بداية فإن كاتب هذه الأسطر ليس محامياً ولا يدافع عن النظام وغير محسوب عليه أو على غيره ولكنه يتعجب من تصرف كل من تمرد على هذا النظام الذي أفضاله على من تمرد عليه كثيرة، فمنذ بداية الوحدة المباركة كانت تحكمنا حكومة ائتلاف مكونة من أحزاب المؤتمر والاشتراكي والإصلاح، وكان هذا الائتلاف يتقاسم كعكة الحكم التي طبختها تلك الأحزاب مجتمعة في مطبخ واحد وكانت تلوم وتراقب بعضها بعضاً وتتهم بالفساد بعضها بعضاً لدرجة أن رسام كاريكاتير عبر عن هذا الاتهام بين الأحزاب برسم ساخر لثلاث معزات تمشي خلف بعض وكل واحدة منها تضحك على عورة أختها المكشوفة وتنسى الماعز الضاحكة أن عورتها هي الأخرى مكشوفة ولولا توحد النظام في شمال الوطن وجنوبه لما كانت هناك تعددية حزبية ولا حرية صحافة ولا تبادل سلمي للسلطة ولما كان لهذه الأحزاب صوت يذكر ولا كانت تنبس ببنت شفة ولما صار لها صوت عال فوق الطاولة ولا صحف خاصة ولا تستطيع أن تعترض أو تنتقد أو تتمرد!!. وتناست أنها جزء من النظام وأنها صنيعته فتنكرت له وتمردت عليه ولم تقدر المعروف الذي قدمه لها ذلك النظام وحق عليها قول الشاعر: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا ولأنهم فشلوا في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية وجدوا التمرد الآن فرصة لا تعوض، هذا على مستوى الأحزاب، أما على مستوى الفئات الاجتماعية فقد سمح النظام للشباب المؤمن في صعدة أن يزاولوا أنشطتهم وفعالياتهم وبرامجهم ويحققوا أهدافهم التي يطمحون إليها ويعبروا عن عقائدهم بحرية تامة فاستغلوا تلك الحرية المتاحة لهم من قبل النظام والدولة وبدؤوا بتنظيم أنفسهم وإعداد العدة والعتاد إلى أن قويت شوكتهم وتمردوا على الدولة فكانت تلك الحروب المدمرة في صعدة وما حولها وسالت أنهار من الدماء وأزهقت الأرواح وتشردت الأسر وأحرقت الأرض ودمرت المنازل ولا مهزوم ولا منتصر فالكل يمنيون، وممن تمرد على النظام من القبيلة، عصابة أولاد الأحمر الذين رعاهم النظام أحسن رعاية ومكن لهم ما لم يمكن لغيرهم فكانت ميزانية الدولة لشؤون القبائل أضعاف ميزانية ثلاث وزارات حكومية من مال الشعب وعرقه ودمه، بالإضافة إلى ما تجود به عليهم (الشقيقة) من أموال طائلة بحكم النسب والمصاهرة والمعرفة وهناك أفراد تمردوا على النظام من المؤسسة العسكرية وهم محسوبون على النظام بل وجزء منه وامتلكوا ما لم يمتلكه إمبراطور روماني.. ومع ذلك تنكروا لولي نعمتهم الذي أغدق عليهم الغالي والنفيس ومثلهم جماعة من العلماء وهناك أفراد دخلوا في حزب المؤتمر ثم تمردوا عليه لأن انتماءهم لم يكن صادقاً وإنما كان من أجل المصلحة والحصول على مغانم ومراكز قيادية يتبوؤنها، وعندما لم يفلحوا في الحصول عليها أو لم تتحقق تمردوا وجاهروا بعداوتهم الواضحة والصريحة لهذا النظام الذي هم جزء منه أيضاً وأصبحوا كالولد الذي عق والديه. ولأن الشعب اليمني كريم ومتسامح بطبعه فقد استطاع النظام أن يتكيف معه ويحكمه هذه الفترة التي مضت وانقضت، أما من شذ وانحرف وتمرد فهم ممن لا يعرفون معروفاً ولا يعرفون كيف يردون الجميل لليد التي كبرتهم وأصبح لهم شأن يذكر فعضوا تلك اليد التي ترعرعوا في ظلها وهم جزء منها وجزء من الأزمة الراهنة.. وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً.