بلدنا في الوقت الحالي هو بلد التوازنات والدليل أن أزمته الراهنة قد تجاوزت شهرها السادس والأوضاع فيه ما زالت تراوح مكانها بين مد وجزر وهذا يثبت أن اليمانيين ما لهم إلا انتهاج سبيل الحوار ولا شيء سواه فهو الطريق إلى العيش الآمن والمستقر والحياة الكريمة وعن طريق الحوار سيأتي الحل لكل مشاكل البلاد والعباد بإذن الله تعالى يقول عز وجل "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان". وعلى المكابر والمعاند والمزايد أن يقتنع بالحوار الحضاري ويؤمن في قرارة نفسه بأنه ليس بمقدوره اقتلاع الآخر من الساحة أو تجاهله أو تصفيته جسدياً وأن يؤمن كل طرف ويوقن بأن الطرف الآخر له وزنه وثقله وشعبيته وشرعيته فيجب الاعتراف بهذا الآخر وأنه لا يمكن ثني ذراعه أو كسر يده بل يجب مصافحتها ومحاورتها والشهادة لها بالوجود والبقاء لأن الوطن يتسع للجميع وهذا هو سلوك من يزعم أنه ينتهج النهج الشوروي الإسلامي أو الأسلوب الديمقراطي الحضاري وليشعر كل طرف من الأطراف بشعور المصارع المهزوم الذي بادر إلى تهنئة خصمه المنتصر عليه وبارك له تفوقه بروح رياضية عالية وسماحة قلب راض ٍ بالنتيجة ورحابة صدر تفهم لغة اللعبة السياسية عفواً .. الرياضية! فلماذا لا نتعلم من الدول الديمقراطية التي ندعي تقليدها أو الاقتداء بها في ممارستها الديمقراطية ما دمنا قد استلهمنا ديمقراطيتها في دستورنا فعندما يهزم حزب عندهم في الانتخابات يبادر إلى تهنئة الحزب الفائز على نجاحه حتى وإن كان معارضاً له .. أما عندنا فعندما يفوز حزب تطعن المعارضة في نجاحه وتتهمه أنه زور الانتخابات واستغل المال العام والإعلام لصالحه وأنه حزب فاسد ينبغي إسقاطه واستبعاده.. هذا سلوك خطاب الأحزاب المعارضة في منطقتنا العربية التي تنتهج أو تطبق شعار (رمتني بدائها وانسلت) وهو تعبير عن خيبة الأمل والهزيمة لأنها تفتقد للروح الرياضية ولا تقبل مرارة الانكسار .. ينبغي أن يعلم الجميع أن اليمن غير مصر وغير تونس وسوريا وليبيا.. لماذا؟ لأن كفتي الميزان لم ترجح إحداهما على الأخرى في بلادنا فهناك توازنات: أحزاب منقسمة وقبائل منقسمة وبعض وحدات من القوات المسلحة متمردة وهناك شباب منقسمون والمعارضة تعرف ذلك ومع ذلك تظن واهمة بأنها قد قضت على النظام ولم يتبق منه إلا فلول قليلة وهذا واضح من خطابها المأزوم: بقايا نظام صالح - بقايا فلول القوات الموالية أو التابعة لصالح - ما تبقى من سلطة أبناء وأسرة صالح، وكأن الدولة في نظرهم قد اختزلت في حكم صالح وأبنائه وأسرته، وهذا اختزال وابتسار لا دليل عليه لدولة دخلت في تجربة ديمقراطية ومارستها منذ عشرين عاماً والدليل أن ( الدولة) ما زالت متماسكة برغم غياب رموزها وقادتها ومحدودية صلاحية سلطتها الحكومية التي لا تتعدى تصريف الأعمال فقط.. ومع ذلك لم تتوقف الحياة أو تهبط الدولة إلى مستوى الدولة الفاشلة. وعلى المعارضة ألا تراهن على الخارج أو تأمل في أن يقدم لها هذا الخارج شيئاً وأن تركز مراهنتها على الداخل الذي يمنحها مصداقية وشرعية وثقلاً شعبياً هذا إذا كانت صادقة مع نفسها لكنها مع الأسف لا تملك ذلك ، والدليل تطلعها للدعم الخارجي وهروبها من الحوار والخوف من صندوق الانتخابات فقد حاولت عدة أحزاب غير متجانسة أيديولوجياً تشكيل كتلة أطلق عليها اسم ( المشترك) لكي تسحب البساط من تحت أقدام الحزب الحاكم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية ومع ذلك لم تفلح فلجأت إلى وسائل أخرى غير مشروعة، ولا تدل على ممارسة حضارية وديمقراطية ولا تبادل سلمي للسلطة ولا يحزنون، كالانقلاب على النظام والشرعية والوصول إلى كرسي الحكم ولو على طريقة " الغاية تبرر الوسيلة" وهذا هو سلوك العاجز المصاب بعمى الألوان والمتخبط الذي فقد توازنه وظهر عجزه فلم يستطع أن يفرق بين الأحمر ونقيضه ولا بين الصالح والطالح. إن المعارضة التي تختزل آلاف أنصار الحزب الحاكم وتختزل القوات المسلحة والأمن في شخص الأخ الرئيس وأبنائه وأبناء أخيه وأسرته وتؤكد أن ثورة الشباب قد هزمت فلول هذا النظام الحاكم الديمقراطي وانتصرت عليه وغلبته فهذا معناه من وجهة نظر المعارضة أن الدولة اليمنية لم يعد لها وجود وأن البلاد قد أصبحت ساحة صراع على السلطة بين قبائل متناحرة كل طرف له أتباع فصالح له أتباع مسلحون و المشترك له أتباع مسلحون والحوثيون لهم أتباع مسلحون والحراك لهم أتباع مسلحون والزنداني له أتباع مسلحون والقاعدة لها عناصر مسلحة والشباب لهم أتباع مسلحون بقيادة علي محسن وعناصر المشترك وهذا معناه أن البلاد في حالة فوضى وأن كل طرف يعتقد في نفسه أنه دولة في حد ذاته تشبه دولة كل قبيلة في الصومال وأنه حر ويحق له التحدث باسم ملايين اليمنيين ويمنح لنفسه الشرعية من تلقاء نفسه وفي الحقيقة ليس هناك غالب ولا مغلوب فلم يتبق إلا الجلوس على طاولة الحوار ونحن نتساءل : لماذا لم يتحاوروا حتى الآن؟!