* فتوى الدكتور الشيخ عبدالوهاب الديلمي بشأن تكفير الحزب الاشتراكي ومن معه واستباحة دماء الجنوبيين في حرب 1994 فتوى مشهورة، ودافع عنها في وجه منتقديه، وبدلاً من أن يتبرأ منها أو يرجع عنها ادعى مؤخراً أن شيئاً من ذلك لم يصدر عنه، وهذا الإنكار لا يعد تراجعاً عن الفتوى التي استند فيها لأقوال رجال دين قدامى، وهي أقوال رجال، ومع ذلك يقال عنها : حكم الله.. وشرع الله! رجال الدين القدامى كانت تط رح امامهم في ظروف الحرب بين "المسلمين" و"الكفار المحاربين"، قضايا مثل ماذا لو تستر المحاربون الكفار بأشخاص لا يجوز قتلهم مثل النساء والأطفال غير المسلمين أو تستر المحاربون الكفار بمسلمين أسرى أو غير أسرى، فهل يجوز للمحاربين المسلمين قتل هؤلاء الذين يحرم الإسلام دماءهم ولا يجيز قتلهم في الحرب؟.. وقد خاضوا في هذه المسألة وأجازوا قتل من تستر بهم المحاربون الكفار إذا كان لا مخرج غير ذلك، مع حق أولياء الدم في الدية. وكما قلنا إن المسألة هنا تتعلق بحرب بين كفار ومسلمين.. وحرب صيف 1994 لم تكن حرباً بين كفار ومسلمين، بل بين أخوة في الدين والوطن، لا تنطبق عليهم الحالة التي ناقشها رجال الدين الأوائل وهي بين كفار ومسلمين. * ولكي ينزل الديلمي الحكم الخاص (حرب بين كفار ومسلمين) على حرب 1994 اعتبر الحزب الاشتراكي ومن معه كفاراً، والمواطنين متمترساً بهم، وبهذه الفتوى اجاز قتلهم أسوة بقتل من لا يجوز قتلهم كأطفال ونساء الكفار وأسرى المسلمين بيد الكفار.. والديلمي هنا تغافل عن الدية أيضاً التي رتبها القدامى.. كان ذلك هو الخطأ الأول.. أنه أنزل واقعة تخص "كفاراً في مواجهة مسلمين" على حرب صيف 1994 بين طرفين كلاهما مسلم مؤمن، ولكي يبرر ذلك كفر طرفاً ليبرر قتله وقتل من معه.. وبدلاً من البراءة من تلك الفعلة ينكرها مستكثراً على الناس أن يكونوا أصحاب ذاكرة أو لهم "أرشيف" يرجعون إليه، وهذا هو خطؤه الثاني. ڈ إن ذلك الحكم الذي قرره رجال الدين القدامى حول التترس أثناء الحرب بين مسلمين وكفار، هو قول رجال وحكم رجال وليس حكم الله ولا من شريعة الإسلام، وبدلاً من الدفاع عن هذه الفتوى أو الحكم أولى برجال الدين اعتبارها حكماً قديماً لا يصلح في هذا العصر في حرب بين مسلمين وغير مسلمين فما بالك بين طرفين مسلمين. هذه الفتوى أو هذا الحكم يتعارض مع تقاليد وآداب الحرب في الجاهلية والإسلام، ويتعارض مع القانون الدولي الإنساني المعمول به اليوم في كل أنحاء العالم والملزم لكل الدول.. التترس أصلاً لا وجود له في عصر يتميز فيه المقاتلون عن المدنيين بوضوح، ولو حدث شيء من ذلك فإنه يعد جريمة حرب عقابها شديد.. والقانون الدولي يوضح أنه إذا كانت الحرب ضرورية فيجب أن تكون لها آداب، ومن هذه الآداب عدم التعرض لغير المقاتلين وللأطفال والنساء والأسرى.. و..و.. والخلاصة أن تلك الفتوى، وذلك الحكم أولى أن يبقى في بطون الكتب، ولا يجوز استحضاره وإنزاله على قضية تتعلق بكفار ومسلمين.. فكيف لو كان يتعلق بحرب بين مسلمين ومسلمين.