تحفظات سياسية أو مخاوف.. وكان من المفترض أن يعرض الوفد خلال المؤتمر الصور والمعلومات بشكل أكثر تفصيلاً، لكن بسبب الضغوط والتهديدات، لم يعرض الشباب بعض الصور التي تبين الحالة الإنسانية في دماج.. لكن ما قدموه رغم الظروف الصعبة كان نجاحاً إنسانياً متميزاً بعيداً عن السياسة. أمل الباشا المتوكل لإصلاح ما أفسده أبوعلي الحاكم تبدوا حالة الاستنفار الحوثية كأعلى ما يكون، حيث بدأ الحوثيون بتوزيع بيان باسم "وفد شباب الثورة" قبل أن يوزع الوفد الحقيقي بيانه، بالإضافة إلى ذلك حضور المسؤول السياسيي لشباب الصمود كمحاكي ومدافع وآخرين، وهم يحولون المؤتمر الصحفي إلى ما بشبه جلسة محاكمة.. وهو ما وضع الأستاذ مروان دماج في موقع القاضي والحاكم، وقد بدا الجو مشحوناً وسط مخاوف من نثرة أمنية، بعد التهديدات العالية المستوى التي تعرض لها الصحفيون.. أما عندما تحضر الناشطة أمل الباشا المتوكل وهي التي تبدو بثوب المدنية وترأس منتدى الشقائق، إلى المؤتمر، وتطلع إلى الكرسي، لتنسف جهود الشباب بعد كل ما حصل لهم فذلك دفع أحد أبناء صعدة المتواجدين في المؤتمر إلى وصفها بأنها "أبوعلي الحاكم" الخاص بصنعاء حيث التلون الحوثي بأكثر من وجه، وقال: الحوثيون استخدموا الاحتياطي دليل على خوفهم من هذا المؤتمر.. فقد شكرت الوفد، ولكنها اعتبرته غير موثوق ووجهت نقدها للنقابة، ولمحت إلى اتهام قوى سياسية بالوقوف وراء حملة إعلامية على الحوثيين، حيث اعتبرت أن هؤلاء دخلوا الثورة لإسقاط الرئيس فقط، وليس إسقاط النظام وتحقيق كامل أهداف الثورة.. وتبدوا المعركة الحوثية وقد وضعته أمام ثورة الشعب، بعد أن أصبحت معركته مع أحزاب اللقاء المشترك والقبائل، بالإضافة إلى السلفيين واضحة للعيان قد جعلته أمام انكسارات متتالية، حيث تسقط "التقية" يوماً عن يوم، في ظل تصعيد وتوسع بقوة السلاح، إذ أصبح الحوثي أمام ما خصم جديد وهو الشعب، ما لم يتعود عليه في صراعه الغامض مع النظام، ما يجعله في فترة فاصلة، حيث تحرك المجتمع اليمني، والإعلام بشكل لا يقارن لإدانته، وبين الآمل والواقع، يدرك الحوثي أن بمرحلة فاصلة، والواقع يخبره بأنها الخريف.