- في الأثر وردت فضيلة (اذكروا محاسن موتاكم) .. وعندنا إذا مات ميت عاق وطنه كذبوا له، ولعل كثيرين يسمعون ويقرؤون (الاكليشة) اليمنية التي تردد دائماً في بيانات النعي .. انتقل إلى رحمة الله عن عمر ناهز مائة أو خمسين أو ثلاثين (قضى معظمه) في خدمة الوطن والثورة والجمهورية .. ويعلم كثيرون أن ذلك كله كذب لكنهم لايعلقون عليه بسبب رهبة الموت .. رغم ان الشخصية العامة تظل عرضة للنقد حية أو ميتة .. شيخ كبير كان أداة بطش بيد الائمة وحارب الثورة .. وقوى صفوف الملكيين وشارك في محاصرة صنعاء، وبعد دحر الملكيين (جمهر) يومين ومات، فقيل (قضى معظم عمره في خدمة الثورة والجمهورية والوطن والشعب).. وقبل فترة قرأت بيان نعي (انتقل إلى رحمة الله فلان عن عمر ناهز الثلاثين عاماً قضى معظمه في خدمة الوطن والشعب والوحدة) .. قلت: عمره 30 قضى معظمه في خدمة الوطن والشعب والوحدة، كيف؟ هل بدأ يقدم هذه الخدمات لكل هؤلاء .. الوطن والشعب والوحدة.. وعمره عشر سنين؟! وقضى أحدهم عقوداً في الوظيفة العامة وأتى بقضة وقضيضه وعياله ينهبون معه، ولما مات قالوا كان خادماً للشعب والوطن .. وأيضاً للوحدة التي شرفها بالنهب وحكاية الأصل والفرع. - لو كان المسؤولين والمشايخ الذين ماتوا قد قضوا معظم سني حياتهم أو حتى عشرها في خدمة الوطن وهذا الشعب لكان اليمن اليوم يزاحم هونج كونج، والشعب اليمني في عليين، أو على الأقل كل مواطن فيه بمستوى معيشة كتلك التي وصل إليها اليهودي اليمني الذي طرد طرداً إلى إسرائيل!! لا أحد يقضي عمره أو معظم عمره في خدمة الوطن والشعب إلا من رحم ربي .. يقضي أحدهم عمره في خدمة نفسه وتمكين عياله في الدولة .. ومن الخزانة العامة وهذا ألطفهم وأقلهم ضرراً .. وأما الأكثرية فلا تأتيه القاضية إلا رحمة من الله بالشعب والوطن .. -وعندي أن الأمانة تقتضي وصف من (قضوا معظمه) فيما قضوه .. ولا يقرأ الناس في بيانات النعي إلا الصدق: قضى معظمه في مقاومة الدستور وقوانين البلاد .. قضى معظمه قاطع طريق .. قضى معظمه في السطو على أراضي الدولة والأوقاف.. قضى معظمه (نهابة) ... قضى معظمه في (الوقيص) .. قضى معظمه في نهب المال العام .. قضى معظمه في محاربة الدولة .. قضى معظمه في استغلال الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب غير مشروعة شخصية وعائلية ومناطقية .. وقضى نحبه أثناء هجوم على المعسكرات .. وأخيراً بعث من القبر مسؤول (يقضي معظمه) بكاء!