حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفنان محمد مرشد ناجي رافد الغناء اليمني والطرب الأصيل
نشر في سبأنت يوم 29 - 06 - 2009

يعد الفنان الكبير محمد مرشد ناجي واحدا من أهم دعائم وركائز "الغناء التجديدي الحديث"، بالإضافة لدوره البارز والهام والمؤثر بتقديم الموروث والفلكلور الغنائي اليمني بكل تلاوينه وإيقاعاته المختلفة والمتعددة بأسلوب رائع أخّاذ ومقدرة فائقة أعادت إليه الروح والحياة بعد حالة الإهمال والنسيان ولعل "المرشدي" من الفنانين القلائل الذين تمكنوا ببراعة من تقديم عطاءات ونتاجات إبداعية استندت على محاكاة التراث اليمني برؤيته المستقلة وبمنظوره ومنهاجه ومدرسته المتميزة معتمدا بذلك على جمال وعذوبة ورقة "صوته الذهبي" وسلاسة وسلامة مخارج الألفاظ والقدرة الهائلة على التغيير والتنويع بخلق جمل موسيقية ومقامات لحنيه وإيقاعات يمنية مصحوبة بثراء في العاطفة والشجن المتدفق المرتبط بجذور وأصول التربة اليمنية المعطاة، إن صوت "المرشدي"، ونحن نستمع إليه، يخيّل إلينا، ونحس وكأنه جاء منبعثا من أعماق الأرض والتاريخ حاملا بصوته الرخيم العذب أبرز وأهم ملامح الأصالة والحضارة اليمنية المترامية بامتدادها واتساعها في كل أرجاء الجزيرة العربية والخليج العربي، مؤكدا بأدواته وقدراته الإبداعية المتفردة (جدارته وحنكته) وعلى توصيل كل تلك السمات الفنية والتفاصيل التاريخية، الاجتماعية، السياسية، بحرفية وتقنية عالية وبملكة الفنان المبدع الخلاق الذي يتكئ بمشروعه الغنائي الموسيقي على "مرجعية الثقافة والعلم وفي الإطلاع والبحث عن المعرفة بكل شاردة وواردة تصادفه في جامعة الحياة". وفي الواقع إن فناننا القدير محمد مرشد ناجي نجح بشكل لافت مبهر في تحقيق كل تلك القيم والمفاهيم التي تحمل بمضامينها ماهية ووظيفة الفن ودور الفنان المثقف الملتزم باشتغالاته الغنائية والموسيقية المبتكرة الحديثة وأستطاع في نفس الوقت أن يتعامل ويتعاطى مع التراث والفلكلور اليمني (برؤى ومعالجة فنية حداثية) ليجعله محتفظا بأصالته وهويته ومحببا لأذن المستمع والمتلقي في داخل الوطن وخارجه، فتمكن (المرشدي) من خلال أحاسيسه ومشاعره الصادقة أن يمر على كل جبال وهضاب وسهول ووديان اليمن بكل تضاريسها ومناخاتها الساحرة الخلابة، وجعلنا أيضا نطوف ونحلق مع أعماله الرائعة التي قدمها (حديثا) والتي أعاد صياغتها غنائيا وموسيقيا بصوته المخملي الدافئ والحنون الممتلئ بالخيالات المتوهجة المعبرة لنستمع ونستمتع بفضاءات غنائية موسيقية رحبة، فنستعيد بعطاءاته وإبداعاته الفنية (ذاكرة الزمان والمكان) كل الحقب والمراحل الزمنية من تاريخ اليمن الزاخر والحافل بالإبداعات الخالدة، ولعلّ هذه الأعمال الرائعة التي قدمها تؤكد مصداقية ما أشرنا إليه -على سبيل المثال لا الحصر: أراك طروبا، زمان الصبا، عن ساكني صنعاء، صادت فؤادي، يا من سلب نوم عيني، الفل والورد، يا ساري البرق، يحيي عمر قال، قال أبو زيد، قطفت لك، شابوك أنا، يا مكحل عيوني بالسهر، الله يعلم، أنا من ناظري، المُعنّى يقول، عظيم الشأن، يا غارة الله، صادت عيون المها، عليك سموني، أخضر جهيش... وغيرها.
حمل على عاتقه هموم وقضايا ونضالات أمته وشعبه
حمل فناننا المبدع محمد مرشد ناجي على عاتقه هموم وقضايا ونضالات أمته وشعبه، فعاش مجبولا متبنيا لها طيلة حياته منذ نعومة أطافره حتى هذه اللحظة، عشق الأرض اليمنية وأحب أناسها بكل طيبتهم وبساطتهم؛ ليجعل من موهبته وفنه وجهده وعطاءاته وإبداعاته وسيلة استطاع من خلالها أن يتصدر "قلب الأحداث والمتغيرات"، التي عاصرها على كل الأصعدة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، فعاش مهموما بهذا "الحس والوعي الإنساني والوطني اللا متناهي غير المحدود"، المرهف والمضني الذي أنعكس على أسلوب عيشه وحياته، فدفع ضريبته ثمنا باهظا من صحته ومستقبله ومعاناته، وعدم استقراره في حياة هانئة هادئة من تبعات مواقفه الوطنية الإنسانية فأستطاع أن يغيّر نظرة المجتمع والسلطة تجاه "الفن"، ليرتقي بسلوكه وبأعماله الغنائية الوطنية والعاطفية الرائعة والخالدة (بقيمة ووظيفة الفنان المثقف والملتزم) غير العابث واللاهي إلى مفهوم مغاير مختلف تماما شكلا ومضمونا، جسّد معنى وقيمة الفنان المثقف الملتزم بأحلى وأنصع وأبهى صورة.
ومن أهم الأعمال التي قدمها المرشدي وحصدت نجاحات جماهيرية واسعة وموجعة للاستعمار البريطاني وحُكم الإمامة، الأعمال التالية: يا بلادي- هات يدك- بالله عليك يا طير- شعبي ثار اليوم- أنا الشعب- أنا يمني- يا طيركم أحسدك- يا ميناء التواهي- أنظر إلى بيتي- أخي كبلوني- طفي النار- والله أنه قرب دورك يا بن الجنوب- قائد الجيش البريطاني.. وغيرها.
المرشدي والأغنية الحديثة
يعتبر الفنان محمد مرشد ناجي أحد أهم وأبرز رواد "الغناء التجديدي الحديث"، فقدم إضافات تميز بها عن غيره من زملائه، وحسبت له في مسار تطور الأغنية اليمنية الحديثة، فللمرشدي وثبات فنية مبتكرة ذات أبعاد جمالية ورؤى فنية مدعمة باشتغالات إبداعية بالغة التميّز والخصوصية، تتمحور في تراكيب وصياغات بناء الجملة اللحنية النغمية والموسيقية بطريقته وبأسلوبه ومنهاجه الذي يعتمد على "شقين"، الجملة الموسيقية التي تستند على الثبات والركوز في صياغة القوالب اللحنية والجمل الموسيقية، وبالتالي يرتكز قوامها ويستقيم على رصانة ووضوح مخارج الألفاظ وسلامة المفردات ومعاني الكلمات، بالإضافة إلى حالة التدفق النغمي الوجداني والروحي الممزوج مع القصيدة بشكل لافت وقوي يضيف ويضفي للقصيدة والنص الشعري الذي يتعاطاه (المرشد) كثيرا من الصور والدلالات والرؤى الفنية الموسيقية والنغمية. ولعل أبرز هذه الأعمال: قصائد الشاعر العظيم محمد سعيد جرادة، فقد اشتركا معا بتقديم "ثنائيات وأعمال غنائية متميزة رائعة"، كأغنيات "وقفة، ذات الخال، لقاء، هجرت وابعدتني، شبابك ندي ريان.. وغيرها".
كما لا يفوتني أيضا الإشارة إلى "الثنائية" المشهود لها بالإبداع والتفوق مع الشاعر المبدع الخلاق لطفي جعفر آمان، التي نتذكر منها الأعمال العظيمة التالية - على سبيل المثال: إلى متى، ظبي من شمسان، عرفت الحب، ودعت حبك، مش مصدق.. وغيرها.
بالإضافة إلى الأعمال الجميلة والمتفردة التي تؤكد عبقرية فناننا القدير المرشدي وإسهاماته الهامة في تطوير الأغنية اليمنية، منها: الأغنيات الآتية التي ارتقت بذائقة الناس وحفرت في ذاكرة ووجدان الجماهير اليمنية والعربية، بل إنها وضعت بصمات وملامح هامة شكلت أهم تجليات وإشراقات الأغنية اليمنية الحديثة والمعاصرة.
مثال على ذلك: بيني وبينك، خلاني وراح، على ذكراها، أكيد.. أكيد، مع السلامة، دا كان زمان يا صاح، صلاة قلب، ضناني الشوق، يا للي أنكرت الحب، اللقاء العظيم، نظرة من مقلتيها، لا تخجلي، مازلت أهواك، غنوا معي غنوا، طلعت بدرية، بغينا الحب دايم بالتفاهم، اشتقت لك، تاج النهار، بروحي وقلبي، لم يندمل، وكثير من الأعمال الرائعة والمهمة.
أما الشق الثاني من تجربة المرشدي الغنائية والموسيقية ومدرسته في "فن التلحين وطرائقه المختلفة"، فيعتمد على الجملة الموسيقية القصيرة التي تستند على الحركة والإيقاع، ويمكننا أن نطلق عليها أسلوب "السهل الممتنع". ولكنه أيضا يهتم بتنويع المقامات والإيقاعات وبالمقدمات الموسيقية التي تحتاج لمحور خاص للحديث عنها بشكل مفصل ومستقل. ومن الأعمال الغنائية التي تتوافر فيها هذه المعطيات والمقومات اللحنية في أغنياته - على سبيل المثال: ما قدمه لنا بالآتي: حبيبي جاني، يا بن الناس حبيتك، يا سائلي عن هوى المحبوب، با معك، لقيته يا ماه، ليه يا بوي، يا نجم يا سامر، غزير الحب، ندانه.. ندانه، يا عيدوه.. يا عيدوه، يا غارة الله، يا حبايب، لاوين أنا لاوين، بانجناه، يا بوي أنا شي لله وغيرها من الأعمال المتميزة.
المرشدي والثنائيات المتعددة الناجحة
ربما يكون من المألوف، وكما جرت العادة، أن يتفوق فنان مع شاعر معيّن ويشكلا معا "ثنائية" يشار إليها بالبنان، ولكن الأمر مع فناننا المبدع أختلف تماما، ولا يمكن أن يحدث إلا إذا جاد الزمان "بحالة استثناء"، فالمرشدي حقق ما عجز عنه الكثير من الفنانين غيره؛ لأنه شكل ثنائيات غنائية متعددة ناجحة مع أكثر من شاعر من فحولة وفطاحلة الشعراء اليمنيين والعرب، واستطاع أن يتميّز ويتفرد بإبداعاته وعطاءاته الغنائية الموسيقية مع كل واحد منهم، بل وكان جديرا مقتدرا بتعامله مع نصوصهم وقصائدهم المختلفة المتنوعة بحسب ثقافتهم وفلسفتهم في أسلوب ونمط العيش والحياة. فمن منا لا يتذكر روائعه وإبداعاته مع الشعراء الكبار الأساتذة محمد سعيد جرادة، لطفي جعفر آمان، عبد الله هادي سبيت، احمد الجابري، علي محمد علي لقمان، حسين أبو بكر المحضار، أحمد السقاف، علي بن علي صبرة، مطهر الإرياني، الدكتور سعيد شيباني، ناصر علوي حميقاني، أحمد بومهدي، القرشي عبد الرحيم سلام، أحمد عباد الحسيني، أحمد شريف الرفاعي، فريد بركات، عباس المطاع، وديع آمان، وآخرين.
فللشاعر الكبير عبد الله هادي سبيت قدّم هذه الأغنيات: حبيبي جاني، لاوين أنا لاوين، نظرة من مقلتيها، ليه يابوي، يا عيدوه.. ياعيدوه، بانجناه، يابن الناس حبيتك، عمرنا ليل، يا حبايب.
وقدّم للأستاذ احمد الجابري هذه الأعمال الهامة أيضا: علمسيري، يا غارة الله، أخضر جهيش مليان، يا عاشقين، لا تخجلي.
وللشاعر والملحن القدير حسين أبو بكر المحضار قدّم باقة منتقاة من الأعمال الجميلة، اتسمت بالخصوصية منها: دار الفلك دار، أهل باكرمان، دعوة الأوطان، يا ساري الليلة.
وكذلك قدم للشاعر الرائع علي محمد علي لقمان هذه الأغنيات: صلاة قلب، غنوا معي غنوا.. وغيرها.
وتعاون هو والأديب الشاعر الأستاذ عبد الله فاضل في تقديم عملين جميلين: بروحي وقلبي، وأغنية ما زلت أهواك. من هنا تأتي عبقرية فناننا القدير المرشدي بقدرته على العطاء المتدفق والكبير وإمكانياته الغنائية الموسيقية التي جعلته يتجدد إبداعا بصور وأشكال مختلفة، وبالطبع تأتي ثنائياته مع العملاقين محمد سعيد جرادة ولطفي جعفر آمان بصدارة القائمة في سجله الموسيقي الطويل الحافل.
مقطوعات موسيقية مستقلة في أغنيات المرشدي
سمعت بعض التصريحات، مفادها بأن الأستاذ محمد مرشد ناجي يصنّف بالفنان الشعبي، وفي الواقع أن هذا التصنيف مجافٍ للحقيقة، ومغلوط جملة وتفصيلا، ولا ينطبق عليه إذا توخينا الدقة في اختيار التصنيفات الفنية على المرشدي أو غيره من فنانينا المبدعين، ومع تقديرنا واحترامنا لتصنيف ومسمى الفنان الشعبي، إلا أن الأمر يختلف هنا تماما، كما سنشرح ونوضح بالبراهين والأدلة في هذا السياق الذي سنؤكد فيه اهتمامات المرشدي واشتغالاته الموسيقية الذي لا يمكن أن يقدم عليها ويتعاطاها إلا "فنان شامل مثقف" يمتلك موهبة الإبداع والابتكار، فإذا أعدنا شريط الذاكرة وقُمنا بعملية مسح شامل وعام في هذا الاتجاه الهام لأغنيات المرشدي منذ بداياته سنكتشف اهتماماته بالمقطوعات الموسيقية كمقدمات مستقلة لأغنياته وسنجدها: مطرزة بزخارف ونمنمات مقامية وإيقاعية مرشدية، غاية في الروعة والجمال وكانت عبارة عن تاج موسيقي بديع وضعه على رأس أغنياته، الأمر الذي يؤكد بالقطع تطلعاته وتحدياته وتمرده الواعي المسؤول عن كل مألوف وساند في ذلك الوقت، أما الأدلة والبراهين فهي كثيرة منها -على سبيل المثال-: المقدمات الموسيقية لهذه الأغنيات الشاهدة على براعته ونزعته العارمة نحو أفاق التحديث والتجديد بأعماله التي نتذكر منها : على ذاكرها، عرفت الحب، ودعت حبك، ضناني الشوق، أهلا بمن سلم، صلاة قلب، إلى متى، عن ساكني صنعاء، أكيد.. أكيد، أحبها، وقفة، بالله عليك يا طير، نظرة من مقلتيها، يا بلادي، تاج النهار، هات يدك، وكثيرا من الأعمال الأخرى التي أتحفنا بها وما يزال، أطال الله عمره.
عن ساكني صنعاء
في هذا المقام، سنعرج على هذه الأغنية ذات القصيدة الحمينية كلمات الشاعر والقاضي عبد الرحمن بن يحيي الآنسي، لنستخلص من هذا اللحن البديع والرشيق أهم خصائص ومميزات المرشدي المحّلن المتجدد والمتطور منذ بدايته الأولى، مرورا بمشواره الغنائي الزاخر والحافل بالعطاءات الإبداعية بالتألق والمفاجآت.
البداية:
المقدمة الموسيقية والاشتغال على جمل موسيقية جديدة مبتكرة مغايرة عن كل ما كان سائدا حينها في ذلك الوقت، فإذا استمعنا للمقدمة الموسيقية جيدا، وقمنا بتحليلها علميا، سندرك أنها لحنت على: مقام البيان على درجة الدوكا، واستخدم فيها الإيقاع الشرح الثقيل (6 / 8 وكانت المفاجأة في تراكيب جمل موسيقي صولوا العود) الذي استخدم فيها المرشدي تكنيكا عالي المستوى، ورفيعا جدا) بطريقة "مضاعفة سرعة الريشة وزيادة الوحدات"، إذ أن العود كان متناغما بانسجام بديع مع الكمانات وبقية الآلات الوترية في قوام الفرقة الموسيقية، فاستطاع أن يبتكر مقطوعة موسيقية فائقة الروعة والجمال، ثم يبدأ بعد ذلك التمهيد الموسيقي للغناء بطريقة حديثة وجديدة نجد بها روح وإحساس ومدرسة "المرشدي" فلم يخضع المرشدي لخصوصية وطبيعة النص الحميني المعروف والتقليدي الذي عادة ما كان يكتبه شاعر القصيدة الحمينية وعرفت قصائده ملازمة ولصيقة بأهم الموشحات الصنعانية اليمنية، لكن قدرة المرشدي الموسيقية الهائلة مكنته من الخروج من دائرة الصياغات الغنائية الموسيقية (الإحيائية والتقليدية) باشتغال جاد مبتكر، تمرد به عن تبعية النص الغنائي الحميني، وهيمنته على فرض أسلوب محدد ومعروف بصياغات لحنية على النمط الغنائي التقليدي المعروف.
فقد تجسّد نجاح "مرشدنا" بتلك المقدِّمة الموسيقية الرائعة، وفي الخروج والتمرّد من قوالب التلحين بطريقة "الموشح اليمني الصنعاني التقليدي" التي فرضته وهيمنت عليه القصيدة الحمينية منذ زمن طويل جدا، وفي الواقع إن رغبة ونزعة المرشدي لتطوير الغناء اليمني إلى أسلوب آخر جديد مكّنه من التفوق والإجادة والإبداع بمهارة في تخطي تلك المخاطر الفنية الصعبة، وفي تألقه بنجاح هذا اللحن وأدائه العظيم، فإلى مذهب الأغنية:
عن ساكن صنعاء حديثك هات ××× وأفوج النسيم
وخفف المسعى وقف ××× كي يفهم القلب الكليم
هل عهدنا يرعى وما يرعى ××× يرعى العهود إلا الكريم
ثم يزداد إبداعه تألقا وروعة في "الكوبليهات" التي يقول فيها :
تبدلوا عنا ××× وقالوا عندنا منهم بديل
والله ما حلنا ××× ولا ملنا على العهد الأصيل
ما بعدهم عنا يغيرنا ××× ولو طال الطويل
***
بالله عليك يا ريح ××× أمانة إن تيسر لك رجوع
لمح لهم تلميح ××× بما شاهدت من فيض الدموع
والشوق والتبريح ××× والوجد الذي بين الضلوع
إن المرشدي حينما نسمعه يردد هذه الأبيات الشعرية مموسقة ملحنة بصوته الذهبي الدافئ والشجي نشعر وكأنه يحترق لوعة وعشقا وهياما للوصول لمحبوبة الغائب، وفي الحقيقة نجح المرشدي ببراعة واقتدار في ترجمة أبيات ومفردات ومعاني قصيدة شاعرنا الكبير القاضي العلامة عبد الرحمن بن يحيي الآنسي، وفي التعبير عن مكنوناته ودواخله الشعورية من خلال اللحن الجميل الذي أتحفنا به وبكثافة الأحاسيس والشوق والشجن الذي امتزجت لتشكل مع صوته وحدة فنية متماسكة ونسيجا رومانسيا عاطفيا عكس صورة ذلك الزمان الجميل بكل صدق وأمانة، ونحن لا نملك إلا تسليط الضوء صوب هذه الأغنية التي تعتبر نموذجا ومثالا لروائع أستاذنا الجليل الفنان محمد مرشد ناجي، ودوره الريادي وخدمته في تطوير الغناء اليمني، فهي بقيمتها الموسيقية والغنائية من وجه نظري تشكل علامة بارزة وبصمة هامة أضيقت إلى رصيده الغنائي الموسيقي المشرق والمشرف، ورفدت مع عطاءاته الغنائية الموسيقية مسار الغناء اليمني واستمراريته وتألقه نحو الأفضل والأجمل.
## للفنان القدير محمد مرشد ناجي العديد من المؤلفات والمطبوعات التي تختص بشؤون وقضايا الغناء اليمني القديم والمعاصر.
قدم الفنان الكبير محمد مرشد ناجي مجموعة متميّزة من الأصوات ودفعها لساحة الغناء اليمني مدعمة بألحانه ورعايته. ومن أبرز هذه الأصوات الأساتذة طه فارع: هجرة وأبعدتني، غلطة عمر، يخاصمني ويضحك لي، مرحب رمضان. الفنان عبد الرحمن حداد: حبيب القلب، لقيته يا ماه، حارس البن. الفنان محمد صالح العزاني: أنت السبب، وأبوي أيش الذي صار، اشتقت لك، يالله السبق. واشترك العزاني وأحمد علي قاسم وفتحية الصغيرة في إسكتش "بنت الأكابر"، وقدّم للفنان عصام الخليدي "حلفت ما شفرقك"، وأغنية "اشتقت لك".
كما قدّم الفنان محمد مرشد ناجي مع الخليدي والفنانة نوال حسين مقدّمه المسلسل الإذاعي "الرهينة"، وللفنان أبو بكر سكاريب قدّم أغنية "مش معقول"، وللفنان احمد علي قاسم أغنية "ريح الشروق" وللفنانة أمل كعدل أغنية "با معك"، كما غنت بالاشتراك معه أنشودة "الوحدة اليمنية"، وقدّم أيضا للفنان الجميل محمد عبده زيدي أغنية "فلسطين"، وللفنان عوض احمد نشيد "يا جيلنا"، وللفنانة المتألقة رجاء باسودان قدّم لها أغنية "داري هواك داري"، وللفنان محمد عبده سعد أغنية "طول جفاه"، أما مع "المنلوجست" المبدع والقدير الفنان فؤاد الشريف فله العديد من الأعمال الرائعة والجميلة، أتذكر منها هذه "المنلوجات": القات، كركر جمل، منلوج الزار، يا ناس حلو المشكلة، امنعوا الهجرة، حلو لو، سير يا طير سير، يا مجلس تشريعي، عملت أيش بالبلدية، وغيرها من الأعمال الناجحة التي حققت انتشارا واسعا وجماهيرية.
عناوين جانبية
* تعامل الفنان الكبير محمد مرشد ناجي مع كل لهجات وألوان الغناء اليمني، فأبدع بابتكار تحف فنية غنائية نادرة.
* لا يستطيع تقديم أعمال المرشدي الغنائية بإجادة وإتقان أي فنان؛ لأسباب كثيرة، فهي تتطلب مواصفات ومميزات لا تتوافر إلا بصوته وثقافته الواسعة، من أبرزها: عذوبة وصفاء ونقاء الصوت ورصانته، بالإضافة إلى سلامة ووضوح مخارج الألفاظ، وقدرته الفذّة على توصيل المعاني والكلمات معتمدا على براعته وحنكته في إتقانه لفن الإلقاء الصوتي وطرائقه المتعددة المختلفة.
** أحب الفنان محمد مرشد ناجي وتأثر فنيا بأصوات وبأسلوب العمالقة: الشيخ علي أبو بكر باشراحيل، الشيخ محمد جمعة خان، الشيخ عوض عبد الله السلمي، ورائد الأغنية العدنية خليل محمد خليل، سالم بامدهف. ومن الوطن العربي موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.
* تعامل فناننا المبدع (المرشدي) مع معظم المقامات الموسيقية الشرقية العربية واستخدمها في أعماله منها: البيان، الأصد، الهزام، السيكا، النهوند، الحجاز، والحجاز كار كورد، وغيرها من المقامات الأخرى.
* الفنان محمد مرشد ناجي ابتداء مشواره الغنائي الموسيقي من "القمة"، بأغنية "وقفة، وظل متربعا محافظا على مكانته وجمهوره ومحبيه.
* ختاما كتبت هذه المادة تقديرا وعرفانا لمكانة ودور الأستاذ الفنان الكبير محمد مرشد ناجي في مسار الغناء اليمني وتطوّره، وهي في المقام الأول "رسالة حب ووفاء" للرجل -أطال الله عمره- كما أشعر أن الظروف مناسبة لنشرها، وهو ما زال بيننا بصحته وعافيته، فلا تجدي المقالات والمراثي بعد أن يرحل المبدعون، وفي قلوبهم مرارة الجحود والنكران.
صحيفة السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.