تتعانق عقارب الساعات ، كل الساعات في وقت واحد ، ويبقى صامتاً مبتسماً ، معلقاً بين خمس دقائق. ظن أنها لا محالة آتية ، تلك الدقائق التي سيعلن فيها كينونته وسيرتمي باكياً منكسراً بين أحضان حبيبته . تمر ستون دقيقة ، دون أن تأتي لحظة فرح واحدة تمر الدقائق ببطء شديد يحترق بنيران انتظاره ، وعندما تأتي خمس دقائق جديدة يغير فيها هيئته، ابتسامته ومكان مقعده لكنها تمر كالأخريات ، دون أن يتغير شيء. تزحف الخيوط السوداء لتتشابك في لحظات قدسية مع روحه ، ويفرش الليل عباءته المخيفة وتنتشر الخفافيش في الأرجاء معلنة ساعات حضر تجوال طويلة. تمر الدقائق والساعات ويبقى مبتسماً بهدوء تلتف يداه بشكل هندسي حول خصره كتلميذ مهذب معلقاً بصره حول اللاشيء منتظراً ذاك الحضور المهيب لمعلمته الجميلة. خمس دقائق فقط ، هي موعد لقائهما ، وعندما يجيء الموعد تعود كل ألوان غرفته وترسم فرحاً بحجم قلبه فتأتي كعادتها بعد أن تتأكد انه قد ذاب شوقاً للقائها فتبدو هادئة جادة وغامضة. كالملسوع انتفض من مكانه ازدادت حدقتا عينيه اتساعاً ، لم يصدق نفسه، ارتسمت ابتسامة الرضى على شفتيه، أحس انه - ولأول مرة - يستطيع أن يتنفس ملء صدره هواء نقياً طاهراً، فامتزجت أنفاسه بشذا راحتيها ، شعرها، أطراف فستانها المستلقية على الأرض، اخرج منديله اليتيم من جيبه مسح به المقعد. اقتربت منه وجلست عليه دون أن تراه أو تحس بأنفاسه تقارب أنفاسها، وأمام مقعدها جثا على ركبتيه وشخص ببصره نحوها دون أن يتحرك، عندما انتهى الموعد مطت شفتيها بغضب لملمت فستانها ومشت. وحينما أفاق جال ببصره أرجاء الغرفة بجدرانها الضعيفة المشققة، وحصيرة هي كل ما يملك. كان جالساً عليها ، قبل أن تدق رأسه قطعة خشب، سقطت من سقف الغرفة، وأغمي عليه. رفع كفه إلى جبينه يعتصره بأصابعه فأحس بشيء لزج يزحف على رأسه وقعت عيناه على بقايا مرآة كانت على الأرض مد يده والتقطها. ألقى نظرة فاحصة على رأسه فشاهد خيوطاً حمراء تشابكت كخريطة فوق جبهته ورأسه الاصلع.