(حينما كتب نهاد شريف روايته (قاهر الزمن) لم يكن غريباً أن تلقى هذه الحفاوة الكبيرة في الأوساط الثقافية العربية باعتبارها أول عمل في هذا الباب، وصحيح أن أدب الخيال العلمي لم ينتعش إلى اليوم- ربما لأن الخيال اليوم لا يزال مكبلا بكثير من القيود الاجتماعية والأخلاقية والرقابية وغيرها من القيود التي توضع على أطفالنا- ولكن هناك بعض المحاولات التي تنبئ بانتشار أدب الخيال العلمي في الوقت القريب، أما نهاد فأعتقد أن ما منعه من الانتشار والذيوع وأن يصبح نجما، هو خجله الذي يعد صفة أساسية في تركيبته الشخصية، وهو خجل الموهوبين الكبار، وقد كان كاتباً قبل أن يكون مؤلفا لأدب الخيال العلمي). بهذه الكلمات الدالة على حال أدب الخيال العلمي عامة وشخصية نهاد شريف خاصة، بدأ الروائي خيري شلبي، مقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة تقديمه للندوة، التي نظمتها لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، تحت عنوان (نهاد شريف.. رائد أدب الخيال العلمي). وبدأت الجلسة الأولى بكلمة مدير الجلسة الكاتب سعيد الكفراوي، التي قال فيها: (كانت بعض التهم الظالمة توجه لنهاد شريف منها أنه اختار الكتابة في أدب الخيال العلمي حتى يحظى وحده بالتفرد ويتجنب منافسة أي كاتب آخر في أشكال الكتابة الأخرى، وكان يدافع عن نفسه مؤكدا أن الساحة لا تخلو من كثيرين ممن يكتبون هذا الفن، ومنهم يوسف عزالدين عيسى ومصطفى محمود وغيرهما، لكن تشاء الصدف أن تثبت الأيام أنه الرائد الحقيقي لأدب الخيال العلمي في مصر). ويقول أول المتحدثين في الجلسة الأولى كاتب الخيال العلمي الطبيب حسام الزمبيلي، في كلمته المعنونة (نهاد شريف.. زهرة الأوركيدا الحزينة): (نهاد شريف لقد استحققت وبجدارة لقب عميد أدب الخيال العلمي العربي، فخلال عشرات السنين خرج من عباءتك عشرات الكتاب المصريين والعرب الذين أثروا حياتنا الأدبية العربية بأنماط مختلفة من أدب الخيال العلمي، ولأول مرة في عالمنا العربي نستطيع أن نفخر بوجود أدب ناضج للخيال العلمي وقاعدة عريضة من الكتاب والقراء. وفي يوم 5 يناير 2011، فقدت مصر والأمة العربية نهاد شريف الذي توفي بعد صراع طويل مع المرض.. عشرون يوماً فصلت نهاد شريف عن ثورة 25 يناير في مصر.. ثورة الحرية والتحرر. عشرون يوماً فصلت بين قائد ثورة أدب الخيال العلمي في مصر وبين ثورة كل لمصريين إلى الحرية. نهاد شريف.. يا زهرة الأوركيديا الحزينة، لقد حاربت من أجل حبك الوحيد، ولقد تم تجاهلك، ولكنك صمدت... ثم انتصرت. وفي كلمته التي بعنوان (الصديق الذي افتقدته)، أكد الكاتب صلاح معاطي ما لاقاه نهاد شريف من نكران وتجاهل خاصة في أيامه الأخيرة وافتقاده للتواصل مع كتاب هذا الزمن، وتعرضه لتجاهل معظم الأماكن الأدبية في مصر كاتحاد الكتاب ونادي القصة خلال سنوات طويلة، وقال: (تمنيت أن يقف نادي القصة ولو دقيقة حدادا على روح الرجل). ويصف لنا اللحظات الأخيرة في عمر المبدع نهاد شريف قائلاً: (وفي اللحظات الأخيرة من حياته وقفت أتأمل جسده الثاوي وهو يتأهب للرحيل بادئا رحلة جديدة في أعماق الكون كأنه يستعد لكتابة شيء جديد لكنه لم يبح لي به كما كان يفعل دائماً...)، ويختم كلمته قائلاً: (نهاد شريف سيبقى بيننا بأعماله وأفكاره الجديدة السباقة دائما وسنستعير ابتسامته لتكون سلاحاً في وجه كل قراصنة النجاح والإبداع). وبدأت د. عطيات أبوالعينين كلمتها بالتعليق على كلمة د. حسام، الذي قال: إن نهاد كان يكتب أدب خيال علمي بحت، قائلة: (من يقرأ له يشعر بمذاق وحلاوة الكلمة والتعبير وكان يكتب حقيقة علمية بلغة أدبية جذابة، وقد أسهم في ذلك تكوينه الذي جمع بين السياسة والفن والأدب، فجده مؤسس للدستور ووالده فنان تشكيلي). وأضافت: (نهاد شريف لم يكن منافقاً ولم يكن له شلة أدبية، وربما هذا سبب بعده عن الوسط الأدبي، ومن هنا أؤكد على أهمية توسيع الاحتفال به)، ثم أخذت في سرد عناصر بحثها الذي عنون ب: (الذي تحدى الإعصار.. دراسة من منظور نفسي) حيث تناولت ظاهرة التخاطر عن بعد في التراث العربي، وأسس التخاطر العلمية، وآراء العلماء فيها، وتاريخ الظاهرة، ثم تحليل رواية (الذي تحدى الإعصار) لنهاد شريف. أما يوسف الشاروني رفيق رحلة كفاح نهاد شريف وأول من ألقى عليه الضوء نقدياً، فقد تناول في ورقته البحثية التي كانت بعنوان (نهاد شريف رائدا للخيال العلمي في الأدب العربي) عدة أفكار، منها: السيرة الذاتية لنهاد شريف والجوائز التي حصل عليها، وبعض من مؤلفاته الروائية والقصصية والترجمة، ثم قدم نموذجين للفن القصصي والروائي عند نهاد شريف، هما رواية (قاهر الزمن)، والمجموعة القصصية (رقم 4 يأمركم) وختم ورقته بقوله: (نهاد شريف كانت له شجاعة المغامرة بتكريس قلمه لهذا اللون الجديد على أدبنا العربي المعاصر، بحيث يمكن اعتباره أبا له، مما يستحق معه التفاتاً خاصاً لم ينله من الجهات الرسمية في الدولة، وإن كان قد ناله من محبيه وعشاق أدب الخيال العلمي وأدبائه من أبنائه الذين يواصلون طريقه فيثرون أدبنا في مجال الخيال العلمي ويضيفون إليه ما يبدعون). ويدير الجلسة الثانية والثالثة بعد دمجهما الروائي الكبير فؤاد قنديل ويبدؤهما بقوله: (شريف عدة مرات، فإذا وجدنا أديباً روائياً أو قصاصاً بالشكل المعروف في مستوى نهاد شريف، فنهاد شريف يعادله عدة مرات، لماذا؟ لأنه - كما قلنا - يكتب من غير جمهور من غير اهتمام، لم يحصل على جوائز تذكر كتلك التي يحصل عليها الآخرون، لم يحصل على جائزة الدولة التقديرية مثلاً وكان يستحقها بجدارة، لم يحصل على جائزة من العالم العربي، أكثر الجوائز كانت دروعاً وشهادات تقدير، ولقاء تلفزيونياً... الخ). وفي هذه الجلسة يقدم حماد هزاع بحثا تحت عنوان (بناء الشخصية في القصة القصيرة عند نهاد شريف)، وفيه يقسم الشخصية عند نهاد شريف قسمين، هما: البشر، وأنماط شخصية أخرى. ويؤكد أن نهاد شريف في معالجته لهذين القسمين جاء بالأبعاد الثلاثة، التي يكتمل بها وصف الشخصية بوجه عام وهي: البعد المادي، والبعد الاجتماعي، والبعد النفسي. ثم يخلص البحث إلى أن القصة القصيرة عند نهاد شريف تتسم بعدة سمات، منها: قلة عدد الشخصيات في القصة الواحدة، فالقصة، عنده ترتكز دائماً على شخصيتين أو ثلاث على الأكثر تحرك الأحداث وتدفع بها إلى الأمام. وينوع نهاد شريف شخصياته الرئيسية في قصصه القصيرة، فتارة يجعل بطلي القصة إنساناً وحيواناً كما في قصتي (نداء لولو السري)، و(الطحلب) أو الإنسان وسليله الآلي كما في قصة (حذار إنه قادم) أو الإنسان وكائنات الفضاء كما في مجموعته (أنا وكائنات الفضاء). ولم يذكر وصفاً لا يسهم في تصعيد الحدث والوصول إلى ذروته، والهدف منه، وبهذا ظهر الارتباط العضوي بين الشخصية والحدث مثل قصة (الماسات الزيتونية). كما أن نهاد شريف حينما يقدم شخصية رئيسية من شخصياته لا يقدمها بكل أبعادها وصفاتها دفعة واحدة، بل يقدمها لنا على مراحل وبانتهاء القصة تكون قد اكتملت لنا المعالم الكلية للشخصية الرئيسية، وهو ما يمكن أن يطلق عليه (تطور بناء الشخصية) ويظهر ذلك في قصص: (الماسات الزيتونية - الطحلب - وسيظل لا يعرف - القصر- ثقب في جدار الزمن). ويحكي الكاتب المعروف، حسين قدري، قصة صداقته مع نهاد شريف من قبل أن يصبحا أدبيين، ويلقي صلاح معاطي كلمة الدكتور طالب عمران بعد اعتذاره عن عدم الحضور في اللحظات الأخيرة، التي كانت بعنوان (نهاد شريف.. عميد أدب الخيال العلمي العربي). ويختم هذه الجلسة الدكتور مدحت الجيار ببحثه عن (الخيال العلمي والأسطورة عند نهاد شريف). وتبدأ الجلسة الأخيرة ببحث كاتب مسرح الخيال العلمي محمد علي عبدالهادي، بعنوان (نهاد شريف الثائر الصامت)، ثم محمد الهادي عياد بدراسته لمجموعة (نداء لولو السري)، ثم محمود قاسم ببحثه بعنوان (نهاد شريف.. قراءة في جذور التخيل العلمي على الطريقة المصرية)، وأخيراً يتحدث هشام الصياد عن (نهر السعادة) الذي تركه له نهاد شريف.