في مثل هذه اللحظة التاريخية الاستثنائية الفارقة التي يحتفل فيها شعبنا اليمني الابي المكافح بمناسبة عزيزة بمستوى العيد ال ( 48) لانطلاقة شرارة (ثورة 14 اكتوبر ) المجيدة من قمم جبال ردفان الشماء بقيادة شهيدها الاول الرمز راجح بن غالب لبوزة في معارك الشرف والكفاح ضد قوات الاحتلال البريطاني التي خاضها مناضلو جيش التحرير حتى يوم جلاء المستعمر من ارض الجنوب العزيز ونيل الاستقلال الوطني في ال 30 من نوفمبر 1967م الاغر .. في هذه المناسبات وان كنا نحتفل بها والبلد تعيش ازمة طاحنة عصفت بالجميع لابد أن نتذكر اولئك الابطال القياديين للعمل الفدائي والكفاحي في مرحلة التحرر من الاستبداد والظلم والتخلف والجهل. وجدت نفسي مشدوداً للكتابة على المناضل البطل الشهيد على احمد ناصر عنتر واقتطاف بعض من احاديثة الشيقة التي قالها في مناسبات سابقة مطلع ثمانينات القرن الماضي قبل مأساة 13 يناير 86م المشؤوم الذي فقدنا فيه خيرة الرموز الوطنية وعلى رأسهم القائد الجسور العميد ركن علي عنتر الذي يعتبر من اشجع وانقى واشرف مناضلي الثورة في الجنوب بما عرف عنه من ادوار ومآثر تاريخية مجيدة لا يستطيع احد تجاهلها او نسيانها. لفت انتباهي لقاء الشهيد علي عنتر نشر في مجلة ( الجندي) آنذاك وفي سياق الحديث عرض شريط وثائقي مسجل بصوت عنتر وهو يلقي كلمة في جموع جيش التحرير ابان مرحلة الكفاح المسلح وعلق الشهيد علي عنتر حينها على ذلك الشريط بالقول:- الحقيقة هذه الكلمة كانت في لقاء مع افراد جيش التحرير في سيلة حردبة ( مديرية الضالع) في هذا اليوم لم يكن لدينا طعام ناكله عدا ( الدوم) وكان لدينا مخزون في الجبل من السكر والشاي لا غير واكلنا الدوم وشربنا الشاي كغذاء ليومنا ذاك .. القيت كلمتي هذه لرفع روح معنويات الناس وسجلناها لكي تصل الى مسامع الآخرين .. الذين كانوا حينها في بيوتهم يأكلون ويشربون مرتاحين وغيرهم لم تتوفر لهم لقمة العيش في تلك الايام وبالذات أن الانجليز قد طردوا السكان من بيوتهم وهجرها السكان الذين كان مصدر عيشنا عليهم وبذلك اضطررنا الى اكل الدوم وخضنا يومها معركة مع الانجليز المعسكرين في قرية الدمنة وانتصرنا في هذه المعركة وكانت المعركة النادرة التي انتصرنا فيها بدون ان نخسر أي فرد من افرادنا. ومرة اخرى عرض شريط وثائقي صوتي لمقابلة اجراها الشعيد علي شائع مع الشهيد محمد مثنى المكلاني بعد اصابته وتذكر المناضل علي عنتر هذه الحادثة وقال:- كنت حاضراً في المعركة التي اصيب فيها رفيقنا المكلاني اصابة قاتلة فأتيت الى مكلات ضاحكاً لرفع معنوياته وقلت له : يا أخ المكلاني انا اقدم منك في جيش التحرير وهذه مؤامرة تشتوا تسبقونا بالاستشهاد من شأن تشلوا علينا بنات الحور الحسان وتخلوا لنا الخيب، وضحك حينها محمد وكانت اخر معركة له في حياته راح بعدها شهيداً. واضاف : المكلاني وغيره الكثيرون سقطوا من اجل حرية شعبنا واستقلاله. علينا مسؤولية كبيرة جداً من اجل رعاية اسر الشهداء واهم من ذلك كله رعاية المبادئ والاهداف التي ناضلوا وضحوا من اجلها .. وأن لا نسمح للصوص ان يسرقوا ثورة الفقراء. وفي معرض حديث الذكريات عن يوم الشهداء 11 فبراير قال عنتر: لقد لازمت كفاح حرب التحرير من اول يوم وطوال سنوات الكفاح الاربع كنت قائداً لجيش التحرير ولم اذكر أني تخلفت يوماً واحداً وساعدني الحظ أني لم امرض واذا كان لي شيء اعتز به في حياتي فهو أنني ناضلت بشرف ووفاء من اجل هذا الشعب حتى يومنا هذا وما اتمناه ان استكمل هذه المسيرة بشرف حتى الموت. هكذا اختتم الشهيد المناضل الفذ علي عنتر حديثه الصادق في تلك المحاضرة الممتعة والشيقة وقبل استشهاده وكان صادقا في ما قاله وطوال حياته الحافلة بالعطاء والنضال الوطني السخي عرف اليمنيون عنتر انه الرجل الذي يتكلم بصراحة وصوت مسموع وبراءة تلقائيتة ولا يعرف المزايده والزيف.. رجل يرفض الخداع والمكر صاحب مواجهة ومواقف جريئة تحمل على كاهله النضال لسنوات ونذر حياته من اجل وطنه ويتذكره الناس باعتزاز كونه عاش مناضلاً ومات شريفاً شجاعاً لم يخلف لاولاده قصوراً ولا رصيداً مالياً في البنك او غيره وهو الذي يتولى أرفع المناصب القيادية في دولة الجنوب من وزير دفاع الى نائب رئيس وغيرها من المواقع المهمة التي كان باستطاعة من يتولاها ان يموت ثرياً لكن عنتر المناضل الزاهد ترك لاولاده رصيداً تاريخياً حافلاً بالنضال من اجل وطنه وشعبه. بقي القول في هذه التناولة الصحفية البسيطة التي اشعر انها لا تفي بحق رمز وطني متميز بحجم الشهيد علي عنتر إن هذا المناضل الانسان حتى بعد أن مضى على استشهاده ربع قرن من الزمن ما زال نجماً لامعاً يتألق في وجدان اليمنيين.. كيف لا وهو الذي وضع لنفسه مكانة في انصع صفحات التاريخ المشرقة يقيناً أن اسم عنتر الشهيد لا يتذكره الناس بما تركه من مال وتجارة وفلل.. الخ بل يتذكرون برصيده الوطني النضالي كرمز شريفي والملاحظ حتى اولاده وعلى راسهم العميد جهاد وشقيقه ردفان مازالوا بنفسي القيم المثالية لوالدهم رغم تغير الزمن .. فلم يسمع عنهم ما يسيء للسمعة العطرة والتاريخ العظيم لوالدهم. نراهم يسيرون بين ابناء الشعب ولا يشعرون انهم افضل منهم وهو الحال الذي كان عليه عنتر القائد البسيط الذي يحب الجميع ويمتلك مشاعر نبيلة وعواطف جياشة تجاه الاخرين. سلام عليك يا ابا جهاد يوم ولدت ويوم اخذت على كاهلك قيادة مسيرة النضال والكفاح المرير سلام عليك ايها البطل يوم سقطت شهيداً خالداً ..سلام عليك في عيد الثورة التي حملت مشاعل انتصارها سلام عليك وانت تسكن ظلمات القبر .. وسلام عليك يوم تبعث حياً.