في عصر ندر فيه الوفاء وجفت ينابيعه،تأتي جامعة عدن الشماء ممثلة برئيسها الدكتور/عبدالعزيز بن حبتور فتدعو إلى الاحتفاء والاحتفال بمرور مائة عام على مولد العلامة والعبقري والعلم الشيخ/محمد بن سالم البيحاني الذي وافاه يومه وخذله قومه،أبت جامعة عدن إلا أن ترد الاعتبار لشيخنا الجليل محمد بن سالم البيحاني رحمه الله،ومن سنَّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. وتبرم الشيخ البيحاني من الأوضاع يوماً وأحس بغربة قاتلة: وهو بين أهله، وفي وطنه، ولعله تمثل بقول الإمام مالك رضي الله عنه: أزهد الناس بالعالم أهله، ثم جيرانه، وقال مخاطباً صديقه الأستاذ / عبدالمجيد الأصنج رحمه الله : من مبلغ عبدالمجيد الأصنجا *** أني أريد من البلاد المخرجا فلقد سنمت إقامتي في معشر *** لا يكرهون لعالم موت الفجا فالعلم مثل النور والخفاش لا *** يحيا لعمر أبيك إلا في الدجى لو كان سقراط الحكيم يعيش في *** بلدي لسمى الموت مفتاح النجا آسف علة نفسي وكنت أعزها *** من أن تواطن في البلاد السذجا كيف الحياة مع الذين إذا رأوا *** ورد الحياة توهموه العوسجا وأصرخ معي في وجه شعب غافل *** عما عليه ولا تقف متفرجا عاون على الإصلاح في البلد الذي *** جمع المقصر والسريع والأهوجا الشيخ البيحاني أول من دعا إلى وحدة اليمن تراباً وإنساناً، فنسمعه يقول مخاطباً إمام اليمن قبل الثورة حين قدم إلى تعز مطالباً بإطلاق المعتقلين بتعز وصنعاء وحجة.. لا عيد إلا مثل هذا العيد *** من حضرموت إلى مشارق ميدي إلى أن يقول : وجميع مانرجوه من فضل الامام *** هو المضي بجده المعهود في فك مسجون ورد مهاجر *** ترك البلاد وعاش بين هنود ونريد تعليماً ورزقاً واسعاً *** وسلامة من غاصب وحسود فالعلم يرفع للبلاد منارها *** حتى تبدل نهضة بعقود وأرفع لنا علماً يدرب تحته *** من شئت للتدريس والتجنيد والرزق تفتح بابه بزراعة *** وتجارة وعمارة المهدود من قبر هود في أقصى حضرموت *** إلى حدود صديقك أبن سعود ثم يقول : لكن هناك بقية يرجى لها *** جود الإمام وأنت بحر الجود والله لو بشرني بفكاكهم *** لرأيت للرحمن طول سجود ولما كان الشيخ رحمه الله - ضريراً فنراه هنا يندب حظه ويتحسر على مضي خمسين عاماً من عمره، دون أن يرى جمال الحياة وأشواقها : مضت خمسون عاماً من حياتي *** وما أعددت شيئاً للممات وخلفت الشباب ولست أدري *** بما أنا بعد هذا السن آت وشيب الرأس يومئ لي نذيراً *** بأني قد قربت من الوفاة واسمع ما يقول بصير عين *** إذا وصف النجوم النيرات وأسمع قول أصحاب الأغاني *** إذا ذكروا الحسان الغانيات فأحزن للجمال يفوت عيني *** ونفسي للجمال من الهواة ومن رباعيات الشيخ البيحاني ألأنيقة قوله: يقولون هل تهوى ولست بمبصر *** ومن أذني مر الحبيب إلى قلبي بنفسي أفديها إذا ما تكلمت *** وأرهفت سمعي كدت أقتل بالحب لقد خلقت حورية في طباعها *** وفي جسمها لكن من اللؤلؤ الرطب ولو أنها مست مريضاً بكفها *** لعوفي واستغنى المريض عن الطب أيها الإخوة والأخوات أنه ممن شعر فقيه ، وهل عرفت العاطفة الجياشة إلا عند الفقهاء وأولي البصر والبصيرة. وللشيخ البيحاني أيام مشهودة ومواقف جريئة فقد وقف أمام الاستعمار البريطاني يوم منع اشتراك اليمنيين من أبناء الشمال في انتخابات المجلس التشريعي في عدن فقال رحمه الله : أيا مجلس التشريع هل أنت منصف *** إذا انتخب الأعضاء أم أنت ظلام وهل أنت معطى لليمانين حقهم *** وهل يدخلن فيك هزاع وسلام وما هذه الأوطان إلا لأهلها *** وفي أنف من خان العروبة إرغام وفي عصرنا لا مجد إلا بمدفع *** وطيارة أو حين تنبت ألغام كلام القوي المدعي مصدق *** وشاهد الدولار والناس حكام وأي ضعيف جاء يطلب حقه *** ففي ظهره سوط وفي الوجه ملطام وأشجع خلق الله في كل بقعة *** من الأرض إنسان جهول وظلام وقد وقال رحمه الله من قصيدة طويلة في ديوانه (العطر اليماني) يقولون الضرير فقلت كلا *** بلى والله أبصر من بصير ومن قوله أيضاً : قالت أتعشقني غداة لقيتها *** يا للرجال وصبوة العميان فأجبتها فداؤك إنما *** اذني وعيني في الهوى سيان رحم الله شيخنا البيحاني وأسكنه فسيح جناته فلقد عشنا بقربه أياماً نضرات ليست من أيام الدنيا والعيش غض والزمان غلام . فوا لهف نفسي على الماضي وحاضرنا *** ما أبعد الفرق بين اليوم والأمس وليست عشيات الحمى برواجع *** ولكن خل عينيك تدمعا * عضو مجلس الشورى نائب رئيس هيئة علماء اليمن