صنعاء.. اعتقال الدكتور العودي ورفيقيه    التوقيع على اتفاقية انشاء معمل للصناعات الجلدية في مديرية بني الحارث    قبائل المنصورية بالحديدة تجدد النفير والجهوزية لإفشال مخططات الأعداء    وبعدين ؟؟    اليوم العالمي للمحاسبة: جامعة العلوم والتكنولوجيا تحتفل بالمحاسبين    قراءة تحليلية لنص "خصي العقول" ل"أحمد سيف حاشد"    الجدران تعرف أسماءنا    التلال بحاجة إلى قيادي بوزن الشرجبي    قرارات حوثية تدمر التعليم.. استبعاد أكثر من ألف معلم من كشوفات نصف الراتب بالحديدة    تمرد إداري ومالي في المهرة يكشف ازدواج الولاءات داخل مجلس القيادة    صحة غزة: ارتفاع الجثامين المستلمة من العدو الإسرائيلي إلى 315    شبوة تحتضن بطولة الفقيد أحمد الجبيلي للمنتخبات للكرة الطائرة .. والمحافظ بن الوزير يؤكد دعم الأنشطة الرياضية الوطنية    موسم العسل في شبوة.. عتق تحتضن مهرجانها السنوي لعسل السدر    أبين.. حادث سير مروع في طريق العرقوب    مليشيا الحوثي تسعى لتأجير حرم مسجد لإنشاء محطة غاز في إب    القائم بأعمال رئيس الوزراء يشارك عرس 1000 خريج من أبناء الشهداء    صنعاء.. إيقاف التعامل مع منشأتَي صرافة    الأرصاد يتوقع أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    وزارة الخدمة المدنية توقف مرتبات المتخلفين عن إجراءات المطابقة وتدعو لتصحيح الأوضاع    توتر وتحشيد بين وحدات عسكرية غرب لحج على شحنة أسلحة    تسعة جرحى في حادث مروع بطريق عرقوب شقرة.. فواجع متكررة على الطريق القاتل    صلاح سادس أفضل جناح في العالم 2025    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    جحش الإخوان ينهب الدعم السعودي ويؤدلج الشارع اليمني    هل يجرؤ مجلس القيادة على مواجهة محافظي مأرب والمهرة؟    الأربعاء القادم.. انطلاق بطولة الشركات في ألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    العسكرية الثانية تفضح أكاذيب إعلام حلف بن حبريش الفاسد    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    غارتان أمريكيتان تدمران مخزن أسلحة ومصنع متفجرات ومقتل 7 إرهابيين في شبوة    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    مرض الفشل الكلوي (27)    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    عين الوطن الساهرة (1)    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية في نص (لو كان بإمكاني) للشاعرة التونسية راضية الشهايبي
نشر في 14 أكتوبر يوم 05 - 07 - 2011


وها أنت مستتر وراء عزف ماء لا مرسى له
أنا ما لي من حكمة
غير اشتهاء الريح..
يطير طرف فستاني الهارب
نحو موجة من مائك تتضوع بين أروقتي
الوارد إلى عطشي
التائه بين تأوهاتي عند الفلق
الآيل للسقوط بين أضلعي
القائم بأمر الذبذبات المهاجرة نحو الممكن
الماثل بين حبري ودمي
كم تدعي الموت كي تستأثر بالفكرة الخائنة
تلك التي كانت تراودني عن مزاجي
وكم اختليت بها وعاقرتها ألمي
كنت اركبها
غيمة
ريحاً
مطراً
وهماً
أو كما اتفق
لأعتلي مسرتي الهاربة من غصة لك في المفترض
لا زر يفتحني في مداك
ولا تابوت يجرفني إلى نواياك بالسفر
ولا ذكرى تواقعها في غيابي
أنت انكساري
وأنا المفتونة بك لانبعاثي
أنت انحدار الحلم حين
يهم بي فعل الماضي
يريد تأنيثي بتاء التهمة
وأنا الجاثمة داخلي اشتهي :...
لو إن لي صمت التابوت
وصخب العويل
لجعلتهم ينسونك موتاً في اعتقادهم
كي تضيء حياة في اعتقادي
أنت انتشار رغبة القتل
للعبور إلى ما يلي
حين...
تصفع هدير عبوري إليك
بدعوى القفز على الأمس
وأنا المؤمنة بطقوس أكاذيبك في محراب الوهم
الشاعرة في نصها هذا اعتمدت الحوار الداخلي لطرح حقائقها اليقينية التي تعكس رؤاها من خلال مد خطابها الشعري الصوفي مرتكزة على معرفة المرسل والمرسل إليه وفق نسق يحقق رؤيتها الصوفية التي تجعلها مستندة إلى عمق مشاعرها وعواطفها حيث أن الرؤى الصوفية هي البحث في الحواس الخمس وما ألحق بها وفي النفس والقلب والروح وصولاً إلى بؤرة النص الذي تتحرك الذات فيه وفق أفقية النص مع الاحتفاظ بعمق الروح الشعرية لكي يبقى المرسل إليه في متن شعري يحتفظ بنمو الحوار الداخلي حيث يتناسل النص لاتساع المعاناة واختيارات الشاعرة ضمن الأزمنة الثلاثة(ماض، حاضر، مستقبل) والصعوبة تكمن هنا في كيفية انفكاك الذات من أحداث الزمن لكي يعرف المتكلم أو المخاطب حدود معاناتها المعنوية وانتمائها الصوفي العميق لكل الأحداث (الزمنكانية) التي مرت عليه في تلك الأزمان، والشاعرة بقدر ما استطاعت أن تحافظ على الحوار الداخلي استطاعت أن تظهر الحوار الخارجي في النص لكي تكشف آلية تناسله لأنها استمرت بطرح (ميكانيزمات) الحوار الداخلي في نص محبوك وفيه حذق صنعة الشعر لأنها أظهرت الحياة الداخلية للنص عندما يحدث الحوار بين الذات والظروف التي مرت عليها وهذا الصراع بين كل رغبات الشاعرة ونسق هذه الظروف التي كانت الشاعرة لا ترغب بعيشها لكنها عاشتها خارج إرادتها وهنا يحدث الصراع وتتفجر الأزمة التي تؤجج عواطفها ومداركها الذهنية والروحية اتجاه تلك الظروف فأتى زمن القصيد زمن التوتر، الزمن الذي تبنى فيه الجدلية الشعرية مع الأشياء والشاعر المتميز والمبدع يحافظ على التكثيف الشعري وفق انتقال توتره الشعري إلى آخر النص والشاعرة استطاعت بشكل رائع أن تحافظ على نسق توترها إلى أخره.
وعندما ندخل إلى النص من خلال عنوانه لكي نتوغل في متنه، نجد أن الشاعرة هنا تتمنى أن يرجع الماضي وتحاول أن تعيد صياغته حسب ما تريد لأن نتائجه الحاضرة في حياتها في الوقت الحالي أو نتائج ذلك الماضي المستمرة في حاضرها تسبب لها كثيراً من الخسارات المستمرة أو أن ما حضر في حياتها في زمنها الحالي من تغير أو أمل تتمنى لو أنه جاءها أو عاشته في الماضي لما فرطت به لأنه هو الذي تبحث، عنه أو تريد أن تعيشه ولكن هذا لم يحدث لهذا هي تعيش الألم وهذا النص هو اجترار ما تراه في حياتها من الماضي والحاضر إلى التغير الذي تريده.
وتكمن قدرة الشاعرة في نسج لغة تحاكي الدال والمدلول وفق صيغ التوافق في إحداث التأويل الذي يبرر المعنى الجوهري في طرح المنولوج الداخلي أي البقاء في العمق لكي تثبت هذا المعنى والاستمرار في إبراز الدلالات المعنوية في زمن غاب عنها ولم تستطع المشاركة فيه وكأنها هنا تذكرنا أو تقربنا من أزمة سيزيف مع صخرة الآلهة وما الصخرة إلا تمثيل لكل معاناة الفرد مع القوى المسيطرة على المجتمع أي نحن أمام أمنية مرت ولكن الشاعرة تريد أن تعيد الزمن لتغييره أي نحن أمام أزمة فكرية ولكن الشاعرة استطاعت بقدرتها المعروفة أن تتداخل عاطفتها مع فكرها لكي لا تنسى المعادل الموضوعي في الشعر لأنها تدرك أنها لو استمرت في طرح فكرها لتحول نصها إلى حالة فكرية دون عاطفة وهذا يجعل النص امتدادات فكرية خارج متن النص الشعري أي أنها استطاعت أن تدرك وظيفة الشعر وتبتعد عن رؤية اللغة على أنها ظاهرة عقلية وبهذا استطاعت عدم الوقوع في شرك الفلسفة البرغماتية أو التداولية وهي في الوقت نفسه تحتفظ بعمق صوفي ومداركها الميتافيزيقية ضمن زمن غائب فهي تطرح الظاهر الحاضرة مع البقاء في العمق جاعلة من الدلالة اللغوية تتحكم في الصورة معطية لدلالة المعنى في النص تشعبات نفسية صوفية أي أنها استطاعت أن تتحكم باللغة ونسيجها من اجل الوصول إلى الصورة الشعرية المعجونة بالعاطفة فأنها جعلت من وظيفة اللغة هي الأداة الأساسية في محاولات إيجاد معنى الدلالي في تأويل الأحداث التي مرت عليها.
فهي ترى أن الشعر ضرورة روحية وهو القوة التي يستطيع الإنسان بها التكافؤ والمواجهة مع الأحداث وسطوتها حيث أن الشعر بقدر ما هو مسؤولية وضرورة تستدعيها الحاجة الإنسانية إلى تبرير الذات حيث أنها في هذا النص ترى الحياة من خلال ما هو مدهش لرؤيتها لمتغيرات الحياة اليومية والمستقبل وبنظرة صوفية وما حصل في تاريخها وهي تحاول أن تجعل الشعر متجدد باستمرار في الوجود وجمالياته ويصبح محصلة جهد بشري عبر التاريخ (لو كان) أي أن لغة الشعر تصبح لديها رمز للعالم كما تتصورها وقد استطاعت تحويل اللغة من علاقاتها التقليدية الوظيفية إلى قراءات للواقع المفعم بالهواجس المؤثرة بلغة جامحة أو تريد أن تصل بالنص إلى ذائقة معاناتها التي تصبح ضمن زمن الشعر وبشكل متنام وصولاً إلى المعنى الكامل لهذا النص.
والمعروف عن الشاعرة راضية الشهايبي أنها تبرز عاطفتها على سطح النص مع الاحتفاظ بعمق فكري لكي تحافظ على عمق المعنى و مايميزها عن بقية الشاعرات أنها حققت طريقة وأسلوباً خاصاً بها وهي امتلكت مساحة واسعة من الذهنية الشعرية .
ولهي يطوق حناجر التيه
وها أنت مستتر وراء عزف ماء لا مرسى له
إنا ما لي من حكمة
غير اشتهاء الريح..
يطير طرف فستاني الهارب
نحو موجة من مائك تتضوع بين أروقتي
الوارد إلى عطشي
التائه بين تاوهاتي عند الفلق
الآيل للسقوط بين أضلعي
القائم بأمر الذبذبات المهاجرة نحو الممكن
الماثل بين حبري ودمي
تبتدئ الشاعرة بمناشدة الماضي لأن الماضي ما هو إلا تيه في زمن عاشته ومازالت تعيشه في حاضرها لأنه يبقى مستتراً في عمق ذاتها فالذات بقدر ما فهي حلم للآتي هي انعكاس للظروف التي مرت علينا في ماضينا، الذي يبقى يعزف في ذاتنا فلا نجد له مرسى، فلحظة الماضي حين تمر تبتعد عن قدرتنا في إحداث أي تغيير فيها فتبقى تطوق ولهنا (ولهي يطوق حناجر التيه / وها أنت مستتر وراء عزف ماء لا مرسى له مع أنها لا تستطيع أن تغيره ولكنها تمتلك التحدي في إخضاع حاضرها من أجل تغيير نتائج الماضي التي هي حاضرة حولها من أجل الدفاع عن إنسانيتها التي هدرها هذا الماضي (أنا ما لي من حكمة /غير اشتهاء الريح../ يطير طرف فستاني الهارب) فهي تمتلك من الحكمة والإصرار مايمكنها من إحداث التغيير وهي لا تشتهي غير التحدي من أجل أن تصنع حاضرها بالرغم من أن الرياح ( الظروف) التي حولها لا تستجيب لما تريد من تغيير ولكنها تمتلك كل عنفوان التحدي من أجل الوصول إلى الحاضر الذي تريد وهذه أزمة انكسار من الماضي وتحد في الحاضر لأن ما تريده من الحياة موجود في حاضرها بالرغم من أن معاناتها في الماضي مستمرة في التأثير عليها . و بعد هذا تنتقل إلى الحاضر، ولماذا تريد أن تعيشه؛ لأنه يمثل حلمها الذي تريد أي أنها استطاعت التغلب على الماضي بعمق معنى وقيمة الحاضر في حياتها
كم تدعي الموت كي تستأثر بالفكرة الخائنة
تلك التي كانت تراودني عن مزاجي
وكم اختليت بها وعاقرتها ألمي
كنت اركبها
غيمة
ريحاً
مطراً
وهماً
أو كما اتفق
لأعتلي مسرتي الهاربة من غصة لك في المفترَض
لا زر يفتحني في مداك
ولا تابوت يجرفني إلى نواياك بالسفر
الشاعرة هنا تخاطب الحاضر بلغة تحمل وجع الماضي متداركة قيمة الحاضر في حياتها أو صداها في زمنها، والحلم هنا يشكل عمق رؤاها الذي تبني عليه تناسل صورتها الشعرية في تراكيب أفقية محتفظة بعمق المعنى في مشاعرها الجوهرية الصوفية باحثة عنه لتعبر عن الأنعتاق من ماضيها وظروفها التي مرت عليها في زمن لم تدرك معناه و قصر في البحث عن أحلامها لهذا تريد أن تشكل الحاضر وفق هذه الأحلام لكي تعيد تشكيل ذاكرتها الحاضرة .
لأننا لا يمكن أن نحدد ملامح أحلامنا إلا وفق حضور البديل لكل ما نحلم به خارج سطوة الزمن وتحكمات المكان لهذا فهي تركن الماضي من ذاكرتها بالرغم من تشبثه بها واستعطافه إليها إلى حد يدعي الموت من أجل جذب عواطفها واستثارتها (كم تدعي الموت كي تستأثر بالفكرة الخائنة /تلك التي كانت تراودني عن مزاجي /وكم اختليت بها وعاقرتها ألمي) ولكنها هنا امتلكت التحدي والمعرفة الكاملة بنوايا هذا الماضي لهذا لا يستطيع أن يخدعها و الرجوع إلى حياتها لأنه سبب كل آلامها، لأنها قد تحررت منه وامتلكت المعرفة الكاملة لما يريد هو من أجل ألا يعيد عذابها وآلامها (كنت اركبها غيمة /ريحاً /مطراً /وهما /أو كما اتفق /لاعتلي مسرتي الهاربة من غصة لك في المفترض)
فأنا حين قلت إن الشاعرة حققت أفقية النص مع الاحتفاظ بعمق الروح الشعرية حيث يبقى الانفعال العاطفي المتوتر المحكوم بعمق صوفي لأنها اعتمدت على مخاطبة الذات وفق حضور الغائب من الماضي في حاضرها والامتداد بهذه الذائقة والغوص في كل ما يكمن فينا في الماضي من أجل كشفه لكي نحقق حاضر متحرر من كل تأثيرات هذا الماضي من ألم ومعاناة ماجعل حسها الانفعالي يندفع داخل النص مكوناً توضيحات تكثيفية هائجة على جسد النص .
والشاعرة حققت فعلاً درامياً متصاعداً من الماضي إلى المستقبل مروراً بالحاضراً والمعنى المتحقق فيه أي امتلكت القدرة على السيطرة على كل معاناتها الذاتية بأطر صوفية أدرامية لكي تعيش الحاضر منتزعة من ذاتها تراجيدياً وفعلها الذي أحدث عمق ألامها في هذه الماضي حيث حولت تحليلية اللغة الفاعلة إلى مصدرية الصورة الشعرية من خلال تحكمها في الزمن وحضوره في ذاتها، حيث يتحول الشعر الصوت المكتوم في داخلنا وفق أنساق الزمن إلى دلالات مرهونة على عمق معاناتنا.
ولا ذكرى تواقيعها في غيابي
أنت انكساري
وأنا المفتونة بك لانبعاثي
أنت انحدار الحلم حين
يهم بي فعل الماضي
يريد تأنيثي بتاء التهمة
وإنا الجاثمة داخلي اشتهي :...
لو أن لي صمت التابوت
وصخب العويل
تستمر الشاعرة برفض الماضي من خلال الحاضر فهي تطلب من هذا الماضي ألا يتذكر منها حتى الذكرى لأنه مر بحياتها وقد عبرته لكي توجد حياتها الجديدة مبتعدة عن كل معاناتها ولا خياراتها التي عاشتها بانكسار وألم (ولا ذكرى تواقيعها في غيابي /أنت انكساري) فهو لم يعد يشكل لها أي معنى وهو أصبح مجرد الدافع لكي تتقدم إلى الأمام في البحث عن اختياراتها في تحقيق ما تريد من حاضرها ومستقبلها أي أنها حرقت هذا الماضي لكي تنبعث من رماده كطائر الفينيق (وأنا المفتونة بك لانبعاثي /أنت انحدار الحلم حين /يهم بي فعل الماضي ( فهو لم يكن سوى انحدار الحلم إلى الوجيعة والآلام فهو لم يكن ينظر إليها سوى أنثى تمتلك فعل الأنثوي أي لا ينظر إلى إنسانيتها والشروط الثابتة في تحقيق هذه الإنسانية (يريد تأنيثي بتاء التهمة / وأنا الجاثمة داخلي اشتهي :... / لو إن لي صمت التابوت /وصخب العويل/ لجعلتهم ينسونك موتا في اعتقادهم) وهو حتى أنوثتها لا يحترفها ولا يعرف كيف يصل إليها لهذا تبقى هي صامتة كالتابوت مع أنها تمتلك صخب العويل إلا أنها صابرة عليه من أجل شيء تريد أن تحافظ عليه ما جعلها تحاول أن تقنع أحبتها بموته ولا يمكن أن ترجع أو تعيش معه وقد اعتبرته ميتاً..لأنها وصلت إلى حد من الألم لا تستطيع الاستمرار بالعيش معه ولكنها صابرة عليه من أجلهم .
والشاعرة هنا استطاعت بحنكتها الشعرية أن تبني من المتن الشعري وتياراته الصاعدة مايوثق العلاقة الجدلية القائمة بينها والدلالة الكامنة في معاناتها حيث تمثل المعاناة أزمة انكسار الذات اتجاه القضايا التي حولها بشكل شمولي للرؤيا وفي تحديد وجودية الإنسان ضمن حالة القهر الفردي وكشف هذا الانكسار في ظروفه وبطريقة صوفية تلغي الذهنية والبقاء بعمق الروح وعواطفها المنكسرة ..استطاعت أن توصل المتلقي إلى حالة من الصوفية الصافية لارتباطها الفعلي بعاطفتها بعمق بدلاً من البقاء على ظاهر الأشياء أي أن الشاعرة مدركة لذاتها وأزمة انكساراتها التي عاشتها وبشكل الانزياح المعنوي.
كي تضيء حياة في اعتقادي
أنت انتشار رغبة القتل
للعبور إلى ما يلي
حين...
تصفع هدير عبوري إليك
بدعوى القفز على الأمس
وأنا المؤمنة بطقوس أكاذيبك في محراب الوهم
تستمر في خلق الدراما الصوفية لأنها تعيش الحياة من خلال عمقها كاشفة سبب انكساراتها في زمن لم تشارك في صنعه وهو مفروض عليها وهذه أزمة وجودية صوفية ضمن اختيارات الفردية لحقيقة الحياة وأزمتها المتحققة ضمن معاناة الإنسان و حين صنفنا نصها ضمن صوفية الطرح لأنها طرحت ميتافيزيقا الغائب من الزمن وبحثت في عمق روحها التي هي روح الإنسان حين تتكالب عليه ظروف قهر خارج أرادته وهي قد اقتربت من هذا ونجد هذه الحالة في الشعر قد طرحتها مجلة الشعر اللبنانية المتكونة من الشعراء يوسف الخال وأنسي الحاج وشوقي أبو شقراء أودنيس أي أن الشاعرة تمتلك مساحة واسعة من الثقافة الشعرية التي مكنتها من الاقتراب أكثر من مناقشة الأزمة الذاتية الوجودية التي هي انعكاس لأزمة الوجود وتحدي الإنسان للقوة المسيطرة عليه بشكل فردي وهذه الحالة نجدها في أشعار الشاعر يوسف الخال حيث جعل من الذات العمق الكامل للظواهر الظرفية حوله وهذه حالة من الصوفية المتقدمة وهي بهذا تنقل العذاب في العالم من العذاب الأخروي إلى العالم الباطني للذات حيث يصبح وعي ولاوعي الإنسان مركز الحساب والعقاب لكل أفعالنا الظاهرية والخارجية.
والشاعرة بالرغم من أنها تعيش العمق استطاعت أن تتحرر من الغموض وهي قد نجحت في أيجاد الفكرة التي تريد أن توصلها إلى المتلقي من حالة القهر الفردي وبخيال خصب كما قال الشاعر الناقد الإنكليزي جون درا يدان (أول نجاح لخيال الشاعر هو الابتكار أو العثور على الفكرة) واستمرار تنامي هذه الفكرة وصولاً إلى خاتمة النص التي تمثل جدلية الحوار الداخلي بين ذاتها والظروف التي حولها حيث نجدها في المقطع التالي بتصاعد أزمتها إلى حد التفكير بإزالة الظرف الذي سبب كل انكساراتها وحتى الوصول إلى عملية القتل من قلع أو تغيير هذا الظرف ( كي تضيء حياة في اعتقادي /أنت انتشار رغبة القتل ) فنشعر بهذا المقطع تصاعد أزمتها وتناميها إلى نهايتها في داخل ذاتها كاشفة إلى هذا الظرف كذبه وأوهامه التي يعد بها أنه سيكون كما تريد ولكنه ثبت بطلان إدعائه فلا تحصل منه سوى الكذب في محراب الوهم لأنه لا يمكن أن يتغير باتجاه ما تريد فهي وصلت إلى قناعة بموته في حياتها لأنها صبرت زمناً كاملاً تنشد تغيره ولكنه لم يتغير سوى بأوهامه ولهذا تخبره بأنها لا يمكن أن تعود إلى الأمس وتقفز عليه (حين... /تصفع هدير عبوري إليك /بدعوى القفز على الأمس / وأنا المؤمنة بطقوس أكاذيبك في محراب الوهم ) وهي بهذا حققت الصورة الرؤية المتوحدة مع الدلالة في المعنى وحدث هذا من خلال تكوين علاقة حوار مع الذات وبتبادل الوظائف والاحتفاظ بالرغم من إلاختلاف الدلالي في هذا الحوار الداخلي بالصورة المركبة التي تتجسد في الصراع أو الحس الدرامي الصوفي بينها والأحداث التي حولها وكانت لغتها الشعرية لفظا وتركيبا تأتلف مع المناخ النفسي والاجتماعي والبياني والأسلوبي سعيا إلى تحقيق رؤية أبداعية للصورة الشعرية بكل مستوياتها ودلالاتها حيث أن الرؤية الإبداعية في أي قصيدة يأتلف فيها ذوقان أدبيان أو شعوران هما الذوق الفردي والذوق التاريخي ، والذوق الفردي المعبر عن ذائقة الشاعر وصولا إلى ذائقة المتلقي والذوق التاريخي المعبر عن روح الشاعر وفق أزمانه التي عاشها وهي أن تخاطب باللغة التي تدرك وبالصورة التي جعلتنا أزمة الفردية عند الإنسان والسعي إلى الخلاص من هذه الأزمة أي أن الشاعرة انتقلت من أزمتها الفردية إلى أزمة للإنسان بصورة عامة وهذا هو سر أبداع هذه الشاعرة في خلق أسلوب خاص بها في ذائقة الشعر العربي المعاصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.