ثمرة أربعين زيارة (اليمن وأهل اليمن أربعون زيارة وألف حكاية) كتاب صادر عن دار الشروق القاهرية؛ للكاتب يوسف الشريف، الذي تخرج في كلية الحقوق واستهوته الصحافة، فبدأ في دار روز اليوسف، يكتب في الشئون الاجتماعية والأدبية والفنية والسياسية حتى تقلد منصب رئيس قسم الشئون العربية والعسكرية، ثم منصب مدير التحرير وتخصص في شئون اليمن والسودان والقرن الأفريقي، غطى كل مؤتمرات القمة وكل الحروب العربية ابتداء من حرب اليمن وحربي 67 و73 والحروب الصومالية والأثيوبية والعراق وأريتريا. وظل يكتب باستمرار في الصحف المصرية والعربية؛ إلى أن وافته المنية في 21 يناير/كانون الثاني 2010 وترك العديد من المؤلفات القيمة من أهمها: السودان وأهل السودان - أسرار السياسة وخفايا المجتمع، كامل الشناوي آخر ظرفاء ذلك الزمان، وصعاليك الزمن الجميل. وكتاب (أربعون زيارة وألف حكاية عن اليمن وأهل اليمن) قام بتقديمه محسن العيني رئيس الحكومة اليمنية الأسبق، قائلاً: اليمن وأهل اليمن، كتاب ضخم، ثمرة لأربعين زيارة وفيه حقاً ألف حكاية ورواية، وقد بدأت علاقة المؤلف باليمن قبل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول 1962 مع طلائع اليمنيين الأحرار- القاهرة، مع الأستاذين الزبيري والنعمان، والطلاب اليمنيين في المعاهد المصرية. وقبل الدخول إلى اليمن الحديث عاد بنا المؤلف إلى التاريخ القديم واكتشف صلات بين مصر واليمن وعلاقات ومصالح أمنية واقتصادية وإستراتيجية. الكتاب لا يكاد يترك موضوعاً إلا طرقه، تحدث عن صنعاء وأسواقها ومبانيها، وكوكبان وتعز وعدن وشبام وحضر موت، عن بازرعة في القاهرة، والأديب باكثير عن مخبازة الشيباني، عن المرأة اليمنية ودورها والأزياء والفل، لم يترك صغيرة أو كبيرة في حياة اليمن إلا وتحدث عنها حديث المحب العاشق. علاقات بين حضارتين يتحدث المؤلف عن تأصيل العلاقات المصرية اليمنية، قائلاً: إن الحديث عن العلاقات بين مصر القديمة التي تسمى مصر الفرعونية وبين اليمن القديم هو حديث حضارتين رائدتين في زمانهما وفي مكانهما، وفى إطار العالم المحيط بها، علاقات بين حضارتين، ورغم أن إحداهما تنتمي إلى قارة إفريقيا والثانية تنتمي إلى قارة آسيا اليمن إلا أنهما تنتميان إلى كيان حضاري وجغرافي واحد هو كيان الشرق الأدنى القديم الذي يضم حضارة وادي النيل وبلاد النهرين وسوريا والجزيرة العربية والأناضول وإيران. ويضيف المؤلف: ولما بزغ نور الإسلام انخرط اليمنيون في جيوش الفتح الإسلامي، والشاهد أن ما يزيد على أربعة آلاف يمني، كان يمثلون قلب الهجوم في جيش عمرو بن العاص عندما فتح مصر في الثامنة عشرة من التاريخ الهجري، فلما استقر بهم المقام تزوجوا بمصريات، ومن نسلهم كانت ولادة العديد من الأسر العريقة تأكيداً على عمق الروابط الروحية والوشائج الاجتماعية بين الشعبين. ويجيب المؤلف على تساؤل هل تدخلت مصر في اليمن، إن الدور المصري لم يكن ينطوي على شبه إكراه كما لم يكن يعني تدخلاً في شئون اليمن على غير إرادة شعبه، بينما كان التدخل المعادي لإجهاض الثورة على غير إرادة اليمنيين من وراء الحدود، بمعنى أن الدور المصري كان ضرورة قومية أملتها الظروف الموضوعية والإقليمية التي أحاطت بثورة أصيلة فنهضت بإرادة جماهيرية حرة، وترتكز على قوى اجتماعية وفكرية وعقيدة راسخة طامحة للتغيير ومواكبة العصر، وهو ما مكنها بعد من الإطاحة بسلطة الأمانة من أن تخطو خطوتها الأولى من ظروف طبيعية نحو إعلان الجمهورية وبناء الدولة من الصفر وبناء قواتها المسلحة وتعزيز الولاء للوطن. ويتذكر المؤلف حكاية جلب دودة القطن من مصر، فيقول: في عام 1972 عاد محسن العيني إلى رئاسة الحكومة اليمنية؛ حيث شرع إلى تأجيج الحرب ضد القات عبر أسلوب مختلف فجلب سراً من مصر شحنة من الصناديق التي تحتوى على كم هائل من دودة القطن التي تفتك بمحصول القات، ثم كلف من يسربها في الخفاء إلى بعض مزارع القات، لعلها وعساها تلعب دوراً قوميا في القضاء على أشجاره الملعونة. وعلى ما يبدو أن دودة القطن المصري على حد سخريات أهل اليمن رفضت التدخل فيما لا يعنيها ومن ثم امتنعت عن تنغيص المزاج اليمني وتأزمت العلاقة كما لو أنها الثأر بين محسن العيني ومافيا القات، حتى نال شرف وصفه بالعدو الأول للقات. عبد الناصر وإسماعيل يس ومن حكاية لحكاية، ينقلنا المؤلف إلى حكاية قبيلي يسأل عبدالناصر عن إسماعيل يس، فيقول: اقترب قبيلي بسيط من الرئيس جمال عبدالناصر خلال زيارته مدينة تعز، وكان واضحاً أنه يرغب في إبلاغه رسالة ما، ولذلك أمر الرئيس بإفساح الطريق حتى اقترب الرجل منه، وصافحه وقبله، ثم سأله: هل تعرف إسماعيل يس؟ وقال له الرئيس: نعم! وقال الرجل بعفوية، أطلب منك إذن أن تبلغه سلامي، ولما قام إسماعيل يس شخصياً بزيارة اليمن عام 1964 كانت له نوادر تروى وكانت له ذكريات سعيدة لا تنسى في اليمن، قال عنها: تشرفت بزيارة صنعاءوتعز والحديدة، ولا أستطيع أن أصف مدى الحفاوة الغامرة التي استقبلني بها أهل اليمن، إنهم ناس طيبون جداً، وجدت أني ذهبت لشراء قماش ودخلت المحل وكان صاحبه واخد تعسيلة، واستيقظ الرجل على صوت الناس اللي جايه ورايا، فأمسك بتلابيبي، ظناً بأني لص مطلوب للعدالة، ولما عرف أني إسماعيل يس اعتذر وأعطاني قماش ثلاث بدل، ورفض أن يأخذ مليماً واحداً. وفي ختام الكتاب، يقول الكاتب يوسف الشريف: إذا كانت مصر قد عبأت مواردها وحشدت إمكاناتها وأسلحتها وعتادها عبر جسرين بحري وجوي للقتال إلى جانب ثوار اليمن، حيث امتزجت الدماء وتعانقت أرواح الشهداء اليمنيين والمصريين فلا شك أن هذه الملحمة النضالية سابقة سياسية وشعبية مقدرة في سجل التاريخ العربي المعاصر وانحياز مشهود لدعوة القومية العربية بالنظر إلى الانتصار الذي تحقق للثورتين ثم تتويج ذلك الانتصار المؤرخ بإعلان الوحدة بين شطري اليمن. ومن هنا أتاحت لي ظروف العمل الصحفي مواكبة التحولات السياسية الكبرى على أرض اليمن على مدى 44 عاماً متصلة منذ اندلاع الثورة السبتمبرية ومتابعة وقائعها، وانعكاساتها المباشرة كما الزلزال والبراكين على محيطها الإقليمي في الجزيرة العربية.