فجعت الأوساط الفنية والثقافية في صباح يوم السبت الموافق 10/ 9/ 2011م بوفاة الفنان القدير أحمد علي قاسم عن عمر ناهز (68) عاماً ، والفقيد صاحب تجربة فنية غنائية متميزة تخللت مشواره الإبداعي الحافل والزاخر بالعطاء المتدفق النوعي المتجدد والراقي، ويعد من الفنانين اليمنيين القلائل الذين أثروا حياتنا الفنية المعاصرة بمفاهيم ودلالات ووظائف ماهية وقدسية (رسالة الفن والطرب) المعبر الهادف التي تنهض بالقيم الجمالية والأدبية الثقافية والأخلاقية وتسمو وترتقي بالنفوس والمشاعر والأحاسيس المفعمة بالصدق والحب فتسكن بين الأفئدة والأرواح والقلوب . حنجرة ماسية ومخملية كانت رحلتة الفنية ولازالت مشبعة غنية بمفردات ومعاني البهجة والجمال والفرح اللامتناهي . أمتلك الفنان المبدع أحمد علي قاسم (حنجرة ماسية ومخملية) وصوتاً (قوياً رخيماً) يصنف موسيقياً بطبقة (التينور) ينفث ويشع وهجاً وبريقاً ونوراً وضياء وقد أستطاع أن يحلق بصوته وأدائه على بساط موهبته الفذة في سماوات الوطن وخارج حدود جغرافية الزمان والمكان . عمل فناننا الراحل في (تلفزيون عدن ) وتقلد مناصب قيادية أهمها (المدير المالي والإداري وبعد ذلك نائباً عاماً لمدير البرامج) وحظي بحب وتقدير زملائه في إطار عمله ووظيفته إلى أن تقاعد في السنوات الأخيرة. تنويعات مقامية موسيقية اتسمت أعماله وأغانيه (بتنويعات مقامية نغمية موسيقية وإيقاعية) مترفة باذخة فارهة ،ونجح بتفوق وإقتدار في تقديم (ثنائيات فنية إستثنائية) مع عمالقة الغناء اليمني ورواده الأساتذة :- محمد مرشد ناجي/ محمد محسن عطروش / أحمد المحسني وغيرهم ،بالإضافة لتعامله مع أبرز شعراء الأغنية اليمنية والعربية على سبيل المثال :عبدالله عبد الكريم / أحمد بومهدي / محمد سعد عبدالله / والشاعر المصري الكبير صالح جودت صاحب كلمات أغنية (الفن) التي لحنها وغناها الموسيقار الخالد محمد عبد الوهاب في عهد الملك فاروق رحمه الله كما قدم للعديد من شعراء الأغنية اليمنية الآخرين. رفد راحلنا المبدع الغائب الحاضر الإذاعة والتلفزيون في (عدن) والمكتبة الفنية اليمنية بأغنيات عذبة خالدة وشمت وبصمت في ذاكرة ووجدان وذائقة الجماهير اليمنية وفي الجزيرة العربية والخليج العربي أهمها : ريح الشروق / يا حلاوتك / يا حبيبي يا حياتي / يا لومتك / أنا أترجاك / لسهد الليل / غيرني الحب / كيف أقدر أعيش / 30 نوفمبر/ راجعون / ومشاركته المتألقة في أوبريت الاَحطوب (يا سلمى)، وغيرها من الأعمال والأغنيات الجميلة الرائعة . من أبرز صفات الفنان الرقيق أحمد علي قاسم التلقائية والشفافية / الصدق والتسامح/ الثقة والإعتزاز بالنفس / البساطة والتواضع/ المثابرة والإيثار /خفة الظل وروح الدعابة والمرح/ ودماثة الأخلاق والقناعة. خسارة فنية فادحة شكل رحيل الفنان المتألق أحمد علي قاسم خسارة فنية فادحة في ساحة الغناء اليمني التي تشهد منذ زمن طويل وبعيد (مأساة دراماتيكية) أصابت عموم مفاصل الجسد الإبداعي اليمني بأمراض مستعصية من الصعب الخلاص من تبعاتها القاتلة المميتة على المدى المنظور، أنني وبإسم كل فنان ومبدع ونيابة عن مواطني هذا البلد من أطفال ونساء، رجال وشيوخ وأمهات نعيش جميعاً (كارثة حروب الإستنزاف النفسي والإنهاك الروحي والجسدي والمعنوي لآدمية البشر) أصرخ وأستغيث بأعلى صوتي للعقلاء والحكماء في يمن (الحكمة اليمانية) أناديهم لقد ضاق بنا الحال وضنك الحياة أصبحنا غرباء مقهورين مستضعفين في أوطاننا إلى متى سنظل وسنبقى رهائن في سجن محاصرين وفي قبضة الجهل والتخلف والمصالح الذاتية إلى متى سنبقى كذلك؟!! نشاهد سفك دماء الأبرياء وضياع وإهدار حقوق وكرامة (الإنسان) أغلى وأعظم (هبة) وضعها الخالق في الأرض، تنتابنا وتجثم على صدورنا حالات متسارعة متلاحقة من الفزع والقلق والخوف من (هوية القادم المجهول؟!! ) بسبب الإنتهاكات التي تمارس بوحشية بحقوق الناس وجرائم مسلسل إنقطاع التيار الكهربائي، والتفنن في صنع وإختلاق الأزمات والمصائب، وحالات البلطجة وقطع الطرقات، وفقدان الأمن والأمان، ظروف قاهرة صعبة لم نعهدها مطلقاً على إمتداد تاريخنا السياسي/ الإقتصادي/ الإجتماعي/ الثقافي/ والإنساني القديم والمعاصر نمر بها في هذه الفترة الزمنية الحرجة القاسية التي (لايقوى على إحتمالها الشيطان)، ومن المفارقات العجيبة أننا في الوقت نفسه نسمع ونقرأ ونشاهد الجميع بمختلف أطيافهم الحزبية السياسية المتناقضة المتنازعة والمتباينة يهتف وينادي ويرفع الشعارات الرنانة الفضفاضة من أجل رخاء ورفاهية المواطن والوطن، أي وطن نتحدث عنه ومواطنوه (أحياء أموات..؟!!)، أنني أحمل الجميع مسئولية ما يحدث من فوضى وعبث وعشوائية وإستهتار في هذه المرحلة التاريخية من حياة شعبنا اليمني، ولا أرى في الأفق إلا حقيقة واضحة جلية نلمسها في كل ثانية.. مزيداً من الضحايا والشهداء الأبرياء يدفعون الثمن غالياً وباهظاً من أبناء جلدتنا وأخواتنا في ظل قيام وإستمرار الوضع المأساوي الراهن . كلمة لابد منها أسعدني كثيراً وأثلج صدري تلاحم وإخاء أبنائه أسامة/ أديب / أمجد، الذين أقاموا مراسيم العزاء في سرداق لمدة ثلاثة أيام بجوار منزل والدهم في مدينة المنصورة (الوحدة السكنية) وكان إستقبالهم لمحبي وعشاق والدهم على أكمل وأجمل وجه وأروع صورة.. وأستغرب غياب الجانب الرسمي المختص (وزارتي الإعلام والثقافة) كما تعودنا دائماً في هذه الحالات الإنسانية، لا تعليق..؟!! نجح الفنان أحمد علي قاسم أيضاً في تكوين أسرة (مثالية) نتشرف بها جميعاً وهي من وجهة نظري تضاهي وتوازي نجاحه وتألقة الإبداعي المعروف والمشهود (فنياً). تقدم جموع المعزين والحضور الشخصية السياسية والرياضية والثقافية (الأب الروحي) الأستاذ القدير أحمد القعطبي رغم ظروفه الصحية الصعبة. رحم الله فقيد الغناء اليمني الفنان الكبير أحمد علي قاسم (أبو أسامة) وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان إنا لله وإنا إليه لراجعون.